كتب الدكتور سعد بن طفلة مقالا عن الانقلاب الثالث على الدستور، مسميا الحلفاء الثلاثة للسلطة في تفردها بالقرار والتشريع والثروة، وهم الجاهل واللص والمحتال ثم الوطنجية وأخيرا الشيعة السياسية! وكان مقالا مليئا بالتناقضات والمعلومات المضللة غير الصحيحة إطلاقاً والتي تستحق التوقف عندها قليلا.

Ad

بداية وقبل تناول تناقضات المقال، فقد شبعنا من استخدام المصطلحات المستهلكة التي أفرغت من محتواها بسبب كثرة استخدامها بمناسبة ومن دون مناسبة، مثل "الانقلاب على الدستور"، وليت الدكتور يبين لنا بالأدلة كيف يتم "الانقلاب" الآن؟ وما الإجراءات غير الدستورية التي تتبعها الحكومة اليوم في هذا الانقلاب المزعوم؟ وتحت أي مبرر تتم مقارنة الوضع الحالي بما جرى في عامي 76 و86؟

أما عن التناقضات فأولها هو استخدام مصطلح "الشيعة السياسية"، وتصنيف هذه الفئة بأنها حليفة في "الانقلاب" مع أنه يقول في نفس الوقت "ليس كل هذه الفئة مناصرة للسلطة"، فإذا كان هذا ما تعتقده فلماذا استخدمت هذا المصطلح أصلاً وحاولت إلصاق تهمة التحالف في الانقلاب المزعوم إلى فئة كاملة؟ ولماذا لا تقول إن هناك قطاعات متعددة من شيعة وسنة وقبليين متحالفة مع السلطة؟ ولماذا محاولة تثبيت الاختلاف المذهبي والعرقي في ما يجري من أزمة سياسية؟

ثم إن الدكتور ومع محاولته إظهار موضوعيته وإنصافه بالقول "إن الاصطفاف الشيعي مع السلطة ليس لدوافع طائفية كما يدعي البعض"، فإنه يدسّ السم بالعسل، بقوله إن لهم ارتباطات إيرانية "لا ينكرونها". وهذه لغة تخوينية واضحة تؤدي إلى تعزيز ثقافة الشك والكراهية بين أطياف المجتمع، والتي نحن بأمس الحاجة اليوم لنبذها.

ثم يأتي الدكتور ليقول إن دافع الشيعة للتحالف مع السلطة هو بدافع انتهازي بحت من أجل المصالح وتحقيق مكاسب وتعزيز القوى وهو "ما تم". فليته يذكر لنا ما هي المصالح التي تمت؟ فالواقع يثبت أن العكس هو الصحيح لأن من يجني هو من يمارس الابتزاز والتهديد بسبب الحكومة الضعيفة الخاضعة.

ثم إن الشيعة تضرروا من العمل مع سلطة الكل يضع التقصير والخلل عليها وحدها، فهي محل نقمة من الجميع، وكان من المريح سياسيا الانضمام لمعسكر لا يجيد سوى إلقاء اللوم، لكن وجود مصلحة عليا أهم وأكبر من مطالبات معيشية أو تفضيلية في ظل زلازل سياسية كبرى، وتهديدات تمس كيان الدولة جعلهم يتحملون المسؤولية عبر محاولة إشعال شمعة بدلا من لعن الظلام، إضافة إلى التمسك أكثر بالدستور كله، كما تمسكوا به قبل الغزو وأثناءه والذي جاء بعد فترة من الجفاء والتنكيل الحكومي بهم.

ثم يختم الدكتور مقاله بقوله "وعلى جميع المخلصين من أبناء الكويت- شيعة وسنة- الانتباه لمخطط السلطة في ضرب فئات المجتمع، وفي محاولة إظهار الطوائف في مواجهة مع بعضها البعض". والسؤال هنا: أليس من يقوم ببث الطائفية والعنصرية ومحاولة التفرقة بين أبناء المجتمع هم أنفسهم مدعو حماية الدستور والمعارضة عبر خطابهم التحريضي الفج وعبر تصريحاتهم ومهرجانات ساحة الإرادة، وآخرها الاثنين الماضي الذي استمعنا فيه لخطاب عنصري من الدرجة الأولى؟ وإذا كنت تشتكي من محاولة احتكار مجموعة سلطوية قليلة لجميع السلطات، فهل كان نهج الأغلبية قمة في الانفتاح واحترام الجميع أم كان نهجا متفردا مارس الإرهاب الفكري وفجر في الخصومة ولم يحترم لا الدستور ولا القانون في كثير من القرارات غير اللائحية؟ فلماذا لا تشتكي من ذلك إن كنت فعلا تكره الاحتكار؟

لقد جانبك الصواب يا دكتور، ومع أنه معروف عنك ميولك الليبرالية غير المتزمتة إلا أن خطابك لم يكن مختلفا عن خطاب متطرف تدعي محاولة نبذه والدعوة إلى محاربته، وبدلا من أن تكون داعيا لنهج مختلف يعمل على توحيد الجهود للخروج من الأزمة، وجدناك تعزز الاصطفاف المذهبي وثقافة الشك بين أبناء المجتمع.