تساعد شخصية الإنسان على تحديد الطريقة التي يتفاعل فيها الشخص عادةً مع موقف معيّن. فيُقال في هذه الحالة إن ردة فعله تنجم عن طبعه أو شخصيته. تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى وجود علم خاص بدراسة الشخصية. لكن لم يعد هذا المجال يعتمد على الأبحاث التجريبية اليوم، بل على مفهوم الشخصية.  

Ad

صحيح أن الشخصية القوية مطلوبة في هذه الأيام الصعبة للصمود في الحياة، لكن من المعروف أن الطباع السيئة والمبالغة في إظهارها وفرض الرأي على الآخرين هي عوامل سلبية، وتحديداً في علاقات الشخص بمحيطه.

خصائص شخصيّة

قرّر فريق عمل في جامعة بوسطن تركيز أبحاثه على الرابط القائم بين الطباع السيئة ومدى العمرعبر دراسة العائلات التي يتجاوز أفرادها سن المئة. كيف يمكن تفسير هذه الظاهرة علمياً؟ من المعروف أن العوامل الوراثية تؤثر على إطالة مدى الحياة أو العكس. لكن يعتبر بعض الخبراء أن الحياة المديدة تنجم أيضاً عن الشخصية الحسنة. بالتالي، تُعتبر الحياة المديدة الاستثنائية وراثية من جهة ولكنها تتوقف أيضاً على خصائص الشخصية من جهة أخرى.

تتوقف نوعية الحياة على علاقات الفرد الاجتماعية التي تحسّن حالته وصحته. بالنسبة إلى باحثين آخرين، تحتل القدرة على ضبط الضغط النفسي أهمية خاصة في هذا المجال. بالتالي، يستطيع الفرد الذي يتمتع بشخصية تسمح له بالتحكم بضغوط الحياة أن يتقدم بالسن بطريقة سليمة، لأن الضغط النفسي يعزز مشاكل ارتفاع ضغط دم ونشوء أمراض القلب والشرايين.

طباع سيئة أم شخصيّة موروثة؟

ثمة خطّ فاصل بين الشخصية والطباع. ما هي أساليب التصرف والسلوكيات التي يعتمدها الفرد والتي تسمح بتمييز شخصٍ عن آخر؟ يستعمل علم دراسة الشخصية هذا التمييز لاستخلاص استنتاجاته. لم يعد علماء النفس اليوم يستعملون كلمة «الطباع» لأنها تحمل تضمينات نفسية وتشير إلى أحكام أخلاقية غالباً ما تكون سلبية. تجدر الإشارة إلى أن بعض علماء النفس يدمج أبعاد الطباع ضمن الشخصية لدى كل فرد. هكذا تحمل الطباع التي تتناقض مع الحالة المزاجية العابرة أبعاداً للشخصية الحقيقية التي تتأثر بالمكاسب الاجتماعية والمعرفية. في هذه الحالة، لا تتعلّق المسألة بالعوامل الوراثية إذاً.

اختلال عاطفي

يعاني الشخص ذو الطباع السيئة خللاً على المستوى العاطفي، فيكون غير مستقرّ نفسياً. في هذه الحالة، تصبح عواطفه انفعالية أكثر من اللزوم عند مواجهة أي موقف صعب أو شخص يخالفه الرأي. وسرعان ما يكتسب هذا الفرد عادة حلّ جميع الصراعات بطريقة انفعالية وعشوائية.

بما أن العادات لا تستلزم بطبيعتها بذل أي جهد لتطبيقها، لا يتوانى الأزواج الذين يتمتعون بطباع سيئة في التعامل مع خلافاتهم بالصراخ والعنف. خلال أي نقاش بين زوجين من هذا النوع، يسهل أن يُسكت أحدهما الآخر بالصراخ أو توجيه الإهانات أو السخرية، بدل تحليل الوضع بهدوء واحترام وتقديم المبررات المنطقية والمناسبة.

