لم يكن صعباً على رجل دستوره وصية الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: «فلتكونوا دائمًا حماة الضعفاء وأعداء الظالمين»، أن يحظى بشعبية وتأييد واسع من مختلف طوائف شعبه، ولم يكن غريباً أن يقود هذا الرجل شعبه للقيام بثورة فريدة واستثنائية، فالتاريخ الإسلامي لم يعرف ثورة غيرت موازين القوى في العالم قبل «الثورة الإسلامية» التي قادها آية الله الخميني لإسقاط نظام الشاه في إيران عام 1979.

وتفردت الثورة الإيرانية بكونها أول ثورة تكنولوجية في التاريخ استخدمت واحدة من أحدث وسائل العصر «شرائط الكاسيت» آنذاك، كما أنها تميزت باشتراك كل الإيرانيين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار فيها رغم أن قائدها رجل دين، ولم تكن مجرد ثورة على نظام سياسي فقط بل كانت حدثاً تاريخياً مهما غيرت خلاله إيران ثوبها بالكامل وارتدت عباءة الملالي.

Ad

وصف العلامة يوسف القرضاوي الداعية الإسلامي الشهير في إحدى مقالاته المشهد في إيران قبل الثورة الإسلامية قائلاً «كان الشاه قد بلغ من الطغيان والفساد مبلغا عظيما، فمن الناحية الداخلية باتت إيران مظهرا للانحلال والتفسخ، من الناحية الأخلاقية، وللتمايز والتفاوت المستنكر ما بين ثراء فاحش وفقر مدقع من الناحية الاقتصادية، رغم ما يملك البلد من ثروات كبيرة، وفي الجانب السياسي غدا الشاه الدكتاتور الأعظم، وأمست الحريات العامة في إجازة، وجهاز السافاك مطلق اليد، في انتهاك الحريات، واقتياد من شاء إلى السجون والمعتقلات بلا رقيب ولا حسيب. وباتت سيرة الشاه الشخصية وسيرة أسرته محلا للتندر والتعليق، وآية للبذخ والاستهتار، كما أن الشعب قد غلا مرجله، واشتد حنقه وسخطه على نظام الشاه، فقد بلغ السيل الزبى، ولم يكن يحتاج إلا إلى القائد الذي يلتف حوله، ويمضي تحت رايته بقوة وجسارة، وقد وجد ضالته في «الخميني» الذي استطاع بجدارة أن يجمع الشعب من ورائه، ويعبئه نفسيا وعاطفيا، لينطلق كالسيل العرم، لا يقف في سبيله شيء، ولو كان الجيش بكل أسلحته، والسافاك بكل جبروته».

وتطلب نظام الشاه في إيران نحو عقدين من الزمان نضالاً حتى يسقط، بسبب تمتعه بمساندة الولايات المتحدة، التي سلمها الشاه «مفتاح» إيران تتدخل فيه كما تريد، كما أن نظام الشاه كان يحكم قبضته على البلاد بأساليب عنيفة لتصفية معارضيه، منها الاغتيال والنفي والاعتقال.

سجل التاريخ أن نظام الشاه محمد رضا بهلوي الذي وصل إلى السلطة سنة 1941 خلفاً لوالده المعزول كان واحدا من أكثر الأنظمة الحاكمة فساداً في زمنه، ورغم قوته إلا أنه تعرض في عام 1953 لمحاولة انقلاب لم تكتمل قام بها رئيس وزرائه محمد مصدق، إذ قُضي عليها في عملية سرية للاستخبارات الأميركية عُرفت باسم عملية «آجاكس» أُطيح فيها بحكومة مصدق وتم اعتقاله لإعادة الشاه إلى عرشه بعد أن فر إلى الخارج لشهور.

وشهدت إيران طوال 38 عاماً على يد الشاه محمد بهلوي صنوفاً من الاستبداد والفساد السياسي والمالي، ففقراء البلد الغني بالنفط ظلوا لسنوات يعانون الفقر والقحط والجفاف بينما أموال البلاد يبذرها الشاه ويلقي بها يميناً ويساراً دون حساب لأي شيء.

