الأمة مطالبة بالعودة إلى هويتها والمسلم لا يكتمل إسلامه إلا بمقاومة الفساد

د. صلاح سلطان أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة، أحد الدعاة المصريين الذين انطلقوا صوب الغرب وعاشوا فيه فترات طويلة وخصوصا في الولايات المتحدة الأميركية، وحملوا على عاتقهم مسؤولية حماية الإسلام هناك والدفاع عنه، وأكرمه الله بأن جعله مؤسس الجامعة الإسلامية في أميركا ورئيسها الأسبق، وهو أيضاً عضو المجالس الفقهية في أوروبا وأميركا والهند، ورئيس المركز الأميركي للدراسات الإسلامية، وله العديد من الآراء التي يجب الالتفات إليها والتي حاولت «الجريدة» مناقشته فيها في سياق الحوار التالي.

Ad

• العالم الإسلامي يواجه حرباً فكرية قد تكون أشد شراسة من الحرب فكيف تنظر إلى ذلك؟

هذا صحيح فالأمة خلال هذه المرحلة الخطيرة من تاريخها تواجه حرباً شرسة، وان القصف الإعلامي والفكري أخطر من العسكري لأن القصف العسكري يولد مقاومة ويولد شهداء وجرحاً أما القصف الفكري فيولد أجيالاً مشوشة الهوية والثقافة، فيجب أن يكون هناك جهاد بعيداً عن ميادين الحروب وذلك لتحقيق مواجهة فكرية لهذا التيار الفكري الذي يتدخل في كل شيء حتى التعليم هذا أمر ضروري التصدي له، وتكون هذه المواجهة من خلال إعادة بناء العلماء المسلمين القادرين على هذه المواجهات الفكرية داخلياً وخارجياً، خاصة أنه يوجد بين ظهرانينا في العالم العربي والإسلامي عملاء ومروجون للمشروع الغربي العلماني المتحلل من كل القيم فهذا هو الخطر الذي يجب أن نعلن عليه الجهاد ولا يجوز أبداً أن نتهاون في ذلك.

• أنت من المهتمين بالحديث المستمر عن البيت المسلم وتحقيق السعادة به، فهل هناك خطوات أو ملامح لتحقيق صورة البيت المسلم بالشكل المطلوب؟

هذه القضية قمت بتدريسها من ناحيتها الشرعية والفقهية بالجامعات لأكثر من 15 مرة متتالية، وأرى أن من يرغب في الوصول إلى البيت المسلم السعيد لابد أن يتبع عدة خطوات في مقدمتها القراءة الواعية لفقه الأسرة والزواج، والاجتهاد في تطبيق ذلك على الحياة العملية حتى يصبح هذا الدور فعالاً، وعلاج المشكلات الأسرية في بيوتنا يكمن في خطوات ثلاث هي: استشعار الألم الناتج عن المشكلات، والأمل في العلاج والتغير إلى الأفضل، وضرورة وضع برنامج علاجي للمشكلة، لأن الأسرة هي النواة الأساسية لبناء المجتمع، وهذا هو الأمر الذي كنا نضعه نصب أعيننا دائماً خاصة ونحن نعيش في الغرب لحماية الأسرة المسلمة هناك، فعلى سبيل المثال عندما كنت في الولايات المتحدة الأميركية والتي مكثت فيها سنوات طويلة متنقلاً بين مناصب ومهام إسلامية مختلفة، قمت بإعداد بحث بعنوان «الحياة الزوجية في الغرب... مشكلات واقعية وحلول عملية» حيث قمنا بدراسة مفهوم الأسرة للحياة الزوجية في أميركا، والتي تغيرت من مفهوم زوج وزوجة إلى اثنين يعيشان سوياً، ولذلك آثرنا أن ندرس حجم تأثير هذه الأسرة الأميركية على العالم كله، وليس على المجتمع الأميركي فقط اعتقاداً منا بخطورة هذه الثقافة على هويتنا الإسلامية، فالمشروع الأميركي استعماري في جوهره، ولا يقتصر هذا الاستعمار على الناحية العسكرية فقط، فهناك استعمار ثقافي وأخلاقي ولذلك كنا حريصين على دراسة تأثير الوضع الأميركي على العالم كله، خاصة في ضوء ما توصلنا إليه من نتائج مخيفة فعلى سبيل المثال هناك 33 في المئة من أطفال أميركا خارج دائرة الزواج، ودرسنا هل هم جادون في تصدير هذا المشروع للعالم كله أم لا؟ ومدى تأثير هذا على الأسرة المسلمة في الغرب، وأجرينا استبانة وزعناها على ثلاثة آلاف، وقمنا بتحليل النتائج، وتوصلنا إلى أن انخفاض التدين يعني انهيار تحقيق أهداف الزواج، والمتدين المتميز يصل الى أعلى مستوى من الارتياح والتناغم وحسن تربية الأولاد، ومن همش التدين اندمج في النظام الأميركي، وكانت النتيجة أن يكون لديه أبناء لا دينيين.

