تستطيع منصات الحفر المماثلة لهذه في واشنطن بولاية بنسلفانيا استخراج الغاز الطبيعي بكميات اقتصادية من المكامن الصخرية العميقة تحت سطح الأرض. وقد أفضت امكانية استخراج هذا الغاز الصخري في مناطق متعددة من الولايات المتحدة الى وفرة في انتاج الغاز الطبيعي الرخيص.

وفي وقت سابق من فصل الصيف أحدث رسم بياني بسيط من ادارة معلومات الطاقة الأميركية صدمة لدى أكثر المشككين ذكاء في مجال الطاقة. فقد أظهر ولأول مرة أن الفحم الحجري ومنذ بدأت الوكالة الفدرالية برصد الإنتاج لم يعد الوقود المهيمن المستخدم لتوليد الكهرباء في الولايات المتحدة.

Ad

وخلال الشهور القليلة الماضية ارتفع معدل استخدام الغاز الطبيعي في مصانع الطاقة بسرعة تضاهي انتاج الطاقة من الفحم، وهو وقود أحفوري أكثر تلوثاً. (وكما هي العادة فإن مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والشمس تحتل الجزء الأدنى من الرسم البياني بشكل تقريبي).

وكان هذا المعلم اشارة اخرى على التحول في امكانات الطاقة في البلاد، وربما في العالم كله. وقد غيرت الوفرة المفاجئة من الغاز الطبيعي الرخيص وبصورة دراماتيكية الطريقة التي تتبعها الولايات المتحدة ازاء انتاج واستهلاك الطاقة، ودفعت الى تقزيم التغيرات التي نجمت عن عقود من المساعدات والحوافز الاخرى الهادفة الى تطوير وقود غير أحفوري.

ثورة الغاز

وتعتبر ما تدعى بثورة الغاز والى حد كبير، حصيلة تقنيات الحفر المتقدمة – الأفقية والهيدرو تكسيرية – التي غدت أكثر انتشاراً خلال السنوات العديدة الماضية. وتجعل هذه الطرق من العملي استخراج كميات ضخمة من الغاز الطبيعي الذي يعرف بأنه موجود منذ زمن بعيد في المكامن الصخرية في شتى أنحاء البلاد، وخاصة في منطقة مارسيلوس الصخرية التي تمتد عشرات الملايين من الأكرات تحت معظم أرجاء بنسلفانيا وأجزاء من نيويورك واوهايو ووست فيرجينيا وميريلاند وكنتاكي. ويختلف الخبراء حول كمية الغاز الموجودة التي يمكن استخراجها من هذه المكامن، ولكن معظم التخمينات تشير الى أنها أكثر من كافية لتزويد الولايات المتحدة لعقود عديدة. والأكثر من ذلك هو كشف مكامن ضخمة من الغاز الصخري في الصين وفي مناطق في شتى أنحاء العالم.

أسعار الغاز الطبيعي

وعلى الرغم من الأدلة المتزايدة منذ أواخر عام 2000 على مدى أهمية هذا المصدر كان لافتاً جداً كيفية تغييره لعاداتنا في استهلاك الطاقة بصورة سريعة وشاملة. ويتعلق ذلك بشكل رئيسي بإحصائيات اخرى ترصدها ادارة معلومات الطاقة بعناية: خلال معظم فترات النصف الأول من هذه السنة راوح سعر الغاز الطبيعي حول دولارين الى دولارين ونصف الدولار لكل مليون وحدة حرارية "بي تي يو" أي أقل كثيراً من السعر الذي حققه في سنة 2008 ووصل الى 13 دولاراً قبل التوسع الكبير في عمليات الحفر في مواقع مارسيلوس الصخرية. وعند 2.5 دولار لكل مليون "بي تي يو" فإن سعر الغاز الطبيعي يعادل حوالي 15 دولاراً للبرميل الواحد من النفط.

وبصورة اخرى تستطيع الآن مصانع الطاقة الحديثة العاملة بالغاز الطبيعي انتاج كهرباء بسعر يقارب 4 سنتات لكل كيلوواط ساعي. ويقل هذا السعر عن سعر الطاقة من مصانع الفحم الحجري الجديدة، وهو أدنى كثيراً من سعر أكثر أنواع طاقة الرياح والشمس فعالية عندما نأخذ في الحسبان تكلفة أنظمة الدعم لتلك المصادر المتقطعة.

ويقول ديفيد فيكتور، وهو خبير طاقة في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو: "استحوذ الغاز الطبيعي الرخيص على حصة كبيرة من الفحم الحجري بسرعة تامة. وسوف يكون هناك حمام دم في طاقة الرياح كذلك". وبالنسبة الى المستثمرين والتقنيين الذين يأملون في صنع طاقة متجددة مثل الرياح والشمس فإن تنافسية السعر مع الوقود الأحفوري وبلوغ ما يدعى بتساوي الشبكة قد أصبحت فجأة أكثر حدة وقسوة، ويمكن المجادلة في أن من المستحيل بلوغ ذلك من خلال التقنيات الموجودة.

