بعدما غابت عن الساحة الفنية لسنوات تعود ظاهرة اقتباس الأعمال الفنية من الروايات الأدبية مع مسلسلين يعرضان على شاشة رمضان هما: «فرتيجو» عن رواية بالاسم نفسه للكاتب أحمد مراد، «الإخوة الأعداء» عن رواية «الإخوة كرامازوف» للكاتب الروسي فيدور دوستويفسكي. ما سر عودة الروايات الأدبية إلى الأعمال الفنية في هذا التوقيت؟ وهل نجاحها في التلفزيون سيشجع صانعي السينما على تقديم أفلام مقتبسة من الأدب؟ وما المعوقات التي قد تقف في وجه عودة الروايات إلى السينما؟ وهل يؤثر نجاح الرواية في نجاح العمل الدرامي؟ يرى السيناريست نادر صلاح الدين أنه في حال توافرت روايات متميزة وتستحق أن تكون على الشاشة سيتسابق المؤلفون على تحويلها إلى أعمال فنية، ويبتعدون عن الأعمال الهابطة التي لا تتميز بنهضة كتابية، لافتاً إلى أن نجاح الرواية أو فشلها لا يؤثر على العمل الفني، موضحاً: «قد تكون الرواية فاشلة ولم تبع نسخة منها، لكن بعد عرضها كمسلسل أو كفيلم يذاع صيتها وتحقق مبيعات خرافية، لأن العمل الفني أظهرها بشكل رائع، والعكس صحيح فقد يسيء إلى الرواية اختيار ممثلين غير مناسبين أو إخراج ضعيف».يضيف صلاح الدين أنه عندما يحوّل أي رواية إلى عمل سينمائي لا يأخذها جملة واحدة إنما يختار خطاً واحداً منها، وهذا متاح للمؤلفين وليس فيه أي مخالفة أدبية، مؤكداً أن ثمة عوامل تعوق هذا التحويل في السينما، من بينها تلك التي تتعلق بالعملية الإنتاجية.يضيف: «كلنا يعلم الحالة الاقتصادية التي يمرّ بها المنتجون في هذا الوقت، وقد خفض الممثلون أجورهم تضامناً معهم للحفاظ على استمرارية دعمهم للسينما، وبالتالي عندما يفكر المنتج في تحويل عمل أدبي إلى سينمائي أول ما يخطر في باله هو الاسم الكبير».يشير إلى أن «المشكلة تكمن في أن ورثة هذا الاسم، أمثال توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، يطلبون مقابلاً مادياً كبيراً قد يصل إلى مليون جنيه، وهذا من حقهم، لكن عندما يحسب المنتج كلفته المبدئية يجدها مرتفعة، فيتراجع ويلجأ إلى الاستسهال ويطلب من السيناريست أو المؤلف كتابة أي قصة من تفكيره، مع العلم أنه كان بمقدور المنتج نفسه أن يدفع هذا المبلغ قبل ثورة يناير، لكن الآن الوضع مختلف فهو يحسب ما سيدفع وما سيعود عليه».خطوط دراميةيتمنى المنتج هاني جرجس فوزي تقديم فيلم مقتبس من رواية جديدة، بل ويراها أفضل من أي قصة سينمائية لأنها تتميّز بثقل وخطوط درامية مرسومة بشكل عظيم إلى جانب جودة تفاصيل البناء الدرامي.يضيف: «أفضل الأفلام في العالم هي تلك المأخوذة عن روايات، لكن المشكلة في قلة الروايات التي يمكن تحويلها إلى أعمال، وإن توافرت فتتطلب كلفة إنتاجية مرتفعة أو يصعب تنفيذها، على غرار الروايات التي تتناول أحداثاً تدور في العصر الروماني، إذ تفرض بناء مسارح وديكورات على الطراز الذي كان موجوداً آنذاك، كذلك رواية «شيكاغو» الرائعة التي كتبها علاء الأسواني فهي متميزة ولكن يصعب تنفيذها لأنها تتطلب تصويراً بين أميركا وكندا، وروايتا «النفطي» ليوسف شاهين و{عزازيل» ليوسف زيدان التي أحلم بتقديمها لأنها مكتوبة بلغة سينمائية ممتازة لكنها مكلفة... معظم هذه الأعمال يمكن تقديمه في عمل تلفزيوني، لكن أن تُقدم في السينما فهذا صعب للغاية».