حارة! حارة! حارة! كلمة غالباً ما تصاحب التوابل، ليس في عالم الطهو فحسب ولكن في الأوساط العلمية أيضًا. النكهة هي أقل ما يهم فيها، رغم أنها سبب كاف بالتأكيد.

لنأخذ على سبيل المثال الفلفل الحريف، ذلك الفلفل الأحمر المليء بالكابسيسين، المادة التي تجعل فمك يحترق إذا تناولت ما يكفي منها. في الواقع، إنها تحرق الدهون في جسمك أيضًا. فكمية صغيرة منها، غرام يضاف إلى حساء الطماطم، تزيد استهلاك الطاقة والشعور بالشبع على حد سواء. ويلاحظ عالم التغذية والمدير التنفيذي لمعهد ماكورميك للعلوم غي جونسون: «إنها جرعة صغيرة في مجال الطهو، لكنها تقدم نهجًا تخريبيًا إلى أحد أكثر المشاكل تعقيدًا في الحياة الحديثة: الأشخاص الذين تناولوا حساء الفلفل كانوا قادرين على الحد من استهلاكهم أطباق المعكرونة بالجبن المقدمة بعد ساعات عدة».

Ad

عادة ما تحفز التوابل حواسنا كلها، فضلاً عن عملية الهضم والتمثيل الغذائي. منذ بعض الوقت، لاقت المنشطات رواجاً كبيراً، واعتقد أنها تفتح الطرق المؤدية إلى العاطفة. إلا أن التوابل تفعل أكثر من ذلك بكثير لغذائنا ولنا.

توفر لنا التوابل نكهات من العالم كله أكثر من أي مكونات أخرى. ولطالما بحث الإنسان عنها على مر الحضارات وتاجر بها، سواء للاستخدامات الطبية أو الطهو. فالفلفل الأسود، وبذور الكمون وجوزة الطيب، التي نشأت في المناطق الاستوائية في جنوب شرق آسيا ولا تزال تفوح منها رائحة سر الشرق، كانت تستخدم كعملة بحد ذاتها.

ومع توسع التجارة وتحولها إلى عملية روتينية، أصبحت هذه الأطعمة الشهية، والغريبة سابقاً، شائعة فألهمت عمليات الاستكشاف العالمية، وغالباً ما تستخدم اليوم في تحضير مختلف الأطباق، فيما كانت في السابق تحفظ في الجزء الخلفي من الخزانة.

لكن تتمتع التوابل بأهمية كبيرة جدًا في مجال العلوم، وتشكل مواد البحوث المهمة لمجموعة من الفوائد الصحية، من محاربة السرطان وحماية وظيفة الجهاز العصبي إلى الحفاظ على سلامة التمثيل الغذائي. فاستخدام الكركم، على سبيل المثال، يخفض إلى حد كبير مستويات الدهون في الدم بعد تناول وجبة غنية، ويخفض مستويات الأنسولين أيضاً.

وتظهر برامج بحثية حديثة كثيرة أن التوابل تتمتع بآثار قوية على الدماغ، سواء في تعزيز الوظائف المعرفية ومنع تراجعها.

على سبيل المثال، حتى في البلدان المنخفضة الجرعات، حيث استهلاك كميات صغيرة على مدى فترات طويلة من الزمن هي الطريقة التي يعتمدها معظم الناس في استهلاك الأعشاب والتوابل، يحسن عشب المريمية الذاكرة والانتباه لدى المسنين الأصحاء، بما في ذلك في أوقات النهار التي يلاحظ فيها انخفاض الأداء العقلي.

وقد تبين أن إكليل الجبل يزيد سرعة الذاكرة العاملة، وهو مؤشر إلى الوظائف الإدراكية في عملية الشيخوخة. أما الكركمين، العنصر النشط في الكركم، فله تأثير على المزاج قابل للقياس، بل ينتج عوامل النمو العصبي في الدماغ، مقلداً عمل البروزاك المضاد للاكتئاب.

وقد تبين أن مزيج التوابل الهندية الذي يحتوي على الكركم والقرنفل، كذلك إكليل الجبل والصعتر يعزز صحة القلب عن طريق تحسين وظيفة الخلايا التي تبطن الشرايين، وأي شيء يعزز تدفق الدم يحرض أداء الدماغ بشكل عام. فضلاً عن ذلك، مزيج التوابل نفسها المضافة إلى الهامبرغر يحمي محتوى الدهون من الأكسدة، ويحد من إنتاج المواد المسرطنة.

