في شهر مارس الماضي، استُدعي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمام البرلمان المستاء للإجابة عن أسئلة متعلقة بسياساته الاقتصادية وباحتيال مصرفي ارتكبه بعض حلفائه ولتفسير تحديه للقائد الأعلى آية الله علي خامنئي. استخف أحمدي نجاد بتلك الأسئلة وقدم أجوبة غير وافية وشكك بذكاء النواب (ينتمي معظمهم إلى معسكر المحافظين والمتشددين).

Ad

منحت المواجهة البرلمانية التي نُقلت مباشرةً على الراديو الرسمي فكرة واضحة عن صراع السلطة القائم بين أحمدي نجاد وحلفائه السابقين في معسكر المحافظين علماً أن معظمهم أبدوا دعمهم للرئيس خلال حملة "إعادة انتخابه" المثيرة للجدل في عام 2009، وقد أسفرت تلك الحملة عن احتجاجات شعبية حاشدة وسط ادعاءات بحصول عمليات تزوير. بحلول مارس 2012، لم يبقَ حلفاء كثيرون لأحمدي نجاد.

ربما تذكر أحمدي نجاد تلك المواجهة البرلمانية وسط المعاملة السيئة التي حظي بها في الأسبوع الماضي تزامناً مع انهيار قيمة الريال الإيراني وانطلاق احتجاجات غاضبة وصفته بالخائن. كما أنه واجه جولة جديدة من الانتقادات من جانب المتطرفين والمحافظين في البرلمان وفي وسائل الإعلام.

في شهر مارس، استاء البرلمان من سلوك الرئيس لدرجة أن البعض تحدث علناً عن احتمال الإطاحة به، لكن يُقال إن آية الله خامنئي منع البرلمان من إقالته (خامنئي هو أقوى شخصية في إيران وهو الرجل الذي أعطى الضوء الأخضر لمعسكر المحافظين كي يشن هجوماً على أحمدي نجاد).

اليوم، ربما يتمنى أحمدي نجاد لو أقدم البرلمان فعلاً على إقالته. لو حصل ذلك، كان سيصبح شهيداً سياسياً بدل أن يكون رئيساً فاشلاً ومتخبطاً يتعرض للانتقادات من المجتمع الدولي ويواجه هجوماً من الحلفاء القدامى خلال السنة الأخيرة من عهده.

وصل أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة في عام 2005 وهو يحمل رسالة تدعو إلى تطهير النظام من الفساد وقد اعتبر أن الإيرانيين العاديين يستحقون حصة أكبر من المكاسب الاقتصادية. كان محقاً في المطلبين ولكنه فشل في تنفيذ أي منهما.

تبين أن مساعديه يبرعون في أعمال الفساد، وقد أدت سياساته الاقتصادية إلى ترسيخ تضخم مزمن وجمود الأجور وسحب الاستثمارات من القطاع الصناعي وهروب الرساميل وتوقف النمو، وذلك على الرغم من ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات تاريخية.

لقد فشل "رجل الشعب" في تحقيق وعوده، لكن نجح بعض أتباعه في كسب ثروات طائلة. في غضون ذلك، ثبت أن تحديه السياسي لسلطة القائد الأعلى كان كارثياً. يكفي أن نسأل عشرات الأشخاص من كبار مساعديه عن صحة ذلك، فهم سُجنوا أو تعرضوا للترهيب خلال السنتين الأخيرتين وقد شملوا الإعلامي عباس جوانفكر الذي دخل السجن في اليوم الذي أدلى فيه أحمدي نجاد بتعليقات تمسّ الجمعية العامة في الشهر الماضي.

في ملف السياسة الخارجية، ترافقت حقبة أحمدي نجاد مع تراجع مكانة إيران الدولية وتدهور علاقاتها الدبلوماسية عالمياً. ترأس الرئيسان هاشمي رفسنجاني (بين عامي 1989 و1997) ومحمد خاتمي (بين عامي 1997 و2005) عهدين شهدا تحسن العلاقات الإيرانية مع الدول المجاورة والعالم عموماً. شهدت حقبة خاتمي تحديداً بناء جسور مع الدول العربية وأوروبا.

لكن جاءت حقبة أحمدي نجاد لتكسر تلك الجسور وتعمّق عزلة إيران وتجرّدها من الحلفاء النافذين. حتى روسيا والصين تُعتبران من الحلفاء المتقلبين، فلا ترغب روسيا حتماً في أن ترتاح إيران الغنية بالغاز من أعباء العقوبات بالكامل، بل من الأفضل أن يبقى الغاز الإيراني غير مستغل من وجهة نظر موسكو. تتردد الصين من جهتها في استكمال الاستثمارات في قطاع الغاز والنفط الإيراني، وهي تنفق حداً أدنى من الأموال هناك بينما لا تتوانى عن صرف عشرات مليارات الدولارات في أسواق الموارد الناشئة وفي الدول الإفريقية الصغيرة. في غضون ذلك، يشكل ميل أحمدي نجاد إلى دعم القادة اليساريين في أميركا اللاتينية حملة دعائية جيدة، ولكنه لا يفيد في تعزيز المصالح الاستراتيجية الإيرانية.

في العالم العربي تحديداً، كان أسلوب الرئيس الشخصي مزعجاً بالنسبة إلى رؤساء الدول الإقليمية. تبين أن مقاربة خاتمي الدبلوماسية (لا سياسات إيران وحدها) كانت حاسمة لتحسين الروابط الدبلوماسية في أنحاء المنطقة.

أخيراً، لم تستفد إيران ولا أحمدي نجاد من الخطاب الناري والعدائي والمضحك أحياناً. تقبع إيران في أسفل استطلاعات الرأي العالمية التي تصنف البلدان "السلبية" وتجريها مختلف الجهات (بدءاً من قناة "بي بي سي" (BBC) وصولاً إلى "معهد بيو")، وهي تَرِد إلى جانب كوريا الشمالية وباكستان وإسرائيل.

سيترك أحمدي نجاد منصب الرئاسة في صيف عام 2013، تشير شخصيته وتاريخه إلى أنه لن يترك الساحة السياسية بهدوء، لكن بالنسبة إلى رجل اقتحم الساحة العالمية بهذا الزخم والفخر الكبير، يبدو أنه سيخلّف وراءه دماراً من شأنه أن يعرض الإيرانيين للخطر بسبب تدهور الوضع الاقتصادي ونشوء بيئة جيوسياسية ستترك البلد معزولاً وستجرده من أي حلفاء نافذين.

لقد قدم أحمدي نجاد أداء لافتاً، ولكنه ليس الأداء الذي يمكن أن يتذكره الإيرانيون بشغف.

* أفشين مولافي | Afshin Molavi