لم يحدث ذلك قبل يومين في مجاهل إفريقيا ولا في دولة من بقايا دول الاستبداد في عالمنا العربي. لقد حدث، مع الأسف، في الكويت في يونيو 2011.

وبدلاً من أن تبادر القيادات التربوية إلى الاعتذار عن طرد الطفل الذي سأل: لماذا لا تحدث ثورة في الكويت؟ انبرى وزير التربية للتباهي بالقول إنه "أساء إلى البلد".

Ad

لا ندري كيف نفسر لمواطن عاقل أو لأجنبي من دولة ديمقراطية آلية عمل مؤسساتنا التربوية. ولا ندري أين نخبئ وجهنا حين نُسأل عن الديمقراطية التي نتحدث عنها ليل نهار وعن التسامح الذي نردد طوال اليوم أنه من طبع أهل الكويت، في حين أن وزارة التربية تتصرف وكأنها مؤسسة حزبية في دولة يحكمها حزب واحد وتحصي فيها المخابرات على الناس الأنفاس.

جريمة ابن العاشرة المصري الذي طرح السؤال متأثراً بما جرى في بلاده أنه ذكي، وكان يتوقع حتماً تفسيراً من المُدرِّسة بدلاً من الشكوى ذات الطابع "الأمني"، وشرحاً عن أسباب عدم حدوث ثورة عندنا على غرار ما حصل في مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية، بدلاً من إجراء عقابي تستحقه المُدرِّسة والقيادات التربوية وليس التلميذ النبيه.

نحن بلد عُرف بالديمقراطية. ويفترض بمواطنينا ومدرسينا أن يكونوا ديمقراطيين ليلقنوا ثقافة المعرفة والرأي الآخر لا ثقافة فرض المعلومة وإيقاع العقاب. لكن يبدو أن قياداتنا التربوية يفضلون العودة إلى "الكتّاب" والضرب بالعصا، ولا يقيمون وزناً لا للمفاهيم التربوية الحديثة ولا للمبادئ الدستورية ولا لحق التلامذة في أن تحترم عقولهم وحقوقهم وأن يحصلوا على العلم الصحيح في أجواء ذهنية وثقافية سليمة.

عيب وألف عيب أن يطرد تلميذ لأنه سأل سؤالاً طبيعياً في زمن نعيش فيه تحولات كبرى تملأ أخبارها الشاشات وأحاديث البيوت والمنتديات. فبِمَ نصف تصرف المُدرِّسة المحترمة صاحبة الشكوى؟ أنصفه بالغباء أم بالرياء. وبِمَ نصف تجاوب القيادات التربوية مع الشكوى؟ أهو تفاهة وقلة مسؤولية أم عنصرية قميئة ضد تلميذ غير كويتي؟

كان أجدر بالمُدرِّسة الكريمة التي ضاقت ذرعاً بالسؤال أو خافت منه أن تشرح للسائل ورفاقه أن الدول التي تحصل فيها الثورات تختلف عن الكويت في معدلات الفساد والتنمية والدخل والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وأن ظروف الحرمان التي جعلت أهلها يثورون غير موجودة في كويت الرفاهية والحريات المعقولة والديمقراطية المقبولة. لكنها، وبالتضامن والتكافل مع المسؤولين عنها، برهنت عن جهل لا يليق بمربي الأجيال وفضحت توجهات وعقليات ليست أهلاً لتحمل المسؤوليات.

إنها لطخة سوداء في سجلنا التربوي وفي سجلنا الثقافي والديمقراطي أن نحرم تلميذاً غير كويتي من الدراسة في كل مدارسنا لمجرد طرحه سؤالاً مشروعاً يتبادر إلى أي ذهن متفتح. والأدهى أن لا تكون المشكلة في قرار سخيف ومتسرع بل في بنية فكرية غير ديمقراطية لا يميَّزُ سلوكها إلا بالدرجات عن سلوك القيادات الأمنية التي اقتلعت أظافر الطلاب في درعا لمجرد أنهم كتبوا على جدار المدرسة تلك الجملة الساحرة التي كان هتف بها التوانسة والمصريون "الشعب يريد إسقاط النظام".

الجريدة