خضعت أسواق السلع هذا الأسبوع لجولة بيع أخرى تعرضت خلالها لخسائر فادحة في ظل تصدر النفط طليعتها. يواصل قطاع التصنيع على مستوى العالم تعثره في ظل البيانات الواردة من الصين والولايات المتحدة التي تشير إلى تباطؤ النشاط فيهما.

Ad

وقال التقرير الأسبوعي الصادر عن "ساكسو بنك" إن أسعار الطاقة، بعيداً عن الغاز الطبيعي، هذا الأسبوع أضعفت خسائرها في ظل غياب الدعم عنها من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، على الرغم من ترك الباب موارباً لتقديم حافز إضافي إذا ما طُلب هذا الدعم. تصدر خام برنت هذا التراجع مع انخفاض خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون 11 دولاراً، مسجلاً أدنى مستوى له منذ يناير. دفعت إشارات تراجع الطلب في ظل وجود فائض في المخزونات إلى الأمام ليلجأ للتأجيل للمرة الأولى منذ يناير 2011.

عودة تعويم المخزون

إن التحول الدراماتيكي في التوقعات الحالية والمستقبلية بشأن الأسعار يسلط الضوء على حقيقة أن معظم عمليات البيع حدثت في الواجهة الأمامية، وهذا أمر طبيعي جداً حيث يتدفق الاستثمار بالمضاربة عند هذه النقطة ويشتد توتر أسعار المخزون. إن الابتعاد عن دفع الفروق بسبب تأخير التسليم، حيث يكون السعر الحالي أعلى من السعر المؤجل بالنسبة للترحيل – حيث يحدث العكس – يؤدي إلى استثمارات سلبية على المدى البعيد في النفط الخام بجاذبية أقل في ظل بدء الاستثمارات بمراكمة عائد سلبي كما شهدنا بالنسبة لخام غرب تكساس الوسيط طوال الفترة خلال السنوات الأربع الماضية وبشكل دائم تقريباً بالنسبة للغاز الطبيعي.

على الرغم من أن هذا التأجيل بالنسبة لخام برنت يمكن عكسه بسهولة إذا ما حدثت صدمة كبيرة في المخزون أو فجأت السعودية إلى خفض إنتاجها، إلا أن ذلك قد يؤشر في حال مواصلة ارتفاعه إلى عودة تعويم المخزون، وهو ما كان شائعاً بعد الركود الذي حدث عام 2008-2009 عندما أصبح التسليم الفوري بالنسبة للنفط رخيصاً بحيث لجأت الشركات المتداولة إلى الشراء الفوري الذي يحقق ربحاً سريعاً وذلك ببيعه بسعر مؤجل أعلى مع تخزين النفط في حاملات خام ضخمة خلال هذه الفترة.

المخاطرة الجيوسياسية

لقد تلاشت المخاطرة الجيوسياسية التي أدت إلى تحريك الأسعار للارتفاع خلال الربع الأول في ظل عدم تمخض أي نتائج عن الاجتماع الذي عقد بين إيران والأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إضافة إلى ألمانيا، في موسكو. ستدخل العقوبات الأوروبية والأميركية المخطط لها حيز التنفيذ اعتباراً من اول يوليو وهو ما يعرقل بعض الصادرات الإيرانية، كما أنها ستحرم شركات التأمين الأوروبية من تغطية الصادرات الإيرانية وهو ما قد يسبب صداعاً للمشترين الآسيويين مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند والصين. إن عدم إحراز أي تقدم على صعيد المفاوضات بشأن نوايا إيران النووية يطرح من جديد مخاطرة توجيه إسرائيل لضربة عسكرية، وهو ما من شأنه ضمان استمرار المخاطرة الجيوسياسية على الرغم من التباطؤ الاقتصادي المستمر وتأثيره على الطلب العالمي.

