تكثر أنواع العقد النفسية ولكل فرد عقدته الخاصة! لكن لا يسهل على الجميع أن يبتكروا حلولاً فاعلة لمعالجة مشكلة فقدان احترام الذات واستعادة السيطرة على الحياة. في جميع العقد النفسية، تكمن المشكلة في أنها لا تعكس واقع الأمور غالباً بل إنها تنجم بكل بساطة عن نظرتنا إلى أنفسنا. ثمة فرق شاسع بين الصورة التي نرسمها عن أنفسنا والواقع ويصعب ردم تلك الهوة.

في علم النفس، العقدة النفسية هي مجموعة من الحالات الداخلية المؤلمة التي يصعب تحمّلها. في الحياة اليومية، غالباً ما نربط العقدة النفسية بشعور النقص بسبب عيب جسدي مثلاً، لكن لا تعبّر هذه الحالات عن عقد فعلية بل إنها مجرد مشاكل في قبول الذات.

Ad

أنواع العقد النفسية

عقدة أوديب أو إلكترا: في الأسطورة الإغريقية، تزوج أوديب من والدته من دون أن يعلم ذلك ثم قتل والده. بحسب نظريات سيغموند فرويد، تعني عقدة أوديب المرحلة التي يشعر فيها الطفل بانجذاب نحو أمه ويكنّ العداء لوالده. أما عقدة إلكترا، فهي المقابل الأنثوي لعقدة أوديب.

عقدة النبذ: شعور بالرفض وعدم حب الآخر وخوف مفرط من الانفصال عن المحيط. يترافق هذا الوضع مع حالة اكتئاب. لا يثق المرء مطلقاً بالعاطفة التي يكنّها الآخر له، فيصبح شريراً وعدائياً. في هذه الحالة، ثمة رغبة في الحب المطلق مع التعبير عن عاطفة دائمة قد تصل إلى حد التماهي مع شخصية الشريك. أو قد يعمد المرء إلى التضحية بنفسه ومساعدة الآخرين دوماً لكسب حبهم. تنجم هذه العقدة عموماً عن غياب الحب في مرحلة الطفولة (مثل غياب أي احتكاك مع الأم) أو مبالغة الأهل في التعبير عن حبهم لابنهم الوحيد مثلاً. بالتالي، يرغب هذا الشخص في أن يبقى محور اهتمام جميع من يحبونه، وهو أمر يصعب أن يوفره الشريك.

عقدة الخصومة الأخوية: تظهر هذه العقدة عند ولادة شقيق أو شقيقة. فيشعر الطفل بأنه منبوذ ويميل إلى التصرف بعدوانية. حين يصبح في سن الرشد، تتجدد مشاعر الخصومة تجاه أشخاص كثيرين في محيطه.

عقدة انعدام الأمان: تعني هذه العقدة انعدام الثقة بالحياة وبالذات. قد يعاني المرء حالات رهاب متعددة، أو قد يبني من حوله نظاماً أمنياً خاصاً به (من خلال الاحتفاظ بعدد وافر من الأغراض مثلاً). عند تجاوز مرحلة انعدام الأمان، قد تتحول الحالة إلى تهوّر مفرط في التصرفات. تنجم هذه العقدة عن غياب الحب ووجود روابط معقدة وصعبة مع الآخرين.

عقدة «الإخصاء»: إنه رمز «الإخصاء» المعنوي الذي يطاول الشخصية. في هذه الحالة، يجد المرء صعوبة في إثبات نفسه. تنجم الحالة عن تسلط الأهل الذين يوجّهون حياة أولادهم خوفاً من فقدانهم، ما يولد لديهم  خوفاً من الانفصال عن الأهل والعيش باستقلالية وإقامة علاقات طويلة في مرحلة الرشد. يكنّ الطفل مشاعر متناقضة لأهله تتراوح بين الحب والكره. تتجسد هذه العقدة برغبة في التفوق على الوالد لإثبات الذات، فضلاً عن تطور مشاعر دنجوانية ومتسلطة وسادية. باختصار، يكرر الابن تصرفات أهله.

عقدة الذنب: حالة شائعة جداً وهي تنجم عن تعذيب الضمير. هذا الشعور بالعذاب عند ارتكاب أبسط الأخطاء يُترجم بمحاسبة الذات والبحث عن تبرير لمختلف الأفعال. تتماشى هذه الحالة مع النزعة إلى الكمال والخوف من أحكام الآخرين. يشعر المرء أحياناً بأنه لا يستحق حب الآخر ويفقد تقديره لنفسه. تنجم هذه العقدة في الأصل عن شعور مفرط بالذنب أو عن تربية قاسية جداً والإصرار على مقارنة الذات مع الآخرين.

