المتأمل لأحوال الأسواق الإسلامية اليوم سيندهش من انتشار آفة شديدة الخطورة ألا وهي دفع وقبول الرِّشى أو ما يسميها البعض الإكرامية وللأسف الشديد انتشرت قصة العمولات غير الشرعية والإكراميات والرِّشى في كل أسواقنا، حتى وصلت إلى كل شيء ووصلت معدلات مخيفة تساهم في النهاية في الإضرار بالمستهلك البسيط، حيث يقول تقرير لمنظمة الشفافية العالمية إن العالم ينفق ما بين 20 و40 مليار دولار على الرِّشى سنوياً في القطاع الخاص، وتعادل قيمة هذه الرِّشى حوالي 20% إلى 40% من المساعدات التنموية الرسمية، وهو ما يلحق الضرر بالمستهلك.يقول د. عبدالرحمن يسري (أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الإسكندرية): «للأسف الشديد انتشرت الرشوة في أسواقنا وفي زمن اختلطت فيه المفاهيم وتزين الحرام ليبدو في أبهى صورة وكأنه حلال يثاب فاعله أطلقنا على الرشوة إكرامية وهدية وعمولة وغيرها من المسميات، ولابد ونحن نواجه تلك الآفة أن نعي جيداً أن العمولات والهدايا والإكراميات كلها رِشى مقنعة ولا ينبغي أن تعامل بغير هذا المعنى. ويضيف د. يسري أنه للأسف الذين يرتشون هذه الأيام يضعون مبررات فمنهم من يقول إن راتبي صغير وأنا أعطى الدولة على قدر ما تعطيني، ومنهم من يقول أنا أعطي وأقدم خدمات وعملي يساوى الآلاف ولا آخذ شيئاً مقابلاً لذلك.. أأنفع الناس ولا أنفع نفسى؟.. كل هذا لا قيمة له أمام الله وقت الحساب الذي سيكون عسيراً في الدنيا والآخرة، وعدم الإخلاص في العمل والتقصير فيه نوع من الرشوة وعدم إنجازه في موعده في انتظار رشوة ومحاولة لأخذ أموال الناس بالباطل والرسول نبهنا وقال: «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به» وعلينا أن نتذكر ما كان يحدث أيام الرسول من العمال الذين كان يبعث بهم إلى الأمصار، حينما جاء أحد العمال الذين كانوا يجمعون الزكاة فقال هذا لكم وهذا أهدي لي، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مبدأ عام لنا وفي استفهام استنكاري له غرض واضح: «أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك، فنظرت أيهدى لك أم لا؟».وقد وفر الإسلام حماية للمستهلك فمنعه من دفع الرشوة حماية له من تحمل نفقات زائدة في سعر السلعة أو الخدمة التي يرغب في الحصول عليها فالشريعة الإسلامية عندما حرمت الرشوة حرمتها لأنها من نماذج ابتزاز أموال المستهلك أيضاً، وعلينا أن نؤكد حرمة أن يعطي الإنسان الرشوة أو يقبل هذه الرشوة حتى يصدق قوله تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ».
توابل - دين ودنيا
(الإسلام وحماية المستهلك): العمولات والإكراميات... رشوة مقنعة تستنزف الجيوب
23-07-2012