عادات «مكتسبة»

يُعتبر الطبع السيئ عادة مكتسبة جزئياً. يتعلم الطفل أن يتفاعل بطريقة سيئة وغاضبة حين يشاهد أهله وهم يبدون ردة الفعل نفسها. كذلك، تتأثر الزوجة الصالحة التي تتمتع بشخصية حسنة بسلوك زوجها السيئ الطباع وتصبح متوتّرة ومشتّتة مع مرور الوقت. يجب أن يتجنّب الفرد ذو الطباع السيئة تطوير هذه الخاصية في شخصيته عبر رصد أولى مؤشرات الغضب لديه. حتى لو وُلد الشخص بطباع نارية وعصبية، قد تتعزز لديه صفات الطباع السيئة بفعل عوامل التربية والبيئة المحيطة به. الأهمّ هو أن يكبح الفرد نفسه في الوقت المناسب قبل أن تترسخ هذه النزعة الانفعالية في داخله ويعجز عن التحكم بنفسه ويفقد ردود فعله السليمة وإرادته الشخصية.

إدراك المشكلة أولاً

قد يواجه الفرد مشكلة في طباعه، لكن يمكن تغيير هذا الوضع حتماً. لتحقيق ذلك، من الضروري أن يحلل الفرد سلوكه لتحديد ردود الفعل التي لا يستطيع التحكم بها. يصعب أن يتغيّر الشخص من تلقاء نفسه، فقد يكون مقتنعاً بأن طباعه غير قابلة للتبدّل. لكن تتوافر عوامل كثيرة للتعامل مع هذا الوضع عبر السعي إلى تحسين نوعية الحياة. يُعتبر إدراك هذا الواقع وتطوير الرغبة في تغيير الوضع عاملين أساسيين لتغيير الطباع. لذا لا بد من تحليل الآليات التي تعزز مشاعر الغضب الداخلية في وجه شخص محدد أو للتعامل مع موقف معيّن. من خلال تحديد «العوامل المحفِّزة»، بإمكان الفرد أن يجد تدريجاً آلية دفاعية فاعلة أخرى.

مشكلة غطرسة؟

غالباً، يكون الشخص ذو الطباع السيئة معتدّاً بنفسه. قد تؤدي «الأنا» دوراً مبالغاً فيه في حياة الفرد، ما يعني وجود نزعة داخلية دائمة نحو فرض السيطرة والتحكم بالآخرين والتخطيط وفق وجهة النظر الخاصة. ويعني ذلك أيضاً تعزيز الرغبة في الإقناع والتلاعب والهيمنة. تترافق هذه المشاعر مع إحساس بالعظمة الذاتية والتفاخر بسوء الطباع تجاه الآخرين، ولا ننسى ميل هذا الفرد إلى إقناع نفسه بصوابية أفكاره وقراراته.

إذا كان هذا الوضع ينطبق عليك، فالأهم في المقام الأول هو إدراك هذه الحالة الشائبة بكل هدوء، وعدم إطلاق الأحكام القاسية على الذات، بل تقبّل الأمر لمعالجته. في حياتك اليومية، حاول بطريقة تدريجية تحديد المرات التي ترتكب فيها خطأ المبالغة في التفكير بمشكلة طباعك السيئة. في المساء، قبل الخلود إلى النوم، حلل الأسباب التي دفعتك إلى التصرف بهذا الشكل، لكن من دون أن تنتقد نفسك بطريقة قاسية. فكّر بالطريقة الآتية: «اليوم، تصرفتُ بهذا الشكل. أدرك ما فعلته لذا سأعتمد أساليب جديدة لتحسين سلوكي عند مواجهة ظروف مشابهة في المستقبل». في اليوم التالي، يمكنك الاعتذار من الشخص الذي أخطأت بحقه.

على صعيد آخر، يجب التوقّف عن إطلاق الأحكام بحق الآخرين والاعتراف باختلاف كل شخص وتميّزه عن الآخر وبحق الجميع في تكوين آرائهم الخاصة حول شتى المواضيع. إذا أردت أن يحترم الآخرون رأيك، فعليك أن تتعلم كيفية احترام رأيهم!

باختصار، لا بد من تعلّم كيفية التحكّم بالعواطف والانفعالات، وإدراك طبيعة ردود الفعل الخاصة، واحترام آراء الآخرين لضبط الشخصية القوية والطباع العدائية. من خلال الالتزام بهذه القواعد، ستتحسّن علاقتك بمحيطك.