استطاع صاحب السمو الملكي الموازنة بين الأمن والمواجهة... وفصل بين التدين والتطرف بعد حياة عامرة بالأمن والعطاء، ترجَّل رجل الأمن العربي الأول، الذي استطاع الموازنة بين الأمور والفصل بين التدين الحقيقي والمغالاة والتطرف، خاصة خلال الأوقات العصيبة التي مرت على المملكة، حيث واجهت هجمات دموية متطرفة.منذ أكثر من 37 عاماً، والفقيد الأمير نايف بن عبدالعزيز يذود عن أمن السعودية، بعد تسلمه زمام أمور وزارة الداخلية، حيث تصدى خلال هذه السنوات لعدد من الأحداث الإرهابية والأزمات التي شهدتها المملكة وتجاوزتها، حتى أصبح تعامله مع الإرهاب مضرباً للأمثال من قبل دول العالم؛ وهو ما حدا بقيادات وساسة وأمنيين غربيين إلى الدعوة إلى الاستفادة من تجربة الأمن السعودي بقيادته. وهذه الرؤية حول شخصية الأمير نايف ليست بالجديدة على السعوديين، حيث بات اسمه مرتبطاً في الوجدان السعودي بالأمن، إذ واجه الملفات الأخطر والأكثر تعقيداً في التجربة السعودية.اقتحام الحرموإحدى الأزمات المبكرة التي أدارها وواجهها الأمير نايف، رحمه الله، كانت عملية محاولة اقتحام الحرم المكي الشريف، التي جاءت بعد خمس سنوات من توليه وزارة الداخلية، ويتذكر العالم بشكل واضح كيف كان موقفه، الذي وازن بين متطلبات الأمن والمواجهة، ويستطيع الفصل بين رؤية التدين الحقيقي والمعتدل وبين التدين المتطرف، وكانت الحالة التي انتهت فيها تلك المواجهة فاتحة لاستراتيجية جديدة في باب المواجهات الأمنية فكرياً وثقافياً، بالإضافة إلى مواجهتها عسكرياً. مثلت المواجهة الفكرية، وارتباطها بالمواجهة الأمنية واحدة من أبرز الحالات الإدارية لسمو الأمير نايف، بل باتت من أكثر النماذج العالمية والعربية شهرة في هذا المجال، وتم توسيع التجربة حين دخل السعوديون مرحلة جديدة من المواجهة مع الإرهاب والتطرف والتشدد، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بعامين. الصور التي يتذكرها السعوديون له، وهو في مواقع الأحداث، لدى تفقده بعض الأماكن التي شهدت أعمالاً إجرامية إرهابية، كانت رسائل صامتة ومتبادلة بينه وبين الناس، فلقد كان وقوفه في أكثر من مشهد يبعث كثيراً على الارتياح والشعور بالأمن، كما كان صمته ونظراته التي يتفقد بها المواقع تملأ الناس طمأنينة، فيما يملؤهم كذلك انطباع واسع «بأننا ندرك أنك لن تترك مجرماً ينجو من العقاب».مخطط كارثيوفي واحد من أبرز تصريحاته قال: «تم إفشال عدد من العمليات لو نجح منها 10 % لكنا في كارثة؛ لأنها مخطط خطير». واستطرد قائلاً: «بالإضافة إلى القدرات الأمنية المتكاملة نحتاج للعلماء والمشايخ ولأهل الفكر والرأي للتحرك في مجابهة هذا الفكر، وأن تقوم وسائل الإعلام بدورها». وفي قراءة متأنية للمواقف الثقافية والفكرية نرى أن الفقيد استطاع أن يقف في منطقة الوسط باقتدار، في حالة لا يستوعبها إلا الذين ينطلقون من رؤية المشترك الديني والوطني الواعي، فلقد استلزمت المواجهة بين التطرف والاعتدال على الأرض مواجهة فكرية بين مختلف الأصوات في هذه الجهة أو تلك، وكان بعضهم يتجه كثيراً إلى أخذ جانب من تصريحه ويقدمه للناس على أنه دعم لموقف أو لتيار معين. انطلق الأمير نايف في مختلف مواقفه من الثقافة السعودية بقيمها التي يمثل التدين وتمثل مختلف الجوانب الاجتماعية محاور أساسية في بنائها وتشكيلها، وهو في كل ذلك ينطلق مما يمثل المصلحة الفعلية والعليا للوطن، ويتحيز باستمرار لكل ما يحمي وطنه وأرضه وثقافته السعودية. وفي أغسطس 2009، تعرض الأمير نايف لمحاولة اغتيال نفذها أحد عناصر «القاعدة» قادماً من اليمن، حيث تعرض لإطلاق نار أثناء مرور موكبه بشارع المالكي بجدة، بعد أن قام شخص يحمل سلاحاً شخصياً بإطلاق النار على نقطة تفتيش في شارع عبدالرحمن المالكي، وبينما نجا الأمير، تم اغتيال مطلق النار على الفور.