الكركم، أحد مكونات الكاري الهندي الشائعة، يحمي الخلايا العصبية من مرض الباركنسون. وأظهرت مجموعة متنوعة من الدراسات الحديثة أنه يشغل آليات عدة للحفاظ على السلامة المعرفية، والحماية ضد الأكسدة، والحد من ضعف الإدراك. يعالج الكركمين أيضًا أمراض الأعصاب وكثيرًا من التشوهات الناتجة من مرض هنتنغتون.

الزعفران أحد التوابل التي لا يشيع استخدامها في المأكولات الأميركية، رغم أنه يحول دون تراكم البيتا اميلويد السامة في أدمغة البشر ويساعد على مكافحة مرض ألزهايمر المعتدل.

ويُشار إلى أنه حتى رائحة التوابل تترك آثارًا ملحوظة على الدماغ، فرائحتا النعناع والقرفة تعززان اليقظة وتقللان التعب، وتزيدان اليقظة الفسيولوجية العامة، وتعززان الانتباه والتحفيز والقدرة على الحفاظ على أعباء العمل. ورغم أن تنشق رائحة عشبة المريمية ليس فاعلاً على قدر تناولها، فإنه يعزز الذاكرة والمزاج. واظهرت مجموعة من الدراسات الأخرى أن استهلاك القرفة يساعد باستمرار في الحفاظ على مستويات صحية للسكر في الدم.

تكتسب التوابل والأعشاب نكهتها المميزة من مجموعة فريدة من المعادن، ومضادات الأكسدة، وغيرها من مركبات حيوية نشطة تتركز فيها. في معظم الأحيان، تكون المكونات النشطة مكثفة للغاية ومتطايرة لأنها تنشأ عن الدفاعات الكيماوية في النباتات، التي صممتها الطبيعة لدرء هجوم الحيوانات المفترسة أو الميكروبات، أو تدمير العناصر.

يقول جاك تيرنر، مؤلف كتاب حول التوابل: «القرفة هي الشكل الطبيعي للدروع؛ أما رائحة جوزة الطيب الجذابة فهي بالنسبة إلى بعض الحشرات، مجموعة من السموم. وتتمثل المفارقة الأولية في تاريخها في أن جاذبية التوابل هي (من وجهة نظر النبتة) أحد أشكال النتائج الداروينية العكسية. فما يجعل التوابل جذابة إلى هذا الحد للإنسان هو، بالنسبة إلى أعضاء آخرين في مملكة الحيوان، مثير للاشمئزاز».

تختلف التوابل عن الأعشاب: فالأعشاب تأتي من أوراق النباتات، وينمو معظمها في المناطق المعتدلة، في حين تستخرج التوابل من البراعم (القرنفل)، والقشرة (القرفة)، والبذور (الشمر) والجذور (الزنجبيل، والكركم)، وأجزاء أخرى من النباتات المحلية إلى المناطق المدارية. تطلق كل من الأعشاب والتوابل مركبات النكهة فيها بالكامل عند تسخينها وتحتفظ بها كاملة إذا أضيفت في نهاية عملية الطهو.

مع ذلك، قد يتم في المطبخ الهندي طهو التوابل أولاً، في الزيت. وغالبًا ما تضاف حسب تسلسل صارم تم التوصل إليه على مدى قرون، ويتمتع بمنطق كيماوي متطور للغاية، يعزز أحد العناصر المتطايرة من خلاله إطلاق عناصر أخرى.

ويلاحظ جونسون: «لا يظهر استخدام الأعشاب والتوابل أي جانب غذائي سلبي، فهي خالية من السعرات الحرارية ومن الدهون أيضاً. تجعل الطعام أكثر إرضاء وتساعد في تعديل تناول الطعام وتحتوي على مكونات ذات آثار بيولوجية كبيرة.»

قلة من الطهاة تعامل التوابل بالاحترام الذي تستحقه. لتحقيق الاستفادة القصوى منها، يفضل شراؤها كاملة، وتخزينها كاملة، وطحنها حسب الحاجة.

تحتفظ التوابل الكاملة بنكهتها لمدة سنة، على الأكثر. ويجب تجديد التوابل المطحونة، التي تتأكسد بسرعة كل ستة أشهر. يُشار إلى أن أفضل طريقة لطحن التوابل هي من خلال طحنها باليد في الهاون بواسطة مدقة.

للحصول على النكهة وتعزيز الدماغ، يفضل استخدامها بحرية لاستبدال الملح.

* Hara Estroff Marano