يتشابه مسمى الحزب الحاكم في تركيا مع الأهداف التي نادت بها الثورة المصرية منذ اندلاعها في الخامس والعشرين من يناير "عيش حرية عدالة اجتماعية"، وقد يفسر ذلك الاستقبال الأسطوري الذي حظي به أردوغان عند زيارته لمصر، فهو ظاهرة تستحق التحليل لأنه نموذج فريد نجح بامتياز في التوفيق بين الإخلاص لمرجعيته الإسلامية والعمل على بناء دولة مدنية علمانية حديثة، فنجح على الصعيد التركي في رسم صورة الفارس النبيل بعد أن استطاع الوصول بتركيا إلى مرحلة من استعادة أمجادها لم يكن ليستطيع الوصول إليها غيره بسهولة.وعلينا أن نحسن الظن بزيارة أردوغان الأخيرة لمصر، وفي هذا التوقيت بالتحديد وتبوئه لمنبر أوباما قبل عامين في توجيه كلمة للشعوب العربية النازحة نحو الديمقراطية، وأنا هنا أتساءل: هل كان لأردوغان أن يلقي خطابه بهذه الصورة قبل عام؟ وأيضا هل كانت كلمة أوباما التي ألقاها من جامعة القاهرة ستحمل نفس المعاني لو كانت في الوقت الراهن؟ لقد استقبلت مصر أردوغان ومن قبله أوباما وأصغت لخطابين تاريخيين حاول كل منهما دغدغة مشاعر الشارع المصري والإسلامي من خلال عبارات تداعب العاطفة العربية، فاستهل أحدهما خطابة بعبارة "السلام عليكم" وطعّم الآخر كلماته بعبارات مصرية خالصة.ومهما اختلفت المعايير والمحتوى للخطابين، فكلاهما يوحي بأن مصر هي مفتاح الشرق الأوسط وأنها الحليف الأقوى في المنطقةإذا كان أردوغان قد نجح في النهوض بتركيا فلا يعني ذلك أنه المخلص المنتظر، كما يدعو البعض لذلك، بل ينادي آخرون بعودة التبعية المصرية للخلافة العثمانية من جديد.سبقت الثورة التركية ثورة مصر الأولى على الملكية بثلاثين عاما؛ واكبتها حركات تصحيح هادئة استمرت قرابة تسعين عاما من خلال عدة مراحل متتالية بنيت كل منها على الاستفادة الحقيقية من سابقتها، في حين أن الثورة المصرية سرعان ما أنجبت ثورة مضادة بعد أن قام الرئيس الراحل أنور السادات مباشرة بثورة التصحيح عام 71، وما تبعها بعد ذلك من انقلاب شامل في السياسة العامة لمصر، وكذلك الحال في ثورة يناير التي يحاول فلول النظام أيضا إجهاضها بشتى الطرق تحت مسمى الثورة المضادة.الثورة التركية استمرت على نفس النهج حتى عصرنا الحالي فنجحت في البناء الذي بدأته على أسس قوية لإيمانها باستمرار الدولة وزوال الأشخاص في حين أن ثورة مصر صنعت أبطالا على أكتاف الدولة، ومحت آخرين، فلم نعد نعرف عنهم شيئا سوى بالمصادفة.التجربة التركية جديرة بالاحترام، وليس عيبا أن نستلهم خطواتها، ولكن أيضا لابد لنا أن ندرك أن من قام بالثورة التركية وحافظ على مبادئها وحصد نتائجها هم الأتراك وحدهم، وكذلك لابد أن ندرك أيضا أن نتاج ثورتنا لن يحصده سوى المصريين وحدهم، فهم من صنعوها بأيديهم، ولن يكملها غيرهم، فأهلا بكل حليف يعزز مكانة مصر الرائدة في المنطقة.
مقالات
الطريق إلى العدالة والتنمية
24-09-2011