وكانت سياسات الشاه تغضب شعبه واحدة تلو الأخرى فالرجل الذي تسانده أميركا وصل إلى درجة من الغرور التي جعلته لا يشعر بأن سياساته تستفز شعباً أتعبه الفقر وأذله الاستبداد، حتى أنه أقام في أكتوبر من عام 1971 احتفالات ضخمة بمناسبة مرور 2500 عام على إنشاء الإمبراطورية الفارسية، لمدة 3 سنوات، قدم فيها طناً من «الكافيار» لمئات الشخصيات الأجنبية والعربية، أنفقت فيها إيران نحو 40 مليون دولار، في أقل التقديرات بينما كان يعاني أبناء البلد فقراً قاتلاً.

حملت السنوات الأخيرة في حكم الشاه نذر الثورة... البلاد في حالة غضب وسخط والمعارضة تتحرك خطوات منظمة تحت قيادة الإمام «الخميني» المنفي إلى الخارج، وغرور «الشاه» أعمى عينه عما يجري، كان يظن أن جهاز الأمن الداخلي «السافاك» الذي أسسته له الولايات المتحدة الأميركية يمكن أن يثبت أركان حكمه أكثر من ذلك، فتسارعت سياساته الخاطئة التي أغضبت الشعب ضده وانتهت إلى الثورة عليه.

وبدأت الحالة الاقتصادية في البلاد في الانهيار شبه الكامل منذ أواخر العام 1974، مع ارتفاع معدل التضخم وازدياد الفجوة بين الأغنياء والفقراء وبين الريف والحضر، كما أن سياسة الشاه في استقطاب عشرات آلاف العمال الأجانب للعمل في البلاد أسهمت في ازدياد غضب الشعب، خاصة أصحاب النزعة القومية الإيرانية الذين كان لهم تواجد وتأثير في الشارع الإيراني آنذاك.

وفي عام 1975 أسس الشاه حزبه الجديد «رستاخيز» أي «النهضة»، وأجبر الإيرانيين على الالتحاق به ودفع رسومه، وانتهج هذا الحزب سياسة أدت إلى ظهور السوق السوداء وغضب التجار ورجال الأعمال وفرار الأموال والاستثمارات خارج البلاد.

استمر الشاه في سياساته «المستفزة» ففي عام 1976 ارتكب «جريمتين» في حق نفسه، أولهما عندما أغضب المسلمين المتدينين بتغيير نظام التقويم الإيراني من «السنة الهجرية» إلى السنة «الملكية» نسبة إلى اعتلاء «سايروس» العرش في بلاد فارس، فاستيقظ الإيرانيون من نومهم، ليفاجأوا بتغيير التقويم من سنة 1395 هجرية إلى سنة 2535 ملكية.

«الجريمة الثانية» كانت إعلان «الشاه» سياسة التقشف الاقتصادي بهدف كبح التضخم، وهو ما أغضب الفقراء لأن هذه السياسة طبقت عليهم دون غيرهم وارتفعت نسبة البطالة، كما شهدت البلاد موجة هجرة غير مسبوقة من الأقاليم إلى العاصمة.

في عام 1977 جاءت وفاة المفكر الكبير علي شريعتي الذي كان مرشحا لقيادة المعارضة لتعطي لواء المعارضة للإمام الخميني دون منافس فبدأ في تسريع الخطوات نحو الثورة، خاصة أن اتهام جهاز الشرطة الداخلية «السافاك» باغتيال شريعتي أثار غضب مؤيديه الذين اصطفوا خلف «الخميني».

إرهاصات الثورة

ترجع إرهاصات الثورة ضد الشاه إلى عام 1963 عندما تحركت المعارضة ضد البرنامج الإصلاحي الذي أعلنه تحت اسم «الثورة البيضاء» التي كانت تهدف في حقيقتها إلى إخضاع علماء الدين للدولة عن طريق سحب جزء كبير من الأراضي التابعة لهم من الوقف، وتهديد كبار الملاك الزراعيين بنزع ملكياتهم.

ورغم تشديد الشاه لقبضته على الساحة الإيرانية إلا أن البلاد لم تخل من حركة المعارضة، التي كانت دائماً ردود أفعال تمثلت في إضرابات ومظاهرات كان النظام يقمعها بشدة، فنشأ كثير من الحركات السرية سارت إلى جانب التحركات الفكرية التي قادها في الغالب رجال الدين وعلى رأسهم «الخميني»، وأسهم كل ذلك في تحريك الأمور نحو الثورة على الشاه.

