كنت أسأل نفسي، كلما رأيت كتابا عن المذكرات الشخصية، إلى أي حد يمكن أن تصدق هذه المذكرات؟ وما حدود الجرأة التي يمتلكها الكاتب لإظهار أخطائه الشخصية، ومواقفه السابحة "عكس التيار"، خصوصا إذا ما علمنا أننا نعيش في مجتمع شرقي مسوّر بسياج لا بأس به من المحظورات، وهو سياج يقودنا إلى الانسجام تماما وسياق المجتمع الذي نعيش فيه؟

Ad

وذلك بالطبع إذا ما صرفنا النظر عن المذكرات الشخصية لعامة الناس، وهي موضة كانت انتشرت قبل عشر سنوات تقريبا في الغرب ثم انتقلت إلينا، إذ من السهل أن نجد إنسانا عاديا جدا يؤلف كتابا عن حياته الشخصية، ونجاحاته في الوظيفة، ومن ثم أفراد أسرته، وظروف تنقله من بلد إلى آخر، حيث تفقد مثل هذه المذكرات شروط التشويق، على اعتبار أن كاتبها إنسان لا علاقة له بالحياة العامة، وأقصد هنا الحياة العامة السياسية والثقافية والاقتصادية.

وحين صدر كتاب "ذاكرة ملك" أواسط التسعينيات من القرن المنصرم، وهو عن حياة الملك الحسن الثاني، وجد الكتاب حينئذ رواجا كبيرا، كان يباع في السعودية بـ 50 ريالاً للنسخة الواحدة، ورغم ذلك يُشرى بأعداد جيدة، ورغم أن الكتاب لم يكن متوقعا أن يحوي مفاجآت كبيرة، خصوصا أنه صدر في حياة الملك، فإن الباحثين عن خبايا السياسة كانوا يقبلون عليه، إضافة إلى أن الفكرة ذاتها كانت مستحدثة.

ويكاد يربط الناس بشكل تلقائي بين حياة الزعماء السياسيين، وذلك البذخ المرتبط بالنساء، وقصص الغراميات خلف أبواب القصور المغلقة، لذا فإنه ما إن سقط الزعماء العرب في "ثورات الربيع" حتى طفحت إلى السطح بعض تلك القصص المرتبطة بهم، ثم تجاوز الأمر الزعماء إلى حياة أبنائهم، فذلك يصدر كتابا عن حياة زين العابدين بن علي، وقصص الخيانات النسائية التي كانت تحدث خلف الجدران، وتلك راقصة تروي حياتها مع معمر القذافي، وذلك ضابط، أو حارس شخصي يتحدث عن علاقات الساعدي القذافي، وسيف الإسلام، وقبلهم قيل الكثير عن قصي وعدي صدام حسين، ذلك التلصص "الشهي" يُحدِث شيئا ما في أنفس الناس عندنا، لذا تجدهم يقبلون على مثل هذه الروايات.

على المستوى الأدبي، كان الناس يجدون شيئا مسليا في كتاب "غراميات العقاد" الذي ألفه عامر العقاد بعد رحيل الأديب الكبير، قد يغيب عنا محتوى الكتاب في الوقت الراهن، ولكنه كان شيئا جيدا للخروج عن المألوف بالنسبة إلى الأديب الذي عرف بمزاجه الحاد، وآرائه الساخرة والصادمة للمرأة، ككيان أنثوي نقيض تماما للرجل.

تحمل مذكرات بعض الأدباء قصة كفاح حقيقية، فكتاب "الأيام" لطه حسين كان مسلسلا ساخرا وفاضحا لحياة الريف في مصر، ومن ثم في مجتمع الأزهر الذي لم يكن يروق لصبي لم يتجاوز العاشرة من عمره، ذلك الصبي الذي تدرّج في العلم حتى قصة الابتعاث المعروف، ومن ثم رحلة التعليم المضنية. وتميز كتاب الأيام بما يحمله من لغة أدبية سلسة كانت هي أداة التسلية والتثقيف حين كان الناس في حل من الفضائيات، وموجة الاتصالات الحديثة.

الأديب السعودي عزيز ضياء، كان سباقا حين نشر مذكراته "حياتي مع الجوع والحب والحرب" كان ذلك أيضا في أواسط التسعينيات من القرن المنصرم، أي قبل رحيله بثلاث سنوات تقريبا، فالكتاب كان تأريخا لمرحلة مهمة أوائل القرن العشرين خصوصا في منطقة الحجاز والمدينة المنوّرة، شارحا تلك الأحداث التي تتقاطع مع الحرب العالمية الأولى، وصراع العثمانيين، والعرب، وكان أفراد كثر من أسرة ضياء ضحايا لتلك الأحداث السياسية، اكتسب الكتاب أهميته من أن ضياء شخصية تنويرية مهمة، ولأن حياته الشخصية كانت فيلما دراميا ولم تكن سلسلة عادية.

الاقتصاديون أيضا يدلون بدلوهم في هذا المجال، مثال ذلك حياة الوليد بن طلال، أو ستيف جوبز، إلا أن الأكثر تشويقا بالنسبة إلى القارئ العربي، مذكرات السياسيين وخاصة الغرامية منها.