هذا هو عام الانتخابات الرئاسية في مختلف أنحاء العالم، وآخر الانتخابات هذا العام- التاسع عشر من ديسمبر- سوف تُجرى في كوريا الجنوبية، ولكن هذا التصويت بدأ يخلف تأثيراً دولياً بالفعل، ويرجع هذا جزئياً إلى فشل كوريا الجنوبية في التصديق على معاهدة جديدة مهمة لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع اليابان، والذي اعتُبِر على نطاق واسع نتيجة لسياسات الحملة الانتخابية. ولكن هذه الانتخابات قد تخلف أيضاً تأثيراً أكثر إيجابية في المنطقة ككل.

في العاشر من يوليو، كانت بارك جيون هاي من حزب "الحدود الجديدة" الحاكم أول المعلنين عن ترشحهم للمنصب، وبالإضافة إلى مرشحي المعارضة الآخرين، فإن قدراً كبيراً من الاهتمام كان مركزاً على آهن تشيول سو، عميد كلية الدراسات العليا لتقارب العلوم والتكنولوجيا في جامعة سيول الوطنية، وهو رجل أعمال ناجح ويتمتع بشخصية كاريزمية بين الشباب والناخبين المستقلين في كوريا الجنوبية.

Ad

ولكن بارك هي المرشحة التي أثارت القدر الأعظم من الاهتمام حتى الآن، وهناك ترقب شديد بين الناخبين المحافظين، وبخاصة فيما يتصل بسياستها في التعامل مع كوريا الشمالية، الدولة التي تظل أفعالها وتحركاتها مستعصية على كل التوقعات والتكهنات كأي وقت مضى. (وأستشهد هنا بالقرار المفاجئ الذي اتخذه كيم جونغ أون بإقالة القائد العسكري الكبير ري يونغ هو، وتنصيب نفسه مارشالا، والكشف عن زواجه بامرأة بعد أن التقى بها لأول مرة عندما صاحبته إلى حفل موسيقي). وحتى الآن عملت بارك، التي استشعرت ثقة الناخبين في غرائزها فيما يتصل بالسياسة الخارجية، على إخفاء نواياها فيما يتصل بالتعامل مع كوريا الشمالية.

ويرى كثيرون من الكوريين الجنوبيين في بارك بطلة مأساوية، فقد اغتيلت أمها في عام 1974، ثم والدها الرئيس بارك تشونغ هي في عام 1979. ولقد قُتِل والدها على يد رئيس استخباراته، مدير هيئة الاستخبارات الوطنية كيم جاي جيو.

تجنبت بارك السياسة النشطة لسنوات عديدة بعد وفاة والديها، ولكنها فازت في وقت لاحق بمقعد برلماني، كما خدمت كزعيمة لحزب الحدود الجديدة (المعروف سابقاً باسم الحزب الوطني الكبير). وفي عالم 2006، جرح وجهها شخص هاجمها بآلة حادة أثناء مشاركتها في حملة انتخابية لمرشح الحزب الوطني الكبير لمنصب عمدة سيول.

ولكن الآن تبدأ المعركة الحقيقية، ففي حال انتخابها سوف تصبح بارك أول رئيسة امرأة لكوريا الجنوبية، وكما هي الحال في اليابان وغيرها من الدول الآسيوية، فإن المجتمع الكوري الذي يقوم على فِكر كونفوشيوس لم يشهد مشاركة سياسية تُذكَر من جانب النساء، ولو أن هذا الاتجاه يتغير بسرعة الآن. ففي عام 2000، حصل النساء على 5.9% فقط من مقاعد الجمعية الوطنية البالغ عددها 299 مقعدا، ولكن في عام 2004 تضاعف نصيب النساء في المقاعد إلى 13%، عندما تم انتخاب 39 امرأة في الدوائر الانتخابية الفردية وعبر التمثيل النسبي للقوائم الحزبية.

ووفقاً للاتحاد البرلماني الدولي، فإن هذه الانتخابات دفعت بكوريا الجنوبية من المرتبة 101 إلى المرتبة 62 على مستوى العالم من حيث حصة النساء في عضوية البرلمانات، لكي تسبق اليابان التي احتلت المرتبة 121. ولم تسفر هذه الزيادة في عدد النساء في البرلمان عن زيادة في عدد النساء في مجلس الوزراء فحسب، بل أسهمت أيضاً في تعزيز سياسات وتحسينات مؤسسية تستهدف النساء بشكل خاص. ورغم تراجع كوريا الجنوبية إلى المرتبة الثمانين في أحدث تصنيف للاتحاد البرلماني الدولي، فإن هذا الانحدار يعكس الزيادة اللاحقة في نسبة البرلمانيات في دول أخرى.

كان السبب الرئيسي وراء زيادة عدد النائبات البرلمانيات إدخال نظام الحصص، والذي يلزم الأحزاب السياسية في كوريا الجنوبية بتخصيص 30% من قوائم مرشحيها للنساء. ثم تم تعديل قانون تمويل الحملات الانتخابية لتقديم المزيد من التمويل الحكومي للأحزاب التي تفي بهذه الحصة، وتقليص التمويل المقدم للأحزاب التي لا تفي بها.

ونتيجة لهذا فإن أكثر من نصف الأعضاء الستة والخمسين الذين انتخبوا عبر التمثيل النسبي في انتخابات 2004 كن من النساء. فضلاً عن ذلك فإن 10% من التمويل الحكومي للأحزاب السياسية يستخدم الآن للنهوض بالمرأة في عالم السياسة، حيث يعمل كل حزب على إنشاء مؤسسات لتدريب النائبات والمرشحات البرلمانيات.

ورغم أن نظام الحصص لا يزال مثار جدال دستوري في كوريا الجنوبية، فقد ساهمت سنوات من الجهود التي بذلتها جماعات نسائية في تعزيز دور المرأة في صناعة القرار السياسي بشكل كبير. وفوز مرشحة امرأة بمنصب الرئاسية سوف يكون بمنزلة انتصار رمزي وعملي بالغ الأهمية لكل من سعوا إلى تأسيس بيئة سياسية مضيافة للنساء. ومن شأنه أن يعمل كمثال قوي تقتدي به دول آسيوية أخرى- بما في ذلك بلدي اليابان- حيث ناضلت المرأة من أجل اكتساب موطئ قدم انتخابي.

* وزيرة الدفاع ومستشارة الأمن القومي السابقة في اليابان.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»