عبد الرزاق العدساني شاعر وباحث وفنان عُرف خلال مسيرته الغنائية الطويلة ملحناً أصيلاً تميّزت أعماله الغنائية باختياراته النادرة المتميزة... من مميزاته أنه يتعب كثيراً في القصيدة ولا يقبل أن تخرج للآخرين إلا وفيها جديد... سواء كان ذلك في المفردات التي يختارها بدقة أو في أفكاره المميّزة.

كذلك، عُرف العدساني بلونه الفني الأصيل إذ غنى له الكثير من المطربين والمطربات في الكويت، وقدّم الأوبريت إضافة إلى نشاطاته المدرسية وأعماله الغنائية الدينية والوطنية والعاطفية التي تعتبر من أفضل الأعمال الغنائية الأصيلة المستمدة من التراث الكويتي العريق وقد أثرى بهذه الأعمال الرائعة مكتبة التلفزيون والإذاعة الكويتية.

Ad

اسمه الكامل عبد الرزاق محمد صالح العدساني، وُلد في الكويت في الحي القبلي بالصيهد أو فريج الجاخور كما يسميه البعض، متزوّج ولديه أربعة أولاد وبنت أكبرهم إبراهيم. أدخله والده المدرسة القبلية وهي مدرسة حكومية، وكان ناظرها آنذاك عبدالملك الصالح، ومن زملائه في الدراسة نذكر: يوسف الخرافي، عبدالرحمن الرفاعي، عبدالله الدخيل، فهد الموسى، عثمان عبدالملك، عبداللطيف الحمد... وبعد القبلية انتقل إلى المباركية الثانوية التي تركها بعد السنة الأولى من المرحلة الثانوية بسبب مشاجرة مع أحد الطلبة.

عمل العدساني في وزارة الأشغال العامة بوظيفة كاتب دوام، ومن الموظفين الذين كانوا يعملون معه في تلك الفترة: حمود الفلاح، عنبر وعبدالعزيز الشهاب، عبدالوهاب القطان... وقد أعطاه عمله هذا فرصة للاطلاع والقراءة والتفرّغ لدراسة النحو وحفظ الشعر، وبعد ثلاث سنوات انتقل للعمل في وزارة التربية (قسم المخازن) وكان مديره آنذاك سيد عبدالوهاب الرفاعي، بعدها انتقل للعمل في إدارة المكتبات العامة وكان مديرها المرحوم محمد صالح التركيت الذي خلفه يوسف ملا حسين، وبعد وفاة الأخير أصبح مدير المكتبات صالح محمد صالح. استفاد العدساني كثيراً من عمله في المكتبات ما أثرى معلوماته وزاد اهتمامه بالاطلاع خصوصاً في مجال الشعر. ثم انتقل للعمل في الخدمات العامة وفي وزارة التربية التي بقي فيها مدة ست سنوات وكان عمله الإشراف على العمال والفراشين، وفي العام 1981 تقاعد منها.

كتابة الشعر

في سن الخامسة عشرة، بدأ العدساني في كتابة الشعر (الشعبي) وحفظ القصائد الشعرية والبحث عن الجيّد، وقد دفعته هذه الرغبة الى حفظ أبيات شعرية كثيرة... أول قصيدة كتبها بالشعر العامي كانت غزلية، وفي ما بعد بدأ يكتب الشعر الفصيح ولكن لنفسه وليس للنشر أو للآخرين. بعدها بدأ بدراسة العروض وبحور الشعر ولشدّة رغبته في هذا المجال اشترى معظم الكتب التي تتمحور حوله فوجد أن جميعها يدور في فلك واحد، وبعد قراءة علم العروض وتتبّعه وجد أن فيه أموراً ناقصة ونتيجة بحث طويل توصّل الى دائرة تسمّى «دائرة المختلف» التي ضمّ إليها البحور جميعها، أي 16 بحراً تدور في فلك واحد وقد أصدرها في كتاب أهدى منه نسخة خاصة لمكتبة الكونغرس الأميركي وُضعت مع الكتب المهمة.

كذلك، صدر له في عام 1989 «ديوان العدساني»، وبما أن القصيدة ذات الوزن والقافية سيطرت عليه فأعطاها اهتمامه كان هذا الديوان الذي اشتمل على مجموعة كبيرة من القصائد التي جاءت صادقة ومن القلب وفيها حب كبير للكويت وأهلها الذين بادلوها هذا الحب بالفعل والعمل... ذلك الحب الذي تجلّى في هذا الشعر وخصوصاً لمن ركب البحر وعرف أهواله، يقول العدساني:

خـاضـوا البحـار بــأعــلام لـها رفعــت    وبالسفـــن لهــــم فـي ظلهـــا غـــــرف

فـي بـرهــا فـرشــوا للحـب متكــــــــــــــــأ

وللبحــار جميــل اللحـن قـد غرفــوا

لم يكتفِ العدساني بهذه النوعية من القصائد بل كانت له صولاته الشعرية المميزة في أغراض عدة، فكتب قصائد الرثاء والعتب والهجاء والفخر والمدح والغزل، ولم يشغله حبّه للكويت عن واجبه كعربي تجاه أمته وعروبته ووطنه الكبير.

