تميّزت ألحان المطرب إبراهيم الصولة الغنائية بفن السامري الذي أبدع فيه، ومن ثم اتجه مع ملحّنين إلى تطويره، إلا أن عطاءاته اختلفت عن غيره من حيث الأصالة، وأحد أهم إنجازات هذا الفنان تلحين النشيد الوطني بالإضافة إلى تاريخه الغنائي الحافل بأعمال ناجحة.في بداية النهضة الفنية الكويتية، أدى الصولة مع رفاقه دوراً في تطوير الفنون الشعبية الغنائية، وأثرت أعماله الغنائية المكتبة الكويتية. اسمه الكامل إبراهيم ناصر إبراهيم الصولة من مواليد الكويت 1935، نشأ وترعرع في حي المرقاب ودرس عند الملا مرشد، رحمة الله عليه، في المرقاب، وأكمل عنده المرحلة المتوسطة تقريباً...لم تكن الأحوال والظروف في تلك الفترة تسمح له بإكمال الدراسة، فتركها وكان في الثانية عشرة من عمره تقريباً، ولما كان والده يعمل في مجال الغوص كان في الصيف يخرج لمهنته وفي الشتاء يكون في الكويت، وكان إبراهيم الصولة يحلّ محل والده في غيابه ويتولى أمور أسرته على رغم صغر سنّه.احتضن إبراهيم الصولة مشاق الحياة والمسؤولية منذ نعومة أظفاره، ولم يعش طفولته، على غرار الأطفال في معظمهم، إلا أنه اكتسب من العمل مع والده خبرة في الحياة، وتعرّف إلى الناس وشقّ طريقه واعتمد على نفسه، ساعده على ذلك طيبة الناس آنذاك وبساطتهم وحبّهم لبعضهم البعض وترابطهم، واحترام الصغير للكبير. بحلول عام 1947، كان الغوص يلفظ أنفاسه الأخيرة.طفولتهكان حي المرقاب، الذي عاش فيه إبراهيم الصولة طفولته، ملتقى فنياً وشعبياً لكبار الفرق الشعبية الكويتية، وكانت كثيرة وتمثّل الأساس القوي لتقديم الأغنية الكويتية الشعبية الأصيلة...كانت هذه الفرق الشعبية تقدِّم الفنون الصحراوية والسامري والعرضة، وكان لاحتكاك الصولة بها أثر كبير في عشقه للفن الغنائي، وقد استفاد منها إذ مكّنته من معرفة الألوان الغنائية المتعدّدة التي انطبعت انطباعاً كاملاً في ذهنه.في السابعة عشرة من عمره (1952)، عمل الصولة في الأعمال الحرّة مثل تجارة بقالة الخضرة... زوّجه والده ولم يكن يملك من أمره شيئاً، وكانت كلمة الأب كحدّ السيف ولا يجرؤ أحد على ردّها، فقد كانت له هيبة واحترام وتقدير وحبّ أيضاً وكلمته مسموعة وعلى الأبناء الطاعة.في عام 1956، كانت ثمة أنشطة في الكويت مثل النادي العمالي والمسرح الشعبي، الذي كان يستقبل الشباب وكل من كانت له هواية يحب أن يمارسها، وكان الشاب ابراهيم الصولة يرتاد النادي العمالي ويقابل أصدقاءه فيه، وكان هذا النادي يقع تحت مسؤولية وزارة الشؤون مثل أندية الشباب الموجودة اليوم.بما أنه يهوى الموسيقى منذ الطفولة، درس الصولي في النادي الموسيقي على يد محمد راشد الأحمدي الذي علّمه العزف على الكمنجة، أما الفنان الذي وقف معه أكثر ودرّبه ونقله من النادي العلمي إلى المسرح الشعبي فهو محمد النشمي، وكان مدير الفرقة آنذاك وتربطه بابراهيم الصولة علاقة عائلية وسانده في التمثيل، كذلك كان له دور كبير في تعلّم الصولة العزف على آلتَي العود والكمنجة.عندما قصد الصولة الفنان محمد النشمي وأبلغه رغبته في التمثيل، بادره النشمي: «ما عندي مانع طالما عندك استعداد وموهبة». وصادف في تلك الفترة أنه كان يحضّر مسرحية «مدير فاشل»، وكان الفنانون يجرون بروفات، فطلب منهم النشمي أن يختاروا له دوراً مناسباً.ومن الطبيعي أن يكون حجم دوره في البداية بسيطاً (كومبارس) يقول كلمتين أو جملة... لكن الصولة لم يعجبه هذا الدور، فأبلغ محمد النشمي بأنه لا يرغب في العمل في هذه المسرحية وليست لديه موهبة التمثيل فقال له النشمي: «لا بأس».تأسيس فرقة موسيقيّةفي عام 1958، صودف أن جاءت إلى الكويت «فرقة المسرح القومي المصري» وعرضت مسرحية «مجنون ليلى»... ضمّت الفرقة الفنانين سهير البابلي وفاخر فاخر، فأخذته الفرقة كومبارساً في دور جندي يقول أربع كلمات.