انبعاثات الكربون

وتوفر الولايات المتحدة سنوياً من خلال التحول الحديث العهد من الفحم الحجري الى الغاز ضعف التقدم الذي حققه الاتحاد الأوروبي عبر تقيده ببروتوكول كيوتو.

وفي حقيقة الأمر يقول اقتصاديون إن من الصعب المبالغة في مدى أهمية التوافر المفاجئ للغاز الطبيعي. ويقول مايكل غرينستون، وهو اقتصادي في معهد ماساشوستس للتقنية ومدير مشروع هاملتون وهي مبادرة سياسة اقتصادية لدى مؤسسة بروكنغز في العاصمة واشنطن إن هذا هو "أكبر تغير في نظام الطاقة عندنا، وأنا لا أظن أننا نفهم المضاعفات بصورة تامة".

ويضيف إن الغاز الطبيعي الوفير والرخيص تحول الى نعمة هائلة بالنسبة الى الاقتصاد حيث أسهم في خلق وظائف في المناطق الغنية بالغاز وفي توفير كهرباء أرخص للمستهلكين والمصنعين. غير أنه يحذر من أن كيفية تأثيره على الطقس "يظل مسألة مفتوحة". ويقول غرينستون: "توجد نظريتان، فقد يكون مثل جسر أزرق نحو مستقبل أخضر، أو نهاية الطاقة النووية والمتجددة، ولا أظننا نعرف الجواب بعد".

الفيل الأزرق

ينتج احراق الغاز الطبيعي – الذي يتكون بشكل رئيسي من الميثان – نسبة أقل كثيراً من ثاني اكسيد الكربون مما ينتجه احراق الفحم الحجري. ويقدر ديفيد فيكتور من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو أن مصنع طاقة حديث يعمل بالغاز يطلق حوالي خمسي كمية الكربون التي ينتجها مصنع جديد يعمل بالفحم الحجري. ووفقا لحساباته فإن الولايات المتحدة توفر سنوياً 400 مليون طن متري من انبعاثات الكربون في التحول الحديث من الفحم الحجري الى الغاز الطبيعي، ويعادل ذلك بشكل تقريبي مثلي التقدم الذي حققه الاتحاد الأوروبي عبر تقيده ببروتوكول كيوتو ويقول "لايوجد حدث واحد معين مثل ثورة الغاز ترك مثل ذلك الأثر الكبير والمستدام على انبعاثات الكربون".

ولكن يتعين الحد من التفاؤل المتعلق بالفوائد البيئية. ويرجع ذلك الى أن المنشآت قد تعود الى استخدام مزيد من الفحم الحجري مع ارتفاع تكلفة الغاز الطبيعي نتيجة زيادة الطلب. ويتمثل القلق الآخر في كون استخراج ونقل الغاز الطبيعي يطرح غازات بيوت دفيئة. وقد نشرت دراسات متباينة تقديرات مختلفة ومتضاربة في بعض الأوقات حول اجمالي الانبعاثات المرتبطة بانتاج الغاز الطبيعي، غير أن العوامل المساهمة تشمل الطاقة المستخدمة في عملية الاستخراج اضافة الى حقيقة كون الميثان – وهو غاز بيوت دفيئة شديد الفعالية – يطلق أثناء عملية الحفر ويتسرب من الأنابيب خلال النقل. وفي حقيقة الأمر لا توجد مقاييس يعول عليها حول استهلاك الغاز الصخري في عملية الحفر أو كمية الميثان المتسربة بشكل فعلي.

وعلى أي حال فإن من الواضح أن التحول من الفحم الحجري الى الغاز الطبيعي لن يدنو من تحقيق الخفض الهائل في انبعاثات غاز بيوت الدفيئة التي يعتقد معظم العلماء أنها ضرورية من أجل الحيلولة دون التأثيرات الأسوأ لتغير المناخ بحلول منتصف القرن.

خفض انبعاثات الكربون

وبحسب تقديرات الاقتصادي هنري جاكوبي وزملائه في معهد ماساشوستس للتقنية فإن زيادة استخدام الغاز الصخري قد تفضي الى خفض انبعاثات الكربون بشكل ما خلال السنوات الخمس أو العشر المقبلة، ولكنها في أحسن الأحوال سوف تبقيها مستقرة حتى سنة 2050. وبكلمات اخرى ثمة نافذة فرصة قصيرة للبدء باستنباط ونشر تقنيات أكثر نظافة، ويتوقع جاكوبي أن تظل أسعار الغاز الطبيعي منخفضة نسبياً خلال العقد المقبل وأن ترتفع ببطء الى حوالي 5 -6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية "بي تي يو" وهو معدل سوف يصعب على الطاقة المتجددة أن تنافسه.

ويقول جاكوبي: "إن الفيل الحقيقي القابع في الغرفة" يتمثل في عدم وجود سياسة مناخ لدينا تهدف الى فرض غرامة على انبعاثات الكربون بحيث توفر حوافز للاستثمار في تقنيات أنظف". وتتمثل فائدة مصادر الطاقة المتجددة ببساطة في أنها لا تطلق ثاني أكسيد الكربون.