في عام 2001، صدرت له «ملحمة الأسير» وهي ملحمة شعرية عن الأسر والمعاناة والفراق وأمل العودة وقد توزّعت على 71 فقرة يتكوّن بعضها من أربعة أبيات وبعضها الآخر من ثلاثة أبيات. غلّف العدساني ملحمته هذه بعاطفة صادقة عميقة معبّرة عن حبّه لأبناء وطنه وخصوصاً الأسرى منهم، وسخّر إبداعه الشعري للتعبير عن معاناتهم التي لا توصف. وفي عام 2002، صدر له كتاب بعنوان «تاج اللغة» أتى استكمالاً لنظرياته في علم العروض.

بداياته الفنيّة

ترتقي علاقة العدساني بالفن الى الطفولة حيث كان يحضر حفلات السامري والعرضات ويحفظ كلمات الأغنيات الشعبية وألحانها، فاشترى في العام 1953 عوداً بمئتي روبية من فرج الهندي الذي سأله بعد ساعة: «هل تبيع العود» وكان يريد أن يشتريه الفنان الراحل عوض دوخي فرفض العدساني بيعه.

كان العدساني يتردّد على المرحوم عبدالله البحير الذي كان يتواجد لديه العميري وبعض المطربين، من بينهم: عيسى أبو رقبة وعبد العزيز أبو رقبة ونجم بوغيث وحمد النياده وسلطان المنديل. تعلّم العدساني العزف على العود عند محمد صالح وأول مدرّس له كان الأستاذ يوسف جلول وذلك في عام 1955... وبحكم طبيعة عمله آنذاك رئيساً لقسم صيانة الآلات الموسيقية التابع لتفتيش الموسيقى بوزارة التربية، استفاد كثيراً من الأساتذة العاملين في هذا القطاع من أمثال الدكتور محمد شرف الدين والأستاذ محمد عفيفي ونخبة من الموسيقيين الأساتذة فكان دائم السؤال من دون تردد عن كل ما يتعلّق بالموسيقى. كذلك، كان يستشير بعض الملحنين الكبار أمثال الدكتور يوسف دوخي وأحمد باقر وآخرين، وكانت تربطه بغالبية الفنانين في الكويت صداقة وطيدة فكان هؤلاء بالنسبة إليه، خصوصاً في بداياته الفنية، مدرسة استفاد منها الكثير في تعلّم العزف على العود وكتابة النوتة فأجادهما واستمرّ في العطاء الفني الأصيل.

التلحيــن...

قبل أن يعرفه الجمهور وقبل أن يلحّن الأغنيات لمطربين ومطربات،  لحّن أغنيات لطلبة المدارس وذلك خلال عمله في قسم صيانة الآلات الموسيقية بوزارة التربية حيث كانت تتوافر نصوص مؤلّفة خصيصاً لطلاب المدارس وكان على رأس الجهاز الدكتور محمد شرف الدين، مفتّش التربية الموسيقية في الوزارة، الذي وجد أنه يجب إدخال الفنون الشعبية الكويتية في مناهج الموسيقى فطلب من العدساني تلحين عدد من النصوص، فأنجز فعلاً حوالى ستة نصوص بألحان شعبية جميلة لاقت استحساناً طيباً من الأساتذة وكان ذلك في عام 1965.

أغنية عاود علينا...

أوّل لحنين غنائيين قدّمهما العدساني في بداية مشواره غناهما المرحوم عبداللطيف الكويتي وقد تم تسجيلهما في تلفزيون الكويت وأذيعا لكن من دون ذكر إسم الملحّن وكان ذلك باتفاق بين العدساني والكويتي والفنان أحمد الزنجباري... اللحن الأول سامري بعنوان «ناح الحمام وهيج المفجوع بغناه» كلمات عبدالله الفرج، والثاني بعنوان «راحا ليالي الطرب» كلمات فهد بورسلي.