صعّد الخميني من معارضته لـ«الشاه» وسياساته، ودعا الإيرانيين إلى التظاهر ضد الحاكم الذي وصفه بأنه «ضد الشريعة والدستور وباع البلاد للأميركيين»، في أثناء الاحتفالات بذكرى يوم عاشوراء، واستجاب الشعب فضربت المظاهرات أرجاء كثيرة من البلاد، لكن الشاه تصدى لها بقوة الأمن، مما أدى إلى قتل المئات، ثم ألقي القبض على الخميني.

انتشر خبر القبض على الخميني، واشتعلت المظاهرات تهتف بسقوط الشاه،  فتصدى «السافاك» للمتظاهرين وداست الدبابات على أجسادهم، وزحف المتظاهرون إلى مبنى الإذاعة واستولوا عليه، وخلال دقائق ولأول مرة يرتفع شعارهم بعد سنوات من القمع «الموت للشاه». كان المشهد شديد الدموية... المتظاهرون يتقدمون ورصاص قوات الشاه يحصدهم.

تم وضع الخميني تحت الإقامة الجبرية لمدة 8 شهور ثم أفرج عنه، واستمر في معارضته للشاه مستغلاً توطد العلاقة بين الشاه وإسرائيل وتقديم الأخير تنازلات دبلوماسية لأميركا فأعاد «الشاه» اعتقال الخميني في نوفمبر 1964، وأرسله إلى المنفي وظل فيه حتى سقوط دولة الشاه، ورغم أن النظام استطاع احتواء الأمر إلا أن هذه الحادثة بدأت نضالاً علنياً طويلاً ضد الشاه انتهى بإسقاطه.

ومرت البلاد عقب نفي الخميني بفترة من الغضب المكتوم استخدم فيها «السافاك» كل إمكاناته لقمع المعارضة وتصفية الغاضبين

كانت فتاوى الخميني ضد الشاه تمثل وقوداً للثورة، لا سيما الفتوى التي قال فيها «إن التقية حرام وإظهار الحقائق واجب مهما كانت النتيجة… إن السكوت هذه الأيام تأييد لبطانة الجبار ومساعدة لأعداء الإسلام»، وتحولت المساجد على يد الخميني ومن تبعه من رجال الدين إلى مراكز معارضة ضد نظام الشاه.

وحملت الطبقة المتوسطة في المدن لواء المعارضة، وكان أغلب أبنائها من العلمانيين، الذين يحلمون ببناء ملكية دستورية وليس جمهورية إسلامية، ومن أبرز هؤلاء مهدي باذركان من «حركة تحرير إيران»، وهي حركة ليبرالية إسلامية معتدلة.

لم يكن نفي الخميني عائقاً أمام استكمال مسيرة نضاله ضد الشاه فالرجل الذي بدأ رحلته في المنفي بتركيا ثم النجف الأشرف بالعراق استطاع وأنصاره أن يستفيدوا من التطور التكنولوجي، إذ كان صوت الخميني وأحاديثه وخطبه تصل إلى كل بيوت إيران عبر «شرائط الكاسيت» التى كان يهربها أنصاره إلى الداخل.

واتخذ رجال الدين معارضو الشاه من النجف الأشرف مركزاً لتجمعهم ولقائهم بالخميني، وكان لتجمع هؤلاء أثاره الإيجابية على تطور أسلوب معارضتهم للشاه، حيث اتفقوا على اتخاذ وسائل قوية وحقيقية للإطاحة بالشاه، ومن أهم هذه الوسائل «حرب العصابات»، وبدأت هذه الحرب «فدائيو خلق»، و»مجاهدو خلق» اللتان جمعتا بين الماركسية وأفكار على شريعتي.

كان وجود الخميني في العراق واتخاذ النجف مركزا لمعارضته ضد الشاه لا يحمله أعباء لأن العلاقات العراقية مع الشاه آنذاك كانت سيئة، حتى أن العراق طلب من الخمينى المساعدة ضد الشاه بالحصول منه على تأييد دينى وسياسي، إلا أن الإمام رفض.

