كنت في بنك الدم يوماً من الأيام، وقد كان يوماً عجيباً، وذلك للتبرع لما له من فوائد على الصحة ومحاولة للمساهمة في مساعدة مرضى تمثل قطرة الدم لهم أهم وأغلى من ملايين الدنانير، فاستقبلتني موظفة الاستقبال بكل حماسة وترحيب لعمل الإجراءات، فشعرت أنها تعي أهمية العمل الذي تقوم به وأنها بمجهوداتها تريد المساهمة في هذا الواجب الإنساني.

وبينما كنت أنظر إلى باب الدخول فإذا بشخص يدخل المركز، وهو أحد شبابنا الكويتيين الذين يُعتمد عليهم في بداية العشرينيات من العمر، وما أثار انتباهي هو شكله العام، فهو صاحب بنية رياضية، طويل قوي حاد الملامح، بشرته سمراء ويمشي بثقة، ولكن كانت هناك بعض الأمور في شكله الخارجي لم تعجبني، وتعطي انطباعاً بتمرد وقسوة ما في شخصية هذا الشاب الذي وضع وشماً (تاتو) على إحدى ذراعيه اللتين هما على وشك الانفجار من حجم العضلات، وسلسلة فضية في رقبته القوية، فضلاً عن حبل من الجلد الأسود مربوط في معصمه.

Ad

وأقبل واستقبلته الموظفة بنفس الترحاب الذي لقيته، وأخبرها أنه أتى للتبرع لصديق له، وما زاد الصورة التي رسمتها عنه في مخيلتي هو صوته الجهوري، وذهبت إلى غرفة سحب الدم ووضعوا الإبرة في ساعدي وبدأوا السحب، وبعد خمس دقائق أتى ذلك الشاب، ووضعوه على السرير الذي بجانبي، وهنا بدأت عجائب يومي هذا، فما إن رأى الإبرة حتى بدأ بالصراخ "إبرتكم كبيرة أريد أصغر وأنا ما أقدر أتحملها"، فأخبرته الممرضة أنه لا يوجد غير هذه الإبرة فقبل، وقبل أن تبدأ عملها عاود الصراخ ولكن بكلمة واحدة "أي أي أي" مدة عشر دقائق ويزداد صوته حتى شككت أنه وصل إلى خارج المركز.

خرجت من بنك الدم وأنا في عجب من هذه التناقضات، وذهبت إلى الصيدلية لشراء بعض الأدوية، فإذا بشاب داخل الصيدلية يرفع ملابسه للصيدلي كاشفاً عن ركبته طالباً أن يجد له حلاً لمشكلته، وهي عبارة عن جرح قديم لا يتعدى السنتيمتر الواحد ويريد أي مستحضر يخفي تلك "الندبة" التي خلفها الجرح، وأعطاه الصيدلي ما أعطاه وذهب، وتكلمت مع الصيدلي مستغرباً طلب هذا الشاب، فقال لي لم تر من أتي قبله، إذ جاء شاباً يسأل عن كريم لتقشير الشفتين ليصبح لونهما وردياً وكان بنفس مواصفات جاري في سرير بنك الدم... كان يوماً عجيباً فعلاً!