يؤكد جرجس أن نجاح الرواية قد يزيد من نسبة نجاح العمل الدرامي الذي يقدمها، مع عدم الاستناد إلى كون مؤلفها مشهوراً أم لا، مستشهداً بالأسواني الذي لم يكن معروفاً قبل روايته «عمارة يعقوبيان» التي قدمت في فيلم شارك فيه كبار النجوم من بينهم يسرا وعادل إمام وإسعاد يونس.يلفت هاني إلى أن والده المنتج جرجس فوزي أنتج غالبية روايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس مثل: «أرجوك أعطني هذا الدواء»، «الشيطان يعظ»، «التوت والنبوت»، و{عصر الحب».ظاهرة مفيدةيصف الروائي ابراهيم عبدالمجيد العلاقة بين السينما والتلفزيون والأدب بالضعيفة منذ الثمانينيات والتسعينيات، مشيراً إلى أن الأعمال السينمائية الحالية غير قائمة على الروايات في غالبيتها، فيما يقدّم أكثر من مسلسل يعتمد على الرواية في البناء الدرامي، لذا يتمنى عودة هذه الظاهرة الفنية المفيدة للأطراف كافة بما فيها الجمهور.يضيف: «في فترة الستينيات كانت الأفلام مأخوذة في غالبيتها عن الروايات وحققت نجاحاً عظيماً، بينما الاعتماد على قصص تافهة يخرج هذه الأعمال من التاريخ».بدوره يعتبر الناقد نادر عدلي أن المسلسلات المذكورة التي تعرض في رمضان ليست جديدة ولا مميزة؛ فـ «الإخوة الأعداء» سبق تناولها، لذا تعكس هذه الظاهرة حالة من الإفلاس والفراغ الفني. يلفت إلى أن إعجاب هند صبري وعثمان أبو لبن برواية «فرتيجو» أدى إلى تحويلها إلى مسلسل، والدليل تغييرهما لشخصية البطل إلى بطلة لتتناسب معها، إلى جانب أن فكرة الكاميرا التي تصوّر جريمة قتل عرضت في أعمال عدة منها فيلم «ضربة شمس» المأخوذ من فيلم إيطالي.يتوقف عدلي عند المعوقات التي تحول دون نقل الرواية في عمل سينمائي، من بينها الافتقاد إلى البلاغة اللغوية لتحويل مجرد الكلمات إلى مشاهد وصور حية، وقد تكون الرواية أروع من الفيلم مثل فيلم «عصافير النيل» الذي ظلم رواية الأديب إبراهيم أصلان بالاسم نفسه.يضيف: «قديماً كان المنتجون يعتمدون على روايات الأدباء الكبار الذين يعرفهم رجل الشارع، فما إن يشاع بأن ثمة فيلماً لإحسان عبد القدوس أو يوسف إدريس حتى يسرع كثر لمشاهدته، بالتالي ترتفع الإيرادات، لكننا نفتقدهم الآن لأن المخرجين ينسبون العمل إلى أنفسهم، ليثبتوا أنهم أقرب إلى الشارع من المؤلفين.أخيراً، يعزو عدلي اختفاء هذا المزج بين الفن والرواية إلى المراحل التي مرّت بها السينما من أفلام المقاولات الاستهلاكية ثم الكوميدية والعودة إلى المقاولات، كذلك الأوضاع غير المستقرة للكتّاب، لذا يتوقع عدلي أنه إذا عرضت أفلام مقتبسة من روايات وسط الأفلام المعروضة الآن فستلقى نجاحاً كبيراً.
توابل - سيما
بعد فرتيجو و الإخوة الأعداء ...هل يعود الأدب إلى السينما؟
06-08-2012