-عبر تحويلها إلى استثمارات ومشاريع بنية تحتية-يجب أن نعترف أن احتمالات تسديد العراق لديونه أقرب إلى الصفر أعادت عملية تسوية ديون مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية المستحقة على الخطوط الجوية العراقية إلى الواجهة مجدداً ملف الديون العراقية المستحقة للكويت منذ أكثر من 22 عاماً و التي تناهز قيمتها 17 مليار دولار. فأتفاقية التسوية تمت بين مؤسستي الخطوط الجوية بأن تدفع العراقية للكويتية مبلغ 300 مليون دولار نقداً، وأن تؤسس شركة طيران مشتركة بين البلدين بقيمة 200 مليون دولار عوضاً عن سداد هذا المبلغ نقداً للكويت.هذه الاتفاقية يمكن أن تكون مبدئيا اساسا لتفاوض بين البلدين على الديون المتعثر سدادها منذ الغزو العراقي للكويت - وهي بالطبع تختلف عن التعويضات الصادرة بقرار من مجلس الأمن الدولي ولا علاقة للكويت بإسقاطها - إذ يمكن تحويل جانب كبير من هذه الديون الى مشاريع استثمارية مشتركة بين البلدين، خصوصا أن إمكان تحصيل هذه الديون من اصعب ما يكون، فالعراق تبلغ مديونيته الإجمالية حوالي 100 مليار دولار معظمها للكويت والسعودية، أمّا دخله السنوي فحسب معظم التقديرات لن يزيد على 20 مليار دولار، ووفقا لهذه الأرقام فإن العراق لو دفع 10% من إجمالي الدخل لسداد الديون، اي ملياري دولار، فإننا نتحدث عن 50 عاماً، هذا اذا افترضنا ثبات المعطيات الحالية كأسعار النفط او حجم الإنفاق العراقي الداخلي.مصلحة البلدينلذا، فإن من مصلحة الكويت والعراق معا فتح ملف الديون ومناقشة تحويل الجزء الأكبر منها الى استثمارات ومشاريع مستدامة، لا سيما في قطاعات النفط والبنية التحتية والبيئة والمدن وغيرها من المشاريع الاقتصادية التي تدر دخلا جيدا للبلدين، وتوفر من جانب موازٍ غطاء اقتصاديا لعلاقات سياسية هادئة على قاعدة المصالح المشتركة.وربما يسأل احدهم؛ أليس إسقاط القروض أو فوائدها عن المواطنين اولى من اسقاط الديون عن العراق؟الجواب على هذا السؤال هو أن عملية تسوية الديون العراقية ليس اسقاطاً لها بل تحويل لهذه الديون الى استثمارات، وبالتالي فإن لم تكن مجدية اقتصاديا فستكون مفيدة سياسيا، لانه من المستحيل الا تتحقق اي فوائد وعوائد للاستثمار الكويتي في العراق، خصوصا اذا ارتبط بتحالفات وشراكات جهات وشركات اجنبية على عكس اسقاط القروض أو فوائدها عن المواطنين الذي سيغرف من خزينة الدولة ولن يكون له اي عائد على الموازنة العامة للدولة، وعليه فإن اي مقارنة بين الديون العراقية وقروض المواطنين لا يعتد بها الا في كونها نوعا من المزايدة السياسية او الانتخابية لا أكثر.فكرة مستحقةإن بعض الارقام الخاصة بمشاريع البنية التحتية والإعمار في العراق تجعل التفكير في تحويل الديون الى استثمارات فكرة مستحقة، خصوصا بعد ان تم الاتفاق على انفاق نحو 60 مليار دولار خلال 4 سنوات على مشاريع خدمية واساسية، فضلا عن مبالغ اخرى مرصودة لتطوير القطاع النفطي مع شركات عالمية، ما يعني أن في العراق فرصا استثمارية عالية ومتنوعة وذات عوائد مرتفعة نسبيا، خصوصا على المدى الطويل.فالعراق، حسب اعلانات رسمية، يحتاج الى ما بين 500 إلى 700 مليار دولار من الاستثمارات لإعادة اعمار البنى التحتية المدمرة منذ الحرب العراقية الايرانية، فضلاً عن حربي تحرير الكويت وإسقاط صدام.صحيح ان البعض اليوم لديه تحفظات عن تركيبة النظام السياسي العراقي وربما يكون ثمة "عدم ارتياح " من الحكومة الحالية لكن اذا كان "زيد" اليوم لا يعجبنا فغداً سيأتي مكانه "عبيد"، وبالتالي فإن اي تحسن في مستويات المعيشة في العراق وانتعاش السوق وتدني نسب البطالة سيؤدي بالضرورة الى انتخاب حكومة اكثر ديمقراطية، ومن ثم تكون الاستثمارات الكويتية في بيئة اكثر أمنا وانتعاشا بل انه حسب جيمس هوجن الرئيس التنفيذي لبنك hsbc في العراق، فإن "العراق مقبل على المرحلة التالية من التنمية، فهو يتخطى الاعتبارات الامنية ويدخل في دائرة الانتعاش الاقتصادي، خصوصا ان الانفاق الرأسمالي كبير في الميزانية ومتوجه بشكل كبير على البنية الأساسية التحتية مثل مشاريع الطرق والاتصالات والنفط والكهرباء وغيرها".نموذج أوروبيإن تحويل الديون الى استثمارات ليست فكرة جديدة ولا هي "مؤامرة عراقية على الكويت" بل لها نموذج ناجح نفذته أوروبا بعد حروبها العالمية، بعد الحرب العالمية الثانية، فهي لم تنتقم من المانيا وايطاليا رغم كل الخراب الذي سببه هتلر وموسوليني على القارة الأوروبية، بل أعادت الدول المنتصرة إعمارهما والاستثمار فيهما لدرجة ان اليوم تعتبر المانيا اهم واكبر اقتصاد انتاجي في منطقة اليورو، وفيها استثمارات اوروبية متنوعة والأهم من ذلك كله انها من يساهم في انقاذ الدول المتعثرة عن سداد الديون جراء الأزمة المالية العالمية!كما يجب ان نعترف ان احتمالات تسديد العراق لديونه الخارجية تكاد تؤول الى الصفر، خصوصا في ظل وجود مصروفات استهلاكية كالرواتب والأجور، فضلا عن إعمار البنية التحتية العراقية، وبالتالي فإن الضغط على العراق للسداد سيعني افلاسه، وهذا سيدخلنا في مشكلات سياسية واقتصادية وأمنية لا حصر لها، واهمال المطالبات الكويتية دون التفكير بأي فكرة استثمارية بديلة سيعني تضييعاً إضافياً للوقت والفرص.لذلك، ليس هناك افضل من ايجاد صيغة حوار كويتية - عراقية حول الديون المتعثرة منذ سنوات، خصوصا ان الكويت بصدد اقامة ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان، ما يعني ان وجود منطقة لوجستية تضم محطة حاويات وتخزين توفر خدمات النقل وتوزيع البضائع على الحدود العراقية - الكويتية سيكون مفيداً للطرفين، إضغافة إلى أفكار كثيرة يمكن ان تكون مفيدة في مجالات متنوعة من النفط وحتى السياحة. -تحويل الديون إلى استثمارات ليس فكرة جديدة بل نموذج ناجح نفذته أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية-لا يمكن المقارنة بين فوائد وعوائد الاستثمار الكويتي في العراق وبين إسقاط قروض المواطنين
آخر الأخبار
تقرير اقتصادي: تسوية الديون العراقية للكويت مدخل للاستقرار السياسي والانتعاش الاقتصادي
21-03-2012