كل كائن حي ينفرد بميزة تختلف عن الآخر، حسب الطبيعة التي ركب عليها... فالأسد مثلاً يمتاز بقوة بدنية عالية مكنته من تبوء أعلى المناصب في مملكة الحيوانات، والثعلب موصوف بالمكر والدهاء، والنسور تمتاز بعينين حادتين لتتمكن من رؤية الفرائس من الأماكن الشاهقة، والحمير تتحلى بالصبر والجلد أمام القمع المنظم الممارس ضدها من قبل مالكيها، رغم أن تصرفها هذا يعد من قبل خصومها "الإنسيين" غباءً لأنها تفرط بأثمن شيء عندها، وهو الحرية من أجل حفنة من الشعير المضروب. أما الزواحف كبعض "السحالي" والثعابين، فإنها تلجأ إلى تغيير جلدها كبعض سياسيينا هذه الأيام أو تستغني عن بعض جسدها كلما شعرت بخطر داهم يحدق بها للحفاظ على النوع من الانقراض.

Ad

ما أريد إثارته هنا ليس حقوق الحيوان بحد ذاتها، فأنا لست من دعاة حقوقه، ولكن ما يعنيني القوانين الطبيعية الفذة التي أودعها الله فيه والتي يعمل بموجبها ويستمر في الحياة، ويدافع من خلالها عن حقوقها على أكمل وجه.

في رأيي أن هذه القوانين أعظم بكثير من القوانين التي اصطنعها الإنسان وورط نفسه فيها، والتي على الرغم من وجاهتها وفعاليتها في تنظيم وإدارة المجتمع، فإن الجرائم الكبيرة مع ذلك مازالت في اضطراد دائم، ومازال العالم في ظل وجود هذه القوانين "المصطنعة" يعاني مشاكل عديدة بعضها خطير مثل انتشار الجوع والحروب ومشاكل البيئة والاحتباس الحراري والأمراض المستعصية، التي تظهر بين حين وآخر نتيجة تمرد الإنسان على طبيعته، وما تسمى "بالفطرة"، فلم تستطع تلك القوانين أن تمنع وقوع حربين عالميتين ذهب ضحيتهما أكثر من سبعين مليونا من البشر!

فالإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يخالف طبيعته ويعمل ضدها باستمرار، يقول شيئاً ويعمل خلافه ويدعي أمراً ويأتي عكسه، مليء بالمتناقضات والأضداد، بمقدوره الجمع بين الصدق والكذب والتدمير والبناء، بالإضافة إلى كونه الكائن الحي الوحيد الذي يستطيع الضحك على ذقون الآخرين واللعب على أوتار عدة في آن واحد!

بعكس الحيوانات، فإن لها نظاماً خاصاً بسيطاً للغاية، ولكنه مؤثر وفعال، لا تحيد عنه قيد أنملة، تتبعه من لحظة مولدها إلى أن تموت... فما وجدنا كائناً حياً آخر غير الإنسان وجه سهام غدره إلى أخيه بمجرد أن اختلف معه في الرأي.

ولم نر حتى الآن تمرد حمار على صاحبه لأنه جرح كبرياءه! أو استغل نمر انشغال الأسد بشؤون الأمة الحيوانية، فجمع حوله شذاذ الآفاق من الحيوانات السائبة وقاد انقلابا "حيوانياً" عليه وتربع مكانه!

الكل يعمل بموجب نظام داخلي متين، وتحكمه قوانين طبيعية صارمة، بما تكفل له الاستمرار في الحياة والتعايش فيما بينهم، دون اللجوء إلى عقد مؤتمرات سلام أو معاهدات استراتيجية أو اتفاقات حزبية و"كتلوية"... الكل نظم حياته وفق ترتيب مشترك واحد بدون تلك الالتزامات الأخلاقية، يعيشون متهنئين "أربعا وعشرين حباية"..

فما أحوجنا إلى فهم عالم الحيوان والاستفادة من قوانينه الطبيعية المنظمة، لحل مشاكلنا الكثيرة التي تعجز قوانيننا "الإنسانية" عن حلها، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: متى نتخلى عن فكرة أن قوانين الإنسان أفضل من قوانين الغاب؟!

* كاتب عراقي