هل يبدو الرئيس باراك أوباما واثقاً من قدرته على توجيه ضربة قاضية لخصمه في المناظرة التالية والأخيرة؟ ذكر مايك آلن من صحيفة Politico أن مناظرة دار البلدية في جامعة هوفسترا في السادس عشر من أكتوبر كانت "فرصة الحاكم ميت رومني الفضلى والأخيرة، لأن المناظرة التالية ستتمحور حول السياسة الخارجية، التي حقق فيها أوباما نجاحات كبيرة".لا شك في أن كثيرين يعتبرون أوباما قوياً في مجالَي السياسة الخارجية والأمن القومي. ولا يمكننا أن ننكر أنه حقق بعض الإنجازات المهمة خارج الولايات المتحدة، ولعل أبرزها الغارة التي انتهت بمقتل أسامة بن لادن. فلا يمكن لتسييس هذه المسألة أن يطغى على الشجاعة التي أعرب عنها الرئيس حين أمر بتنفيذ عملية مماثلة. فلو أخفقت هذه الأخيرة لتحولت إلى ما يمكن تشبيهه بمناورة جيمي كارتر الفاشلة لتحرير الرهائن الأميركيين في إيران، مناورة أنهت عهده. علاوة على ذلك، يشن أوباما حملة فاعلة ضد الإرهاب الإسلامي في أربع دول على الأقل (واقع يظن المرء أن نقاد أوباما الجمهوريين قد يتنبهون له، علماً بأنهم يعتبرونه متعاطفاً مع المسلمين أو حتى مسلماً). كذلك لابد من الإشارة إلى أن أوباما أوَفى بوعده أن يعيد الجنود الأميركيين من العراق إلى بلدهم، خطوة بدا جلياً أن أغلبية الأميركيين كانت تطالب بها.رغم كل ذلك، تتخلل سجل أوباما في مجال السياسة الخارجية الكثير من الشوائب، التي تتيح لرومني فرصاً كبيرة وواضحة.بعض الهفواتفي عملية السلام في الشرق الأوسط، نفّرت زلات أوباما القادة الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. ولا شك في أن هذا ليس بالإنجاز الكبير. كذلك عبر حلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي بوضوح عن عدم ثقتهم بقدرة أوباما على التصدي لإيران، التي تهددهم بقدر ما تهدد إسرائيل.أدت ثورات الربيع العربي إلى تمكين جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر وبروز السلفية الأكثر تشدداً في أنحاء العالم الإسلامي المختلفة. نتيجة لذلك، يشعر الليبراليون العرب، الذين قادوا الثورات، بأن الولايات المتحدة تخلت عنهم. أما باكستان، التي يُفترض أنها حليفة الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، فتواصل تمسكها بسياسات تؤدي مباشرةً إلى مقتل جنود أميركيين. ومن الجلي لكل مَن يراقب التطورات في أفغانستان أن حركة طالبان قد تعود يوماً إلى حكم هذا البلد. وقد تؤدي حرب الطائرات بدون طيار ضد أهداف إرهابية، حرب ينسب فيها أوباما الفضل إلى نفسه، إلى رد فعل دموي، خصوصاً إذا استمرت حصيلة القتلى المدنيين في الارتفاع.في الشأن السوري، تصل سلبية أوباما إلى حد لا يمكن تعليله. فقد تدخل في ليبيا لأسباب إنسانية. لكن سورية تشكّل اليوم حالة إنسانية أشد إلحاحاً وخطورة (يُقدَّر عدد القتلى حتى اليوم بنحو 30 ألفاً) وتحدياً أكبر للأمن القومي، مقارنة بليبيا، فضلاً عن ذلك، يحرم أوباما الولايات المتحدة، بتبنيه موقف المتفرج، من أي فرصة للتدخل في صوغ الحكومة السورية المقبلة، التي قد يسيطر عليها السلفيون. ولا شك في أن هذا سيؤدي إلى تداعيات خطيرة بالنسبة إلى إسرائيل، فضلاً عن الأردن، أفضل أصدقاء الولايات المتحدة في العالم العربي. كذلك سيكون لانهيار سورية كاملاً تبعات كارثية على المنطقة بأسرها.