بعد 43 عاماً من إنتاج فيلم «أبي فوق الشجرة» وعرضه مئات المرات، يبدو أن مقص الرقيب الجديد في مصر سيستهدفه ويمنعه نظراً إلى كثافة القبلات فيه بين بطل الفيلم الراحل عبدالحليم حافظ والممثلتين نادية لطفي وميرفت أمين. هذه ليست المرة الأولى التي يعود فيها هذا الفيلم إلى الواجهة بسبب الرقابة وشبحها الدائم، ففي منتصف التسعينيات من القرن الماضي، طالبت إحدى الجهات المتزمتة بمنعه وأدرجته على لائحة التكفير.بعد سقوط نظام حسني مبارك، ظنّ كثر أن سطوة الرقابة المصرية على الأفلام والأغاني ستخف أو تزول مع زوال «عباقرة» قمع الحرية، لكن التمنيات لم تكن بحسب التوقعات بعد سيطرة التيارات الدينية على السلطة. فإذا كانت «الثورة المصرية» أفرجت عن أغان كانت ممنوعة في زمن مبارك، يبدو أن البعض من «خاطفي» الثورة بدأوا في رقابة أشد فتكاً، تجلت في التبشير بمنع فيلم «أبي فوق الشجرة» والإعلان عن أن المشرفين على جهاز الرقابة في التلفزيون المصري انطلقوا بمشاهدة جميع الأفلام القديمة تمهيداً لحذف مشاهد القبلات والإغراء والرقص الشرقي. تقول المصادر إن الرقابة «الأخلاقية» التي تفرضها التيارات المتشددة لن تقتصر على إنتاج اليوم والغد، بل ستكون بمفعول رجعي يمتد 50 عاماً إلى الوراء وربما أكثر. وتزامن هذا الحديث مع فضيحة زواج أحد النواب المتشددين من الراقصة سما المصري. كأن الفن المصري في قضيته مع الرقابة ينتقل من «تحت الدلف الى تحت المزراب» كما يقول المثل اللبناني.أيقونةلا شك في أن فيلم «أبي فوق الشجرة» أصبح حكاية في اسمه وقصته وأبطاله وموضوعه، فيه شيء من الماضي ربما يبحث عنه الجمهور في الحاضر، فيلم ربما كان «أيقونة» في مراهقتنا، أو أيقونة لمراهقتنا الشقية، وهو من دون شك، شكل «ثورة» حقيقية في عالم القبلات واعتبر أحد أجرأ الأفلام لاحتوائه على أكبر عدد من القبلات في تاريخ السينما المصرية. حتى إن الجمهور اعتاد إحصاء القبلات بين البطلين، وقيل إنها بلغت 80 قبلة.لا يزال الفيلم يثير الجدل في مصر على رغم مرور عقود على عرضه. عند إطلاقه في 1969، حقق نجاحاً جماهيرياً لا مثيل له في تاريخ السينما المصرية. اعتبر في رأي بعض النقاد ذروة أفلام «تغييب الوعي» وإلهاء الناس عن فهم أحداث 5 يونيو 1967. فُهم الفيلم الذي يصنف في خانة «الفرفشة» بأنه جرعة لأغراض سياسية أو جرعة لإلهاء الناس عن الواقع السياسي الذي أصيب بخيبات وخيبات بعد انتكاس جمال عبد الناصر وحلمه. كان عبد الحليم ناصرياً بامتياز وينظر إلى ناصر بوصفه «الأب الروحي» له، وهو الذي أنشد السلاح مراراً، لا نعرف إن كان متعاوناً مع السلطات المصرية لتصوير الفيلم، كل ما نعرف أن الأجهزة المصرية كانت توظف الجنس والإغراء لأغراض سياسية، بدءاً من توريط سعاد حسني في علاقات مع الضباط وصولاً إلى فضائح صلاح نصر وانحرافاته.لا يختلف الأمر مع التيارات المتشددة التي تسلط الضوء على القضايا الصغيرة وتخفي عن المجتمع القضايا الكبيرة، كأن التيارات في منعها فيلم عبد الحليم تقول للجمهور إن الأزمة الاجتماعية في مصر تحلّ عبر محاربة «الرذيلة» والأفلام «الساخنة» أو الأغاني الجريئة... ربما يكون الهدف من هذه الخطوة إلهاء الجمهور عن أزمات كبرى تعصف بالشارع المصري.ليس الخطر على «أبي فوق الشجرة» فحسب، فالمصادر تقول إن غالبية الأفلام التي سيطاولها مقص الرقيب تعود إلى الستينات والسبعينات من القرن الماضي، والحذف سيشمل مشاهد لفريد الأطرش ولبنى عبد العزيز في فيلم «خطاب من امرأة مجهولة»، ومشاهد رقص أدتها نجوى فؤاد، وتحية كاريوكا، وسامية جمال، ومشاهد رشدي أباظة وشادية في فيلم «الزوجة رقم 13»، بالإضافة إلى مشاهد صباح وعبدالحليم حافظ، والعندليب ونادية لطفي في «الخطايا».ما لا تدركه الرقابة الساذجة أنها تستطيع أن تمنع عرض هذه الأفلام على شاشات التلفزة المصرية، لكن مع تطور وسائل الميديا أصبحت هذه الأفلام الشعبية متاحة على عدد من المواقع الإلكترونية والأسطوانات المدمجة، فبئس الرقابات التي تظنّ نفسها وصية على الأدب والأخلاق والناس، بل تظن نفسها أكثر وعياً من الجمهور العريض.
توابل - مسك و عنبر
الثورة تخشى عبد الحليم حافظ! .. أبي فوق الشجرة في دائرة المنع
05-04-2012