• ساهمت في تقييم وتطوير بعض المناهج الدراسية فما هو تقييمك للمناهج الدراسية في عالمنا العربي والإسلامي؟

- المناهج الدراسية في عالمنا العربي والإسلامي مقصورة على جانب واحد من جوانب التفكير حتى من وجهة النظر الإسلامية فهي تركز على الجانب المعرفي فقط وتهمل الجانبين المهاري والوجداني، وهذا لا يلبى متطلبات العملية التعليمية وينتج عنه ظلم للطلاب الذين يملكون ملكات فكرية لا تقيسها الأنشطة المدرسية التي تقتصر على التذكر فقط كل هذا يؤدي إلى عدم إنجاب علماء ومفكرين مثل محمد عبده والقرضاوي والغزالي وطه حسين، فالتعليم في عالمنا العربي يمكن أن نصفه بأنه لا يشجع المتفوق ولا يفهم المتوسط ولا يستحث المتعثر على التعلم، والحل في وضع برنامج للموهوبين لرعايتهم وتنمية مواهبهم كما يوجد في العالم المتقدم، وتطوير المناهج الدراسية لتشمل الجوانب الثلاثة الوجدانية والمعرفية والمهارية.

• أنت من الرافضين لحجية الإجماع في المسائل الفقهية فكيف بنيت رأيك هذا الذي قد يكون مخالفاً لكثير من آراء العلماء؟

بالفعل أنا أرى أن الإجماع ليس حجة ولا دليلا من أدلة التشريع، بل إن الإجماع فكرة تجريدية نظرية لا علاقة لها بالواقع الفقهي، وقد قرأت عن الإجماع فترة طويلة ظللت أتنقل فيها بين كتب الأصول، وتبين لي أن نظرية الإجماع كلها تحتاج إلى إعادة صياغة على مستوى الفكرة والشروط وغير ذلك، وأن جميع ما كتب حولها لا يعدو أن يكون نظرية تجريدية لا علاقة لها بالواقع العملي الذي قدمه الصحابة رضوان الله عليهم، خاصة أن الإجماع حسب تعريف الأصوليين: «اتفاق المجتهدين من أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) في عصر من العصور بعد وفاته على حكم شرعي»، معنى ذلك أنه لابد من حدوث اتفاق بين جميع المجتهدين، وإذا لم يحدث اتفاق بأن خالف ولو واحد منهم فلا يتحقق الإجماع، كما أن الأمر مقصور على المجتهدين فلا دخل لغيرهم، ولذلك فإن الأفضل من حجية الإجماع هو اتباع نصوص القرآن والسنة خاصة أن حجية الإجماع التي تعارف عليها المسلمون منذ عهد الإمام الشافعي نفسه مبتكر علم أصول الفقه اختلف فيها الأصوليون أنفسهم.

• ما الحلول من وجهة نظرك لخروج الأمة الإسلامية من أزمتها الحالية؟

- أمة الإسلام مطالبة اليوم بالعودة إلى هويتها الإسلامية والحضارية، فالمسلم لا يكتمل إسلامه إلا إذا كان مقاوما للفساد والطغيان، نافعا لمجتمعه، ويجب أن يعود دور المسجد الأساسي وهو قيادة الأمة نحو كل معروف وفي كل مجال، فرسالة المسجد، تقوم على المزج بين العبادة والعمل، ويجب العمل على بناء أجيال مسلمة قادرة على تحمل مسؤولياتها الحقيقية في ظل التحديات الحضارية الحالية، وعلى المسلمين أن ينتبهوا إلى خطورة الهجمة الفكرية الشرسة التي تُحاك لهم حيث يقوم الغرب بدعم مؤسسات تحت مسمى دعم المؤسسات غير الحكومية بهدف التدخل في مجالات تغيير ثقافة المجتمع نفسه وتدعو إلى العلمانية ومعاداة القيم الإسلامية، ونحن نريد من النخب المثقفة وقادة الأحزاب والتيارات الإصلاحية أن يتحول تفكيرهم إلى التفكير في مصالح الأمة، وأن يفكروا بعقل الأمة التي ما زالت تبحث لها عن قائد حقيقي، وعن نهضة حقيقية، بعد أن ساد فيها نموذج العاجز الكسلان.