الطلب العالمي

لا يزال محور التركيز في أسواق السلع وأسواق النفط يدور بصورة خاصة حول التراجع الحالي في النظرة المستقبلية الاقتصادية بالنسبة للعديد من الاقتصادات الرئيسية، فقد ارتفعت المخزونات الأميركية من النفط الخام إلى أعلى مستوى لها في 22 عاماً في ظل استمرار التراجع في النشاط التصنيعي في الصين خلال شهر يونيو، حيث تعتبر الصين أكبر مستهلك على مستوى العالم للمعادن الأساسية وثاني أكبر مستهلك للنفط بعد الولايات المتحدة. كما تراجع مؤشر مديري الشراء الخاص ببنك إتش إس بي سي إلى أدنى مستوى له في سبعة أشهر ليصل إلى 48.1 في يونيو حيث ان هبوطه إلى ما دون 50 يشير إلى وجود انقباض في المشتريات. لا يزال أمام الصين، التي تشكل أكثر من 50 في المئة من نمو الطلب العالمي على النفط خلال السنوات الأخيرة، العديد من الأدوات التي يمكن أن تستخدمها لتحفيز الاقتصاد. ولذلك فإن حدوث مزيد من التراجع في النشاط من شأنه زيادة فرصة حدوث ذلك، وهو ما سيساعد في دعم السلع، مثل النحاس وغيره من المعادن الأساسية، التي تعتمد إلى حد بعيد على الطلب الصيني.

النظرة المستقبلية

لا تزال النظرة المستقبلية من منظور فني بحت تشير إلى انخفاض الأسعار مع انكسار نطاق التداول ما بين 100 و126 دولاراً أميركياً بإشارة إلى انتقال فني للدخول ضمن نطاق 74 دولاراًً. لا بد من توفير الدعم على المدى القريب من مؤشر القوة النسبية الذي يخبرنا أن السوق تشهد عمليات بيع كبيرة جداً في الوقت الراهن أكثر من أي وقت أثناء الانخفاض لما دون 100 دولاراً الذي حدث عام 2008، وهو ما يؤشر على أن الحركة هذا الأسبوع عانت الكثير من التصفية على المدى البعيد.

ومع ذلك، لا تزال الصورة الأساسية تشير إلى استمرار نمو الطلب، على الرغم من تباطئه، وهو ما قد يشير إلى الانخفاض الشديد للمستويات الحالية وقد يكون ناجماً أساساً عن التحول والتصفية على المدى البعيد. وكما تعمل أسعار النفط المرتفعة كضريبة عالمية على المستهلكين فإن انخفاضها بثلث خلال الأشهر الثلاثة الماضية سيساعد في نهاية المطاف في تعافي الطلب. ولكن في ظل الشعور السائد حالياً بعدم الارتياح، لا شك بأن أسعار النفط يمكن أن تخطئ هدفها محدثة تأثيراً سلبياً قبل أن تتمكن الأساسيات من البدء في تأكيد نفسها.

***كادر: الذهب يسجل أداء متميزاً... والفضة في أدنى مستوى هذا العام***

إن التأثير السلبي لتباطؤ النشاط الصناعي على الفضة لوحظ في تراجع المعادن إلى أدنى مستوى خلال هذا العام ليصل إلى أرخص سعر له مقارنة بمستوى الذهب منذ أكتوبر 2010. أما الذهب فلم يتمكن في هذه الأثناء من إيجاد الدعم من اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية الأميركية في ظل غياب أي حافز جديد ووجود تأثير عام للمخاطر يتسبب بأكبر خسارة أسبوعية منذ ديسمبر.

لا يتمكن الذهب حالياً من كسر نطاق 1.525-1.640 الذي يتداول فيه، في حين يبدو أن استمرار التداول ضمن هذا النطاق سيبقى هو النتيجة المحتملة. إن أي انكسار فني لما دون 1.500 يحمل مخاطرة التعرض لتأثير سلبي، ولكن في ظل الباب الموارب الذي تركه الفيدرالي الأميركي لتقديم حافز إضافي، نعتقد أن الدعم قادم من جديد. تواصل تدفقات الاستثمارات في المنتجات المتداولة في البورصة حيث وصل إجمالي المترصد فقط إلى 149 ألف أونصة دون آخر مستوى وصلت إليه مؤخراً.