أما الأغنية التي انطلق العدساني من خلالها كملحّن وعرفه الجمهور والنقاد والمهتمّين بالفن، فهي «من شاف العريس» التي غناها الفنان عبدالمحسن المهنا وكانت عبارة عن بيتين من التراث واللحن قديم وقام العدساني ببناء جديد عليها وتقديمها بشكل حديث. غنى له المهنا أيضاً أغنية «عاود علينا يا خلي» من كلمات الشاعر الغنائي سلطان عبدالله السلطان، يقول مطلعها:

عــاود علينــا يـا خلــي لا تـــطــوَّل        حـنَّــا عشـقـنـا هــواك ودروبــــــــــــك

كــانــك تـبيــنــا خــل نـتـــلاقـــــــــــــى

خـلـك يـا خـلــي دايـم مثـل الأول        بيـن الحبـايــب اسـتـوفى محبـوبــك

تسـمـع مـعانـي الحـب وأشـواقــه        كـــأنــــــك تبيــنــــــا خــــل نـتـــلاقــــــــــى

عرفنا العدساني في بدايات حياته الفنية في منتصف الستينيات ملحناً مبدعاً أصيلاً تميّزت أعماله الغنائية باختياراته الجيّدة للنغمة والكلمة، وعرفناه خلال السنوات الأخيرة شاعراً متمكناً وباحثاً جيداً أثرى المكتبة الكويتية بعدد من الإصدارات النادرة. ففي مجال التلحين، قدّم الكثير من الأغنيات والأوبريتات، من بينها: «بين الماضي والحاضر» كلمات عبدالمحسن الرفاعي وإخراج الفنان الراحل صقر الرشود، «أيام الربيع» غناء عبدالكريم عبدالقادر، «ريم البوادي» غناء عوض دوخي، «ياليل طول» غناء المطرب عباس البدري، «عطني فرصة»، «يا عين»، «توك عرفت الندم»، «يا مل قلبي» من كلمات الشاعر عبدالمحسن الرفاعي، «الأحبة» من كلمات قيس بن ذريح. كذلك، غنى المطرب الكبير عبدالكريم عبدالقادر من ألحان العدساني أكثر من لحن، من بينها: «يا صويحبي»، «ياهل الركايب» من كلمات الشاعر يوسف ناصر وقد حققت نجاحاًً جماهيرياً لفترة طويلة، يقول مطلعها :

يـاهــل الركـايــــب قربــــو لـــي المسـافــات

باللــه عجلــوا واســرعــوا بالمـسيــــــــري

هــوى الحبـيــب خلـف بالقلـب حسـرات

وأعـانـي حبــه طـول ليلـــي سهـيـــــــــــري

من المطربين الذين غنوا من ألحان العدساني أيضاً الفنان مبارك المعتوق... من هذه الأغنيات نذكر: «هلا يا نور العين» من كلمات عبدالمحسن الرفاعي، يقول مطلعها:

اهـلا.. هــلا يــا نـــور العـيــــــــــــــن

وبســــاعــــة فـيهــــا تــــلاقـيــنــــــــــــا

مـا قـلــت لـي وينــك أو ويـنــــــــــي

وأصبـح هـوانـا بيـن أيــديــنـــــــــــــا

و{طريج العشاق» كلمات محمد التنيب، يقول فيها:

لا ويــن مـاشـي ابهــوى العشـاق ومضيــع طريجــــــي

دشيــت درب الهـــوى محتــــار وضـيعـــــت الدليلــــــــــه

شـالـتنــي الأقـــــدار ودتنــي فــريــج مـو فريجـــــــــــــــي

خـلـتنـي أصيـــح وأقـــول الآه فــي يــومــي ولــيلــــــــــــــه

التعاون مع الفنانين...

قدّم العدساني للفنان صالح الحريبي لحن طنبورة بعنوان «يا الله»، ولحّن للفنان حسين جاسم أغنيتين ساهمتا في شهرته، الأولى بعنوان «صبرك علينا» والثانية فن نجدي بعنوان «أمسي أنادي»... ومن الفنانين الخليجيين الذين غنوا من ألحان العدساني، المطرب البحريني الكبير أحمد الجميري من خلال أغنية «يا من على فرقا الحبايب» من كلمات الشاعر الراحل محمد التنيب، يقول مطلعها:

يــامــن عــلـى فـرقــا الحبـايــب تسهـر الليلــــــــة

تسهــــر تــراعــي نجــوم  الليــــل مـن غيبــة قمــرهـــا

أنــوح نـــوح الحمـام تـزايـــد نـوحهـا حـيـــــــــــــــل

تـبـكـــي وتـنــدب ليــالـــي طـيـفــهــا جــوهـا وسـهــرهــا

الأغنية الوطنيّة...

خصّ العدساني الأغنية الوطنية بجهد متميز، إذ قدّم مجموعة من اللوحات الوطنية للأطفال والأوبريتات وغنى له في هذا المجال أكثر من فنان، من بينهم: مبارك المعتوق في أغنية «سرى لي المجد»، عباس البدري في أغنية «الأمير»، عبداللطيف المنصور في أغنية «في طريق الحق» من كلمات الشاعر سلطان عبدالله السلطان والتي يقول مطلعها:

فـي طـــريــق الحــق سـيــري يــا بـلادي    وارفعــــي الــــراس ونـــادي للجهـــــــاد

إنـنـــا شـعــــب عـقـدنــــا الــعـــــــزم إن لا نـرتـضـــــى الـــذل ولا درب الـعــنــــــاد

كتابة القصيدة...

