- مزايدات نيابية وسياسية وضعف حكومي... والخاسر هو الاقتصاد - هل قدم النواب دليلاً على وجود عمولات في "كي - داو" بعد 3 سنوات من إلغائها؟ أدى حكم هيئة التحكيم الدولية، التابعة لغرفة التجارة الدولية، بتغريم الكويت 2.16 مليار دولار، بسبب انسحابها قبل عامين من مشروع عقد الشراكة "كي - داو" مع شركة داو كيميكال، إلى صدمة قاسية في الأوساط السياسية والاقتصادية، وثارت التساؤلات بشأن المسؤول عن خسارة الكويت مبلغ الغرامة، إلى جانب حرمان الكويت من 50 في المئة من أرباح مشروع "كي - داو"، التي بلغت بين عامي 2009 و2011 نحو 7 مليارات دولار.ورغم الخسارة المالية الفادحة، التي تعرضت لها الكويت على صعيدي فقدان الأرباح ودفع الغرامة، فضلاً عن اهتزاز صورة الكويت كدولة تحترم تعاقداتها الخارجية، فإنه من المفيد القول إن الخسارة التي تعرضت لها الكويت في "كي - داو" ما هي إلا حلقة من حلقات الخسائر المالية والاستراتيجية التي ما كانت لتحدث لولا وجود ضغوط نيابية سياسية غير فنية ترى في كل مشروع جديد مهما كانت فائدته شبهة الاعتداء على المال العام، تقابلها حكومات متعاقبة تفضل "السلامة" على المواجهة، حتى وإن كانت مستحقة، فترضخ لمطالب النواب خوفاً من استجواب أو حتى تسخين الشارع بمعلومات غير دقيقة.حقول الشماللو رجعنا 10 سنوات إلى الوراء, سنتساءل: من حرم الكويت من عوائد توازي قيمتها نحو 70 مليار دولار، حسب تصريح العضو المنتدب السابق في شركة نفط الكويت أحمد العربيد، نتيجة إلغاء مشروع حقول الشمال؟ومن يتحمل تعثر زيادة الإنتاج في حقول الشمال من 400 ألف برميل يومياً إلى 900 ألف، وما تبع ذلك من ضياع فرص توظيف وتدريب وتطوير العمالة الكويتية؟بل إن الخسائر من ضياع مشروع حقول الشمال لم تقتصر على الجانب المالي فحسب، بل شملت أيضاً حرمان الكويت من نقل التكنولوجيا الحديثة المصاحبة لزيادة إنتاج وتطوير حقول النفط الصعبة.وغير بعيد عن الذاكرة تلك الأزمة التي صاحبت إنشاء "المصفاة الرابعة"، وبالتالي إلغاؤها بسبب ضغوط نيابية رغم أن الكويت في أمس الحاجة إلى مشروع المصفاة استراتيجيا، إذ كان يفترض أن يكون أكبر مشروع لبناء مصفاة جديدة لتكرير النفط في العالم بطاقة تكريرية 615 ألف برميل يوميا، كما يوفر زيت الوقود اللازم لمحطات توليد الكهرباء في الكويت... وتم إلغاء المشروع وأعيد طرحه مجددا، وخسرت الكويت وقتا بنحو 3 سنوات، بسبب نواب يجدون في أي مشروع شبهة سرقة، وحكومة لا تعرف كيف تدافع عن مشاريعها.ليس القطاع النفطي فقطلم يقتصر أمر تعطيل المشاريع سياسيا ونيابيا بموازاة ضعف الحكومة على مشاريع القطاع النفطي فقط، بل امتد إلى مجموعة من القطاعات الاخرى, فها هي مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية تم التراجع عن تخصيصها، عبر بيعها لمساهم استراتيجي بالتوازي مع تهديدات نيابية إن قامت المؤسسة بشراء طائرات جديدة لتحديث الأسطول، ما يعني بقاء الحال في "الكويتية" على ما هو عليه... لا تخصيص ولا أسطول جديد!وما ينطبق على "الكويتية" يسري أيضا على العديد من المشاريع والقوانين الأخرى، فتخصيص شركة المشروعات السياحية عام 2005 تم إلغاؤه تحت وطأة الضغوط النيابية، وقانون الاستقرار المالي، الذي يمثل جانبا من جوانب معالجة آثار الأزمة المالية العالمية، لايزال منذ عام 2009 في أدراج اللجنة المالية في مجلس الأمة رغم صدوره كمرسوم ضرورة، لكنه اليوم بتواطؤ حكومي - نيابي لا يريد أحد إخراجه من الأدراج، والبت فيه سواء بالموافقة أو الرفض.لقد وصل التدخل السياسي في أوجه النشاط الاقتصادي إلى درجة لا تعطي أي اعتبار للمسائل الفنية الدقيقة، لدرجة أن استجواب وزير المالية السابق مصطفى الشمالي اشتمل على محور عدم اكتتاب الهيئة العامة للاستثمار في زيادة رأسمال شركة عقارية، رغم أن سعر السهم في الاكتتاب 100 فلس وسعر السهم حسب إقفال اليوم 34 فلسا، فضلا عن التوصيات التي تصدر عن بعض النواب عند مناقشة الحالة المالية للدولة لتحويل استثمارات صندوق احتياطي الأجيال عالميا إلى استثمارات مطابقة للشريعة الإسلامية.حقوق... وواجبات أيضاًصحيح أن من حق النائب أن يحاسب ويراقب، لكن بالمقابل أيضا عليه أن يتحمل مسؤولياته... فحتى اليوم لم ينطق أي نائب عارض مشروع "كي - داو" بكلمة واحدة عن الإلغاء والأضرار المالية التي تعرضت لها الكويت نتيجة موافقة الحكومة السابقة على مطالبهم بالإلغاء، فضلا عن أنهم لم يقدموا منذ 3 سنوات ما يثبت صحة "الادعاءات" بتقاضي مجموعة من القائمين على مشروع "كي - داو" عمولات تتجاوز قيمتها 800 مليون دولار!ما حدث في "كي - داو" لم يكن أكثر من حلقة من سلسلة مشاريع معطلة، ولا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية ما يحدث بعدها من ضرر، في ظل حكومات تتراجع عن مشاريعها وتفضل مشروع الحكم على مشروع الدولة، لدرجة أن مجرد تقديم استجواب كفيل بأن يجعل الحكومة تتخلى عن كل الدراسات الفنية والاقتصادية في سبيل البقاء، وتخفيف الضغط السياسي عنها وبثمن مرتفع... أعلى بكثير من مجرد قيمة تعويض "كي - داو". - استجواب الشمالي اشتمل على محور عدم اكتتاب هيئة الاستثمار في زيادة رأسمال شركة عقارية رغم أن سعر السهم في الاكتتاب 100 فلس وسعر السهم في البورصة 34 فلساً- قانون الاستقرار المالي في أدراج اللجنة المالية البرلمانية منذ عام 2009 ولا يريد أحد البت فيه بالموافقة أو الرفض
آخر الأخبار
الجريدة | تقرير اقتصادي: خسرنا "كي - داو"... يوم فرطنا في حقول الشمال
30-05-2012