وبعد أن تحسنت العلاقات مع توقيع اتفاقية الجزائر بين طهران وبغداد 1975 طلب الشاه وجهازه الأمني «السافاك» من العراق الضغط على الخميني لوقف معارضته للشاه، فطلب النظام العراقي من الخميني ذلك، فما كان من الرجل إلا أن يصمت حتى تهدأ الأوضاع، وبعد شهور استعاد نشاطه، فطلب السافاك من النظام العراقي أن يضغط عليه مرة أخرى فخيرته بغداد بين البقاء صامتًا أو الرحيل، ففضل الرجل الثانية وقرر أن يرحل.

قبيل ذلك بنحو شهرين تحديداً في أكتوبر من عام 1977 توفي مصطفي نجل الإمام الخميني في عملية اغتيال دبرها له السافاك، إذ إنه كان المساعد الأول لوالده، ويحمل رسائله إلى إيران.

حول أنصار الشاه «عزاء مصطفى» إلى مناسبة معارضة للشاه، فبعد أن رفضت السلطات العراقية السماح لآلاف الإيرانيين الدخول إلى النجف الأشراف لتقديم العزاء للإمام الخميني، قام هؤلاء بإقامة عشرات المآتم في طهران وبقية المدن الإيرانية، عندها وجه الخميني إلى مؤيديه رسالة بعنوان «لقد سكبنا ما فيه الكفاية من الدموع» طالبهم خلالها بمقاطعة المؤسسات الحكومية، وسحب كل أشكال التعاون معها وألا يسهموا في أي نشاط يفيدها، وإقامة مؤسسات إسلامية في جميع المجالات، وهو ما يمكن وصفه بأنه حرضهم على بدء عملية العصيان المدني لشل حركة النظام تمهيداً لإسقاطه، ونفذ الإيرانيون تعليمات الخميني وبدأوا في العصيان المدني، كما انتشرت التظاهرات المناوئة للشاه في كل أرجاء إيران.

الخميني في فرنسا... الصوت المعارض يرتفع

أجبرت السلطات العراقية الخميني على ترك بلادها، فبدأت رحلته إلى مدينة النور والحرية باريس في صيف 1977.. وهناك استقر في «نوفل لوشانو» الضاحية الصغيرة في غرب باريس واتخذها مقرا لقيادة حركة المعارضة الإيرانية ضد محمد رضا بهلوي.

ومثل وجود الخميني في باريس مرحلة جديدة أكثر تطوراً وتأثيراً في تحركات المعارضة الإيرانية لإسقاط الشاه، لعلها وضعت الخميني تحت ضوء وسائل الإعلام الغربية ليفضح ممارسات الشاه المستبدة والفاسدة أمام الرأى العام الغربي، ويعتقد أن تواصل الخميني مع وسائل الإعلام العالمية كان سبباً مهما في تكوين رأي عام عالمي ضده أجبر حكومات الدول الغربية التي كانت تساند الشاه على التخلي عنه وقت الثورة، وعدم دعمه مرة أخرى كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية في انقلاب محمد مصدق رئيس الوزراء على الشاه في عام 1953.

وكان الإمام الخميني يقضي معظم وقته أمام عدسات كاميرات التليفزيونات ووكالات الأنباء والصحف العالمية، إذ كان ينظر له الغرب على أنه مناضل وزعيم مصلح، ومتوقع أن يكون رئيس دولة لو نجحت المعارضة الإيرانية في الإطاحة بالشاه، وقد فتحت فرنسا أبوابها للخميني وأنصاره ومنحتهم هامشاً كبيراً من الحرية، ويُعتقد أن تكون فرنسا قد سمحت بمساحة كبيرة من الحرية بناء على تقرير من سفيرها في طهران قبل انتقال الخميني إلى فرنسا، وهو الذى قال فيه «إن المعارضة ضد الشاه قوية، وانه انتهى ويمكن لفرنسا أن تطوي صفحة علاقاتها معه»، في هذه الأثناء أعلنت المعارضة الإيرانية في الداخل على لسان مهدي بازركان، أحد قادة الجبهة الوطنية، أن أغلبية الإيرانيين قد اختارت الخميني قائدًا لها.

