منعطف صعب ومؤثر ما تمر به الحياة السياسية في الكويت اليوم، وبقدر ما يبدو صاخباً ومليئاً بالمشاحنات، يضع المجتمع أمام مرحلة تغيير كبيرة تتطلب من أفراده تحديد المواقف والآراء وتشكيل حراك مدني فاعل بصورة عاجلة. فهذه الأوضاع الحرجة بين: حل البرلمان، وتظاهر واكتساح نيابي، والعودة من جديد على حين "بطلان" إلى حالة سابقة؛ تتطلب وعياً عميقاً يتجاوز مفاهيم المواطنة والانتماءات الاعتبارية، وثقافةً شاملة متنوعة تتضمن وعياً قانونياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً ليمارس أفراد المجتمع دورهم مشاركين في رسم مستقبل البلد، وبالتالي إما الدفع بعجلة التطور وتعزيز مدنية الدولة، وإما عرقلة مسيرتها لتنكفئ بسبب الاختيارات السلبية والاعتبارات السطحية الهشة. لا يخفى على الجميع أن "ساحة الإرادة" حددت بدقة مفارق الطرق وتباين الاعتبارات الحالية ما بين "معارضة" للأداء الحكومي اتخذت شكل الأغلبية، رغم طابعها التجميعي التوفيقي الذي تمكن من حشد عدد كبير من الأفراد الراغبين في التغيير والإصلاح، وقد ساهمت الروابط والانتماءات الاجتماعية في تعزيز هذه الأغلبية ودعمها. ومجموعة ثانية شاركت في التجمع المعارض خارج سياق "الحشد"، معلنة تمثيل الفرد لنفسه دون دعم أي نائب أو مجموعة "لا تؤمن بالدستور من خلال ممارسات غير دستورية، كقمع الحريات أو تزوير الانتخابات من خلال ما يطلق عليه "الفرعية" أو تقسيم المجتمع على أساس طائفي أو قبلي"، لذا رفعت شعار "أمثل نفسي". ولم تختلف عنها مجموعة ثالثة تنتقد الأداء الحكومي، ولكن تتحفظ بشدة على مسألة الانضمام إلى كتلة المعارضة أيضاً بشكل مطلق وترفض طريقة تشكلها وحراكها وأسلوب اختيار مواقفها، وتفضل آليات التقاضي والمحاسبة والمراقبة عبر المتخصصين والمؤسسات المعنية بتلك المهام، فاختارت عدم المشاركة في تجمعات "ساحة الإرادة"، لأنه يدعم بصورة أو بأخرى "كتلة المعارضة". لتبقى مجموعتان، الرابعة الرافضة للموقف المعارض، بتأييد تام للحكومة وأسلوب توليها لأمور البلد وتعاملها مع  مؤسساته المدنية، ومعبرة عن رضا بسياستها في تشكيل مسيرة العمل الديمقراطي، والخامسة التي تتملص من أداء أي دور لها بسلبية مفرطة، تنزوي في الظل، بعيدا عن التأييد أو المعارضة، جانحة إلى الاكتفاء بلقمة العيش وتلبية الحاجات والمصالح الرئيسة، والحصول على المتع البسيطة انغماساً في رغبة الابتهاج أو رهبة من الحكومة أو الجماعة المعارضة أو من "اتخاذ موقف" أياً كان بشكل أساسي! الطرق الخمسة تشكلت في سياق صراع "البقاء" الذي برز فيه "الأقوى"، و"الأكثر حيلة"، "والأعلى صوتاً"، و"الأقدر تفذلكاً" لو تأملناها بعيداً عن الفئة الأخيرة المستسلمة للواقع، في مناوشة محتدمة على كرسي المفاضلة الذي هتك تماسك المجتمع الإنساني فتصدع وتكاثرت فجواته، وبرزت أمراضه على السطح عنصرية وطائفية وقبلية وانتماءات مقيتة أوقعت الفرد في ورطة، باحثاً عن هويته الإنسانية وحقوق المواطنة التي ضاعت وسط غوغاء تبادل عبارات التشكيك والتخوين. ويبقى سبيل النجاة متعلقاً بذاك الذي يطالب بالحريات دون تفصيلات مزاجية، ويحمي الآخر دون أن يدفعه وسط المعركة نجاة بنفسه، ويرفض الفساد بالمطلق دون نسبية تتعلق بالمصالح والعلاقات الخاصة، ويناقش الأزمات بمساع صادقة لا تكون أداوته فيها إدخال الرعب في قلوب الناس أو نسف مؤسسات المجتمع المدني وقوانينه، هذه المعايير التي تحدد الطريق التي نختار... حيث البقاء لـ"الأعقل"!
Ad