«لا تحاول أن تكون معلماً. كن تلميذاً جيداً وستبلي حسناً». عندما كان زاكير حسين شاباً تلقى هذه النصيحة من والده الذي اعتبر قبل وفاته أحد أشهر عازفي الطبلة في العالم، لقب انتقل راهناً إلى ابنه.

Ad

تعاون حسين (61 سنة) الذي عرّف العالم إلى آلة الطبلة الإيقاعية الهندية التقليدية مع عدد كبير من نجوم عالم الموسيقى. على رغم ذلك، لا يزال يعتبر نفسه تلميذاً أكثر منه معلماً. قال حسين لصحيفة «واشنطن بوست» مشيراً إلى اثنين من أبرز مَن تعاون معهم: «يسارع كبار المعلمين عادة إلى القول إنهم لا يزالون يتعلمون، وهذا ما لمسته مع جون ماكلوغلن وجورج هاريسون. يبحث هذان الموسيقيان غالباً خارج محيطهما لرؤية ما يمكنهما تعلمه أو ما يستطيعان تشربه ليحسنا قدراتهما الموسيقية».

تبدو حياة حسين أشبه بخرافة موسيقية. فإن لم يشكل حب الطبلة جزءاً من جيناته، فقد بذل والده قصارى جهده ليحببه بها. يخبر أن والده بدأ يدندن الأنغام في أذنه في اليوم الثاني بعد ولادته، وقلما كانت الطبلة تفارقه حين كان صغيراً.

يضيف: «اعتدت العزف أثناء الليل، فأغفو والطبلة في سريري. عندما استيقظ، كنت أستأنف العزف». لا عجب، إذاً، أن حسين أصبح ولداً معجزة وشارك في عروض كبيرة وهو في السابعة من عمره. مع بلوغه سن المراهقة، كان قد أصبح أحد كبار نجوم الموسيقى الكلاسيكية في الهند، وقد شكّل انتقاله للعيش في كاليفورنيا، فضلاً عن بعض الصدف الحسنة، الحافز في تحوله إلى نجم عالمي.

كان آنذاك في العشرين من عمره وكان الشخص المناسب في المكان المناسب. فقد عاد أستاذ في مدرسة الموسيقى في منطقة خليح سان فرانسيسكو إلى الهند، فاستلم حسين وظيفته. حدث ذلك عام 1971 حين تنامى الاهتمام بالموسيقى الهندية، خصوصاً بين عازفي الروك والجاز. فجأة، أتاه عازف الطبول في فرقة Grateful Dead ميكي هارت وعازفا الغيتار كارلوس سانتانا وماكلوغلن (تعاون مع مايلز ديفيس)، طالبين منه تعلم الموسيقى الهندية. وقد برهن حسين أنه خير معلم لهذه الموسيقى.

يخبر: «كنت شاباً كفاية ومنفتحاً كي أتجاهل التقاليد الصارمة. إلا أنني كنت أتمتع في الوقت عينه بخمس عشرة سنة من التدريب التقليدي، ما حال دون أن أضل طريقي. كنت محظوظاً جداً».

دامت علاقاته هذه في عالم الموسيقى أكثر من 40 سنة، فقد عزفت فرقة «شاكتي»، التي أسسها حسين وماكلوغلن في سبعينيات القرن الماضي مزيجاً مميزاً من الموسيقى الهندية والجاز. ولا يزال هذان النجمان يتعاونان معاً في أعمال عدة. كذلك، حصد مشروع Planet Drum، الذي نظمه حسين مع هارت وغيره من عازفي الإيقاع، عدداً من جوائز غرامي. يُشار في هذا الصدد إلى أن حسين سيقدم مع سانتانا (نجم الجاز هربي هانكوك) حفلة في Hollywood Bowl هذا الصيف.

يقول حسين بلهجة مَن يعتبر مشاركة هذين النجمين الموسيقيين العالميين مجرد حدث مسلٍّ: «لم يسبق أن قُدّم هذا المزيج من الموسيقى. أنا متحمس جداً لهذه الحفلة». لكن حتى لو لم يلتقِ حسين هذه النخبة من الموسيقيين، من المؤكد أننا كنا سنجده يعزف الطبلة في مكان ما، ربما في إحدى المدن الكبرى، لا في حفلات عالمية. يذكر: «الطبلة جزء مني وأنا جزء منها. أعشقها وتعشقني. يسألني الناس: إن لم تتعلم عزف الطبلة، فماذا كنت ستعزف؟ لكنني لا أملك إجابة».

يعتبر كثر الطبلة مجرد أنبوب مغطى بقطعة جلدية، إلا أن حسين ما زال يحاول تعلم نغماتها وإيقاعاتها كافة. فهي آلة إيقاعية ولحنية تتناسب مع غيرها من آلات وترية وإيقاعية. كذلك، تستطيع تقديم عشرات النغمات المختلفة. ومع أن حسين يعزف الطبلة منذ 60 سنة، ما زال يقف بذهول أمام مقدراتها العالية. يقول: «إنها أشبه بحيوان ما زال علينا اكتشاف مزاياه».

يواصل حسين اكتشافه لعالم الطبلة خلال جولته Masters of Percussion في فصل الربيع، وما زالت عملية التعلم هذه مستمرة بالنسبة إليه وزملائه العازفين والجمهور. فالتواصل بين هذه المجموعة المؤلفة من تسع آلات والتغييرات الطفيفة والإبداعات العفوية التي تختلف بين عرض وآخر تبقي حسين متحمساً. ومع أن اسمه يتصدر الأخبار والتصنيفات، غير أنه يصر على أن هذا العرض عمل جماعي. يوضح: «ما عملي إلا جزء صغير من العرض. أنا مجرد طيف واحد بين تلك الأطياف كافة التي تقف على المسرح». إذاً، ما زال هذا المعلم والتلميذ متمسكاً بتواضعه على رغم شهرته العالمية.