حصل رومني أيضاً على هدية إضافية الأسبوع الماضي من نائب الرئيس جو بايدن. فخلال السنوات الثلاث الماضية، أُعجبت بجدية أوباما في التعاطي مع مسألة برنامج إيران النووي، بإلحاحه في معالجة هذا الموضوع، وبالخطوات التي اتخذها ليمنع النظام الإيراني من عبور العتبة الذرية. لكن بايدن حاول في المناظرة المخصصة لمرشحَي منصب نائب الرئيس تصوير النائب بول رايان كما لو أنه يتصرف بهيستيرية في معالجته هذا الموضوع، مع أن رايان يضاهي الرئيس جديةً في تعاطيه مع المسألة الإيرانية.بهذه الطريقة قلل بايدن من أهمية مواجهة إيران. فقد قال إن رايان، عندما يتحدث عن المواد الانشطارية، يغفل عن أن على الإيرانيين تخصيب اليورانيوم إلى نسب تفوق العشرين في المئة، ثم عليهم أن يتمكنوا من ابتكار ما يمكنهم وضعه فيه. وتابع: "لا يملك الإيرانيون راهناً أي سلاح. ولا شك في أن الولايات المتحدة وإسرائيل كلتيهما تدركان هذا الواقع. وإن بدأ الإيرانيون بعملية بناء سلاح فسنعرف ذلك. إذن، لا طائل في كل هذه الضجة وكل هذا الكلام غير الدقيق، فعمَّ يتحدثون أساساً؟".تبدل جذرييشكّل تصريح بايدن تبدلاً جذرياً، وإن لم يلاحظه سوى قليلون، في الخط التي تتبعه الإدارة الأميركية في تعاطيها مع إيران، فضلاً عن أنه غير دقيق من الناحية التقنية.يحتاج كل بلد إلى ثلاث خطوات كي يمتلك سلاحاً نووياً يمكنه إطلاقه حيثما يشاء، ألا وهي: تخصيب اليورانيوم، تصميم رأس حربي وبناؤه، وتطوير نظام تسليم. بدأ الإيرانيون بتخصيب اليورانيوم منذ مدة، ويعملون راهناً على نقل أجهزة الطرد المركزي إلى تحت الأرض. كذلك يملكون صواريخ بالستية، ويستطيعون تصميم رأس حربي وتصنيعه في أقل من ستة أشهر.أخبرني ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي: "حاول بايدن تصوير الوضع كما لو أننا مازلنا نملك الكثير من الوقت ولا داعي للقلق". وأشار أولبرايت إلى أن السلاح يمكن تصنيعه بسرية أكبر من تخصيب اليورانيوم، ثم أضاف: "لا تحتاج إيران إلى منشأة كبيرة. ولا شك في أن ذلك يشكل تحدياً أكبر يزيد عملية جمع المعلومات تعقيداً".أعلن بايدن أن الولايات المتحدة ستعرف ما إذا كان الإيرانيون قد بدأوا بتصنيع رأس حربي. لكن الولايات المتحدة لم تعرف أن سفيرها في ليبيا سيتعرض للاغتيال. ولم تعرف أن مركز التجارة العالمي سيتعرض لهجوم. ثمة مسائل كثيرة تجهلها أجهزة الاستخبارات الأميركية، فهذه في النهاية طبيعة العمل الاستخباراتي. تُظهر مقاربة بايدن إلى مسألة التسلّح نووياً أنه إما ابتعد كثيراً عن سياسة إدارة أوباما أو ان البيت الأبيض بات يتعاطى مع قضية وقف برنامج إيران النووي براحة وثقة أكبر مما يجب.إذن، يحتوي سجل سياسة أوباما للشرق الأوسط على الكثير من الفرص التي تتيح لرومني مهاجمته في المناظرة التالية (يوم غد الاثنين) في الثاني والعشرين من الشهر الجاري. ويبدو أن بايدن منحه فرصةً إضافية.
مقالات - Oped
ما السبيل إلى التفوق على سياسة أوباما الخارجية؟
22-10-2012