تعلّم في مدرسة الأمراء ودرس على يد كبار العلماءولد الأمير نايف، وكنيته أبوسعود نسبة لابنه الأكبر، في مدينة الطائف عام 1933 وهو الابن الثالث والعشرون من أبناء الملك عبدالعزيز، تلقى تعليمه في مدرسة الأمراء ثم درس على أيدي مجموعة من كبار علماء العلوم الشرعية والآداب والشعر العربي الفصيح، والعلوم السياسية والدبلوماسية والإدارة، تولى منصب وزير الداخلية منذ عام 1975 وقد بقي على رأس وزارة الداخلية طوال 36 عاماً، أشرف خلالها بشكل خاص على مكافحة تنظيم القاعدة في المملكة، ثم عين في العام 2009 نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء قبل أن يعين في أكتوبر 2011 ولياً للعهد. تزوج الأمير نايف ثلاثا، كانت الأولى نورة الفراج السبيعي وأنجب منها الأميرة جواهر، والثانية الأميرة الجوهرة بنت عبدالعزيز بن مساعد آل سعود، وأنجب منها الأميرة نورة، الأمير سعود، الأمير محمد، والأميرة سارة، والثالثة كانت الأميرة مها بنت محمد بن أحمد السديري وأنجب منها الأميرة نوف، الأمير نواف، الأميرة مشاعل، الأميرة هيفاء، والأمير فهد. وصف الأمير الراحل بأنه محافظ، إلا أنه كثيراً ما يبادر من خلال وزارته بخطوات تحديثية في المجتمع السعودي المحافظ، مثل إقرار بطاقات الهوية للنساء بعد أن كن لسنوات طويلة ملحقات في دفاتر العائلة بالرجال. وكانت أشهر العبارات للأمير الراحل: «إن بلاده لا تحتاج إلى إجراء انتخابات لأن التعيين يختار الأفضل دائماً، وإنه لو كانت العضوية بمجلس الشورى بالانتخاب لما كان الأعضاء على مستوى من الكفاءة».محطات مهمة في حياة الراحلمرّ الراحل الأمير نايف بمحطات مهمة في تاريخ السعودية، شغل خلالها العديد من المناصب القيادية نذكر منها ما يلي:• ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية 27 أكتوبر 2011.• النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء 27 مارس 2009.• وزير الداخلية 1975.• وزير دولة للشؤون الداخلية 1975.• نائب وزير الداخلية بمرتبة وزير 1974.• نائب وزير الداخلية 1970.• أمير منطقة الرياض 1953-1954.• وكيل إمارة منطقة الرياض 1951-1952. كما ترأس صاحب السمو الملكي العديد من اللجان والمجالس، في حين كان عضواً في عدد آخر من المجالس واللجان من أبرزها:• رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية البشرية عام 1980.• الرئيس الفخري للجمعية السعودية للإعلام والاتصال عام 2000.• الرئيس الفخري للجمعية السعودية الخيرية لرعاية الأسر السعودية في الخارج (أواصر).• المشرف العام على اللجان والحملات الإغاثية والإنسانية بالمملكة العربية السعودية.• رئيس لجنة النظام الأساسي لنظام الحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق عام 1992.• رئيس مجلس القوى العاملة عام 1991.• المشرف على هيئة التحقيق والادعاء العام عام 1989.• الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب عام 1984. وترأس الأمير نايف فخرياً مجلس وزراء الداخلية العرب الذي تم من خلاله إقرار العديد من المشاريع والاتفاقيات الأمنية بما يخدم أمن الإنسان العربي من أهمها: • الاستراتيجية الأمنية العربية في بغداد عام 1984.• الخطة العربية الأمنية الوقائية في تونس 1985.• الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة من قبل وزراء الداخلية والعدل العرب عام 1998.• مشروع الاستراتيجية العربية لمكافحة الاستعمال غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية.• رئيس المجلس الأعلى للإعلام عام 1981.• رئيس الهيئة العليا للأمن الصناعي عام 1977.• رئيس مجلس إدارة جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية عام 1977.• رئيس مجلس أمراء المناطق عام 1975.• رئيس المجلس الأعلى للدفاع المدني عام 1967• رئيس لجنة الحج العليا عام 1965• عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.• نائب رئيس الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها.• رئيس المجلس الأعلى للسياحة.وُصف الأمير الراحل بأنه الوتد الذي تتكئ عليه المفاهيم الأمنية بمجملها في السعودية، والقاهر الحقيقي للإرهاب والمتسللين، إذ اعتبره الحجاج بأنه الرجل الذي وَحَّدَ تعريف الأمن على الرغم من كل الأمزجة في تعريفه، وأرسى دعائمه برغم كل الرهبنة والتخويف والجريمة، فما أن ترى هذا الرجل قبيل حج كل عام، حتى يتبادر إلى عقلك أنه حج آمن بفضل الله. وفي الصورة، سموه يتابع جهود الأجهزة الأمنية خلال أحد مواسم الحج.
دوليات
أبوسعود... رجل الأمن العربي الأول
17-06-2012