كذلك، نشر العدساني وكتب الكثير من القصائد الوطنية التي تمحورت حول الأمير وولي العهد والوطن ومناسبات كثيرة عاشتها الكويت، نذكر من تلك الأعمال أغنية «قسماً بحيفا» (عام 1973) من تأليف الشاعر الكبير عبدالمحسن الرفاعي وغناء المطرب والملحّن أحمد عبدالكريم، يقول مطلعها:

قسـمـــاً بحـيـــفــــــا والـجـلـيــــــــــــل        قـســمــــاً بــيــــافـــــا والخـلـيـــــــــل

قـسمــــاً بـــكــــــــل مــجـــــــاهــــــــــــد        حـــــر يـــــهـــد الــمـسـتـحـيـــــــــــــــل

عوض ويوسف الدوخي

كانت علاقة العدساني بالأخوين الفنان عوض والدكتور يوسف دوخي وثيقة للغاية، إذ غنى عوض دوخي من ألحانه مجموعة من الأعمال الغنائية الجميلة وكان يستشير دائماً د. يوسف دوخي في أعماله الشعرية واللحنية وغيرها. وقد جمعته بهما جلسات وانسجام وإعجاب متبادل، واستمرت هذه العلاقة حتى وفاتهما. ومما قاله العدساني عنهما:

«الفنان يوسف دوخي وأخوه عوض دوخي يعتبران عاملاً أساسياً في تطوير الصوت العربي، وتقديمه بإبداع، وقد كانا أول من أدخل الكورس النسائي في الصوت العربي وذلك في ثاني صوت لهما وهو «قل للمليحة في الخمار الأحمر» ولهذين الشقيقين دور كبير في تطوير الصوت... ومن الأصوات المعروفة لهما «يا من هواه»».

من أقواله

- الأغاني التي تسجّل اليوم وحتى التي تذاع لا تمت الى ماضي الكويت في شيء.

- لا أعتقد أن ثمة أغنية قديمة وأخرى حديثة، لأن الأغنية الكويتية مرتبطة بواقع الإنسان الكويتي، ومرحلته، وجديدة اليومي، وعاداته، وتقاليده، من هنا يمكن أن نقول بأنها في تطوّر مستمر، لكن هذا التطور لا يكون أكثر من هوامش تكون عالقة على الجوهر الذي يحسّه المستمع دائماً سواء كان في الكويت أم خارجها، ولا شك في أن هذه الهوامش التي ذكرتها ضرورية لإلباس الماضي حلّة مسايرة جديدة لأناس المرحلة.

- في هذه المرحلة الصعبة التي نعيش برز بعض الملحنين الذين يجهلون معنى الأغنية الكويتية وجذورها وتفهمها على أنها أثر تراثي لا بد من الحفاظ عليه لإبقاء الأغنية على لونها المميّز.

- يمكن اعتبار ابتعاد أغاني اليوم عن اللون الكويتي دليلاً أكيداً على عدم فهم الملحن أو المطرب للأغنية الكويتية.

- إذا استمرّ هذا الوضع على ما هو عليه ففي المستقبل سيصعب عثورنا على لون كويتي مميّز وسط هذه الألحان.

- الفن ليس مرتبطاً بشخص ما وإنما هذا الشخص أو ذاك يجب أن يرتبط هو بفنه ويحاول تطويره أن أراد.

- إعادة احتضان الأصوات الحقيقية المتمتّعة بطبقة صوتية جيدة والتصاق قوي بالتراث... أقول احتضانهم لأن الكثيرين منهم صمتوا أو توفاهم الله.

- يمكن أن نسمع في هذه الأيام مجموعة إيقاعات في أغنية واحدة بينما لو عدنا إلى الأغنية الكويتية لوجدنا أن ثمة إيقاعاً لكل أغنية.

- الأغنية الكويتية الحديثة في أول انطلاقتها في الستينيات كانت قوية تماماً، ثم انحرفت بعض الشيء وأستطيع القول إن معظم الألحان التي تسجّل الآن لا تنتمي إلى فنوننا الكويتية الأصيلة عدا أنها من ملحّن ومؤلّف ومطرب كويتي.

- لا توجد أغنية كويتية... قد يكون المغني كويتياً وكذلك الملحن ولكن ما نسمعه ليس غناءً كويتياً ذلك الذي يمتاز بشكل وإيقاع معيّنين.