تصاعدت حدة المعارضة ضد الشاه مع ارتفاع حرارة صيف 1977، كما ارتفعت أسعار السلع والاحتياجات الأساسية للمواطنين، كما فرض نظام الشاه ارتفاعاً في الضرائب مما مثل ضغطاً كبيراً على الفقراء في ظل انتشار الفساد واستحواذ شلة صغيرة من الأغنياء على مدخرات البلاد، وكانت الأحداث منذ بداية العام تشير إلى اشتداد الصراع بين نظام الشاه والمعارضة، حيث بدأت المصادمات بين السافاك والمجاهدين تشتد إلى أن وصلت إلى ما يشبه حرب الشوارع، وفي أحد الأحداث تصدى السافاك لخلية مجاهدين كانت تضم نحو 19 رجلاً وسيدة، وحاول الرجال حماية النساء فشكلوا دائرة حولهن وتبادلوا إطلاق الرصاص مع رجال السافاك، إلا أن المجاهدات تعمدن الانتحار وسط الدائرة بقطع شرايين أيديهن، وهي الحادثة التي استفزت مشاعر العالم خاصة الغربي وأدانتها كثير من منظمات حقوق الإنسان.

وبجانب المعارضة في الشارع التي اتخذت في أحيان كثيرة صورا قتالية، انضم المثقفون بكل ثقلهم ليحركوا وعي الشارع ضد ممارسات الشاه، ولجأوا إلى تكوين منظمات مجتمع مدني وجمعيات حقوق إنسان أخذت على عاتقها الدفاع عن المواطنين الفقراء ، كما انتشرت الجمعيات الإسلامية لقيادة الاضرابات والمظاهرات، رغم أن السلطات الإيرانية كانت تواجه ذلك بالقمع والعنف.

ولم يقصر الإيرانيون معارضتهم للشاه على الداخل فكانت الجمعيات الإسلامية في أوروبا وأميركا تدخل اعتصاماً أو إضرابا ضد ممارسات الشاه فاستقبلت الجمعيات الإسلامية في أميركا زيارة الشاه إلى واشنطن في نوفمبر عام 1977 باحتجاجات واسعة، وقبل وصوله بخمسة أيام بدأ إضراب عن الطعام لفت أنظار وسائل الإعلام الأميركية، وتجمع الطلاب الإيرانيون في الولايات أمام البيت الأبيض، وحاولوا الاعتداء على الشاه مما اضطر السلطات الأميركية إلى إطلاق القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم، وكتبت وسائل الإعلام العالمية عن الحادثة مؤكدة أن الشاه لم يعد أهلاً للثقة.

كما دخل بعض من التجار الإيرانيين على خط الثورة ضد بهلوي، فقرر عدد كبير منهم فتح حساب بنكي لصرف رواتب معلمي المدارس المعارضين لنظام الشاه حيث رفضت الحكومة صرف رواتبهم فتراجعت الحكومة عن قرارها، وهو ما مثل تحولاً كبيراً في التحرك ضد الشاه، إذ أبرز على سطح الأحداث فئة أخرى تعارض النظام وهم التجار الشرفاء.

وواصل الخميني إرسال خطبه على «أشرطة الكاسيت» إلى مؤيديه من الشعب الإيراني، وكانت خطبه تحرك الشارع ضد الشاه، ففي فبراير 1978، خرجت التظاهرات من مساجد «تبريز»، ولم تتمكن قوات الأمن من التصدي لها، فلجأ الشاه إلى الجيش الذي استطاع السيطرة على الموقف وحاصر المدينة براً وبحراً، وظلت الأجواء الغاضبة تسيطر على طهران حتى قدوم شهر رمضان حيث زادت حدة التظاهرات المطالبة بإغلاق البنوك الربوية.

وفي يوم الجمعة 8 سبتمبر من العام نفسه خرجت تظاهرات كبيرة وقعت خلالها تصادمات بين الشرطة سقط على إثرها 4 آلاف قتيل، وسمي اليوم بـ»الجمعة الدامي»، ونزل الجيش إلى الشوارع ليفرض حظر تجوال وأعلن الأحكام العرفية، إلا أن متظاهري مدينة قم تحدوا الجيش وخرجت مظاهرات أكبر فسقط نحو ألفي قتيل آخرين وأعلن علماء البلاد الحداد على الضحايا وامتنعوا عن إلقاء الخطب، ورغم أن الأجواء كانت مشحونة بالمآسي والحزن إلا أن الشاه أقام أحد حفلاته الباذخة مما كان سبباً في تصاعد الغضب ضده.