تعودنا على احتراف النواب اختطاف الإنجازات التي تأتي نتيجة لقيادة الشباب للشارع، فتجد النائب وكأنه واقف عند باب قاعة «عبدالله السالم»، رجله اليمنى داخلها رافعاً يده للتصويت، ورجله اليسرى خارجها استعداداً للتسابق نحو منابر الإعلام ليصرح مدعياً الفضل قبل غيره، وقد شهدنا مثالاً لذلك في جلسة الخميس الماضي، بل هذه المرة انطلق النواب قبل طلقة بداية السباق، وتدافعوا لجني ثمار إلغاء المادة (15) من قانون الجزاء حتى قبل المداولة الثانية.

Ad

من الملائم أن نقرأ تصريحات تبدي الاهتمام بإحراز خطوة مهمة في طريق إلغاء المادة إذا أتت من الحقوقيين الحقيقيين الذين لطالما طالبوا بإلغائها لمجرد وجودها، وليس فقط بعد تفعيلها، ومن حق كل من اكتوى بنارها وفُعِّلت ضده تعسفاً أن يفرح لإلغائها كنوع من رد الاعتبار الذي لم يتحصل عليه قضائياً، لذلك إن كان لأحد من النواب أن يعبر عن فرحه شخصياً بإحراز تلك الخطوة فهو النائب عبيد الوسمي، فقد كان تصريحه بعد إقرار الإلغاء بمداولته الأولى الاستثناء من بين تصريحات التكسب، فالمادة الملغاة يتجلى سوؤها في قضيته المتعلقة بأحداث «ديوان الحربش»، بدءاً من مشاهد سحله وضربه التي هزت الوجدان من قبل ملثمي الأمن، ومروراً بحبسه تعسفياً لمدة طويلة من دون إدانة، وانتهاءً بمرور عام ونصف العام حتى اليوم دون رد اعتباره، لذلك لا جزع من حمل الوسمي راية إلغاء المادة، بل لعله الشخص الأنسب لحملها من داخل البرلمان.

لكن بعض العبارات الواردة في التصريح تستحق التوقف عندها لوضعها في نصابها الصحيح، إذ انتهى تصريحه بقوله «هذه القوانين كانت تطبق بشكل خاص على أصحاب الفكر والرأي»، وهو كلام صحيح بلا شك، ولكن تسقط مصداقيته فور العلم بأن صاحب التصريح ذاته وافق وبلا تردد قبلها بأسابيع قليلة على تشريع عقوبة الإعدام بحق المسيء إلى رموز الدين الإسلامي، الذي يشكل خطوة للوراء- بل خطوات كونه ينطوي على سلب الإنسان حقه في الحياة- تلغي أي تقدم قد يحرز في إلغاء المادة (15).

لقد كان مبعث إلغاء المادة أنها تقيّد حرية الرأي والفكر، ونصها الفضفاض قابل للتوسع بالتفسير ما يتيح التعسف، وذلك نفسه ما يعاب على قانون الإعدام، وإن قال قائل إن القانون يقصد الإساءة وليس الرأي والفكر، ليتذكر أن تعريف «الإساءة» تُرك مبهماً ليطول قضايا كقضية الراحل د. أحمد البغدادي في التسعينيات الذي سجن بسبب رأي نشر في مجلة أكاديمية وليس إساءة من شخص وضيع، كل ما هنالك هو أن البغدادي كان صاحب فكر وفهم للدين يختلف عن فهم من شرعوا عقوبته. إذن... المستهدفون هم أصحاب الفكر والرأي الآخر قبل المسيئين.

صدق الوسمي بقوله إن إلغاء المادة «ترجمة للانتصار للحريات والدستور بإسقاط قانون مثّل لأكثر من 42 عاماً تهديداً مباشراً للحرية والرأي والفكر والحراك»، ولكن النائب حامل الدكتوراه في القانون، الواعي بالمثالب الدستورية في قانون الإعدام، العالم بخطورة الغلو في التشريع ومطاطية النصوص وعدم مواءمة العقوبة الجرم، هذا إن سلّمنا مجازاً بأنه جرم، ساهم وبشكل مباشر بوضع تهديدٍ آخر للحرية وسيف مصلت على أصحاب الرأي والفكر، ولكن الفرق هذه المرة هو أنه لو أقر فإنه على الأرجح سيبقى لأكثر من 42 عاماً، وسيفضي إلى إزهاق أرواح بشر ويستحيل رد اعتبارهم.