عقدة الدونية: يشعر الطفل في هذه الحالة بأنه أقل مستوى من الراشدين، فتنشأ لديه رغبة في كسب القوة والسلطة للتعويض عن ذلك الشعور. إنها ظاهرة طبيعية بالنسبة إلى الأولاد. تنجم عقدة الدونية عن قلة الثقة بالنفس. إذا كان الطفل مدللاً جداً في صغره، لن يفهم لماذا لا يحبه الجميع حين يكبر وستظهر لديه عقدة الدونية.

يمكن التعويض عن ذلك النقص عبر تحديد طموحات مفرطة والإصابة بجنون العظمة. تتطور هذه العقدة إذا لم ينجح الطفل في تجاوز الشعور بالنقص منذ طفولته. لا يجرؤ بعض الأشخاص على التعبير عن أفكارهم خوفاً من أن يسخر منهم الآخرون. هكذا يبدأ السعي إلى كسب السلطة والنفوذ. قد تشعر المرأة تحديداً بأنها أقل مستوى من الرجل (لأسباب ثقافية واجتماعية)، وقد تعمد إلى التصرف كالرجال إذا تفاقمت عقدة النقص لديها. قد تتحول عقدة الدونية إلى عقدة الفوقية (غرور، سخرية، غطرسة...). من أسباب هذه العقدة: إعاقة جسدية، عدم التماشي مع المعايير الاجتماعية، التربية على أسس مغلوطة...

عقدة النرجسية: أحد أشكال التركيز على الذات والعجز عن حب الآخر. في هذه الحالة، من الطبيعي أن يفكر المرء بأن الجميع يحبونه من طرف واحد وأن يحلل كل شيء على طريقته الخاصة وألا يتكلم إلا عن نفسه. تتطور النرجسية حين تسيطر «الأنا» على حياة الشخص، وترتبط هذه الحالة بعقدة النبذ والدونية والذنب.

عقدة «بيتر بان»: إنها حالة الطفل الذي يرفض أن يكبر أو الشخص الراشد الذي يبقى مرتبطاً بعالم الأطفال.

عقدة سندريلا: إنها حالة المرأة التي تشعر بأن الآخرين لا يقبلونها على أنها امرأة فعلية.

التعويض عن النقص

يمكن التعويض عن أي شعور بالنقص أو معالجة العقدة النفسية حين يكون النظام الدفاعي النفسي ناشطاً، فلا يعاني المرء أي مشكلة لأنه لا يعرف شيئاً عن الخلل النفسي الموجود في داخله وتكون هذه الحالة عابرة. لكن لا يمكن معالجة النقص تلقائياً في حال صدور سلسلة من رود الفعل التي تتناقض مع إرادة المرء المعني. في هذه الحالة، تكون المعاناة كبيرة ويبحث المريض عن مساعدة حقيقية من أهل الاختصاص أو من محيطه.

بفضل علم النفس، يمكن رصد خصائص التاريخ العائلي لتحديد أسباب الحالة الراهنة عند المريض فضلاً عن فهم خياراته في حياته اليومية وقناعاته الخاطئة والعقد التي تطغى على أيامه. عند فهم هذه المعطيات كلها، يمكن قطع شوط كبير في العلاج ومساعدة المريض على استعادة تقديره لنفسه. إنه الحل الأمثل للشفاء النفسي!

نصائح

صحيح أن زيارة الطبيب النفسي هي الطريق الرئيسة للتخلص من العقد النفسية، لكن لا بد أيضاً من تصحبها بعض الخطوات التي عليك التزامها في حياتك. إليك 10 نصائح يقدمها علم النفس:

-1 انضج تدريجاً ولا تحاول أن تكبر بسرعة.

-2 اعرف أن ليس كل ما تفكر به يكون صحيحاً دوماً.

-3 ابنِ شيئاً ما أو قم بعمل معين يجعلك تشعر بالفخر.

-4 لا تكن خجولاً، إبنِ شبكة علاقات اجتماعية وتعرّف إلى أناس جدد.

-5 تعامل بصدق مع ذاتك في شتى مجالات الحياة.

-6 كن صادقاً بشأن ما تود تحقيقه أو المكانة التي تود بلوغها.

-7 ابحث في داخلك عن الحقيقة، كي تعرف حقاً مَن تكون. عندئذٍ تفهم على نحو أفضل هويتك الحالية والإنجازات التي حققتها حتى اليوم.

-8 لا تحاول الظهور بخلاف ما أنت عليه حقاً، لأنك بذلك تبدد المزايا الفريدة التي تتحلى بها شخصيتك الحقيقية.

-9 تذكر أن الآخرين سيعاملونك بالطريقة عينها التي تعامل بها أنت نفسكم. يجب أن تحب ذاتك، وإلا لن يحبك أحد.

-10 ابن علاقات مع أشخاص يحبونك فعلاً ويحترمونك، أشخاص يتحلون، مثلك، بالطيبة والتفاني.