وبالعديد من الطرق يعزز تأثير الغاز الطبيعي الرخيص ما أصبح جلياً بصورة متزايدة خلال عقد من الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وخاصة الرياح والشمس: لاتزال مصادر الطاقة هذه مكلفة جداً لمنافسة الوقود الأحفوري اذا ظلت أسعارها تعتمد فقط على تكلفة انتاج الطاقة، وسوف تظل كذلك الى حين تحقيق تحسن كبير في التقنيات. ويقول سيفرين بورنستين الاقتصادي والمدير المشارك لدى معهد الطاقة في كلية هاس التجارية في بيركلي: "كان الاندفاع نحو مصادر الطاقة المتجددة متوقعاً ليس فقط في تغير المناخ بل في الجدال القائل إن الوقود الأحفوري سوف يصبح مكلفاً بصورة هائلة. ولم يكن ذلك رهاناً جيدا قط". وفيما غدت تقنيات مثل تقنية الطاقة الشمسية أرخص، يضيف، فإن عمليات استخراج واستخدام الوقود الأحفوري تحسنت أيضاً وهي تمثل هدفاً متحركاً سريعاً.

تقنيات الطاقة النظيفة

وبالنسبة الى العديد من الاقتصاديين فإن العلاج الواضح يتمثل في تحديد ثمن على انبعاثات الكربون إما عن طريق فرض ضريبة أو عبر ما يدعى بنظام الحوافز الاقتصادية، وتم اقتراح خطط متعددة من أجل اقامة مثل ذلك الثمن على الكربون ولكن أياً منها لم يحصل على أي زخم سياسي في الولايات المتحدة. والأكثر من ذلك ان عدداً متزايداً من الاقتصاديين يعتقد أن ذلك الثمن وحده لن يدفع على الأرجح الى طفرة في تقنيات الطاقة النظيفة.

ويقول بورنستين إن فرض أسعار عالية بما يكفي على الكربون بحيث تجعل مصادر الطاقة المتجددة الحالية منافسة في التكلفة غير مجد من الوجهة السياسية. وهو يشير بدلاً من ذلك الى حاجتنا الى مزيد من الدعم للبحوث واختبار مصادر طاقة أكثر نظافة، والى أسعار كربون منخفضة بما يكفي لتصبح مقبولة سياسياً ولكنها عالية بما يكفي لتوفير حوافز الى المستثمرين والشركات للسعي وراء تقدم جديد. ويقول: "في بعض الطرق إنه خروج سهل غير أن حقيقة الأمر أن من الأفضل للعلماء التقدم بفكرة من نوع ما".

وسوف ينطوي ذلك الاستنتاج على مرارة بالنسبة الى العديد من أنصار بدائل الطاقة الحالية، غير أن أعدادا تنافسية النسخ الراهنة لطاقة الرياح والشمس واضحة.

الطاقة المتجددة

ويقول غرينستون الذي أجرى تحليلات تكلفة مكثفة حول مختلف مصادر الطاقة الكهربائية: "إن مصادر الطاقة المتجددة ليست جاهزة بعد للوقت الممتاز، وليس فقط لأن المصانع التي تعمل بالغاز هي أرخص مصدر للطاقة، بل لأن الطاقة المتجددة لاتزال أغلى كثيراً حتى مع الأخذ في الاعتبار تكلفتها بالنسبة الى المجتمع من حيث التلوث وانبعاثات غاز بيوت الدفيئة". واذا قبلنا مثل تلك الحقيقة فماذا سوف نفعل بالنسبة الى الكهرباء في العقد أو العقدين المقبلين من الزمن؟ ويضيف ان استبدال الفحم الحجري بالغاز الطبيعي يمكن أن يلعب دور "الجسر" الذي يخفض بصورة كبيرة انبعاثات الكربون. والسؤال الآن هو ماذا يوجد عند نهاية الجسر؟ هل يفضي حقاً الى اليوم الذي تتمكن فيه الطاقة المتجددة من منافسة الوقود الأحفوري؟ وفي غياب تسعير الكربون واستثمارات جوهرية في البحوث الأساسية والتطوير يبدو هذا غير محتمل الى حد كبير.

ويتعين على اولئك الذين يطورون البدائل تقبل حقيقة وفرة ورخص الغاز الطبيعي في المستقبل المنظور، وعليهم الاعتراف بالحاجة الى تقنيات طاقة نظيفة أقل تكلفة كثيراً من تلك الموجودة في الوقت الراهن. والأنباء الجيدة هي أن العديد من مثل تلك التقنيات هي قيد العمل وتظل أهمية ابتكار طاقة متجددة تنافس حقاً الوقود الأحفوري من دون تغيير. وقد أبرز الغاز الطبيعي ببساطة، ومن جديد، مدى التحديات المتمثلة في تحقيق الاختراقات.