لم يقتنع الصولة بالدور فترك الفرقة وقصد الفنان محمد النشمي ثانية، الذي اقترح عليه أن يشكّل فرقة موسيقية في المسرح تعزف فواصل موسيقية أثناء الاستراحة المسرحية بين الفصلين. عندها ذهب إلى نادي العمال، وجمع الشباب واقترح عليهم تكوين فرقة موسيقية، فرحبوا بالفكرة وكان عددهم حوالي 25 عضواً، وكان الأستاذ محمد حسن صالح يدرّبهم، فبدأ يعلم أعضاء الفرقة كتابة النوتة الموسيقية على أسس صحيحة وقراءتها.من أبرز أعضائها: محمد صالح النتيفي، ناصر سالمين، إبراهيم الريحان وانضم إليهم الفنان غريد الشاطئ، لم يكن آنذاك مطرباً وكان دوره أداء أغانٍ خفيفة، وكانت الفرقة تقدّم مقطوعات موسيقية بين فصلين في المسرحيات...إضافة إلى مشاركة الفنان إبراهيم الصولة العزف مع الفرقة وفي المسرح، التقى الفنان البحريني يوسف قاسم الذي علّمه العزف على آلة الكمان على أصولها وكيفية إمساك القوس وإخراج النغمة، وكل ما يتعلّق بهذه الآلة...حياته العمليّةفي عام 1960، انفصل الفنان إبراهيم الصولة عن والده بعدما أبلغه أنه ملّ العمل في السوق ويفضّل أن يشقّ طريقه ومستقبله بنفسه، لذا يحاول أن يجد وظيفة، خصوصاً أنه متزوّج ولديه أطفال وعليه أن يعتمد على نفسه ويتحمّل المسؤولية...في البداية، رفض والده الفكرة ولكن مع مرور الوقت تركه يفعل ما يشاء، فوُفّق بأن حصل على وظيفة في الحكومة وهي كاتب وإداري في إدارة الشؤون الاجتماعية والعمل (1961).بعد ذلك، انتقل إلى العمل في النادي العمالي ثم إلى مركز الفنون الشعبية، الذي أسسه المرحوم حمد الرجيب لرعاية الفنون الشعبية وجمع التراث، وكان يضمّ مجموعة من الفنانين من بينهم: أحمد الزنجباري، أحمد باقر، حمد الرجيب، سعود الراشد، عبدالله فضالة، عوض دوخي، بالإضافة إلى أدباء وشعراء من بينهم: أحمد البشر الرومي، عبدالعزيز حسين، أحمد العدواني، عبدالله سنان... وكانوا يجتمعون بعد الظهر ويعزفون ويغنون أغاني شعبية وأغاني أم كلثوم وموشّحات وسماعيات... وكان ابراهيم الصولة يحضر يومياً إلى المركز ويستمع إلى الأعمال الرائعة، وكانت هوايته بدأت تظهر وتتّضح موهبته أكثر فأكثر، وظلّت صلته بالفنان البحريني القدير يوسف قاسم مستمرة ولم يبتعد عنه... قال عنه الصولة: «بتشجيع من الأخ يوسف قاسم، يذكره الله بالخير، اتجهت إلى الفن الموسيقي، فقد كان له الفضل الكبير في تعلّمي الموسيقى ومعرفتي بالمقامات».في مركز الفنون الشعبيّةاكتسب الصولة خبرة موسيقية في فترة وجوده في «مركز الفنون الشعبية» الذي كان يعتبر ملتقى الفنانين الكويتيين آنذاك، بعدما كرّس وقته وجهده لهذا الفن المحبّب إلى نفسه وقلبه... وبرغبة صادقة نابعة من أصالته برز هذا الفنان بعدما وضع في ذهنه تعلّم الفن الذي عشقه منذ الطفولة...تلحين أول أغنيةبرز الفنان الصولة بعدما جند أفكاره في تحقيق هدفه المنشود وهو أن يكون فناناً يعزف ويغني ويعرفه الناس، هنا بدأت تراوده فكرة التلحين لينطلق في آفاق الفن، وفعلاً نصحه أحد أصدقائه في «مركز رعاية الفنون الشعبية» بأن يتّجه إلى التلحين نظراً إلى المواهب الفنية التي يملكها والأحاسيس التي تحقّق له الحلم الكبير.استخرج فعلاً من «ديوان فهد بورسلي» قصيدة «سلمولي على اللي سم حالي فراقه» وعملها سامرية وقدّمها إلى «مركز الفنون الشعبية». في البداية، سمعه الأستاذ الفنان حمد الرجيب، رائد الأغنية الكويتية الحديثة ومدير المركز، من ثم أسمع اللحن إلى الفنان غريد الشاطئ.صادف في تلك الفترة افتتاح الإذاعة الكويتية الجديدة وبدأ الشباب يتقدّمون للعمل في الإذاعة التي انطلقت أواخر عام 1959 وبداية الستينيات...هنا جهّز الصولة لحناً شعبياً صغيراً وعرضه على الفنان القدير أحمد باقر، الذي يعتبر أحد أكبر الملحنين، فأبدى إعجابه باللحن وقال له: «لو خليتها جملة واحدة تكون أفضل».المهم أن الفنان إبراهيم الصولة أنجز اللحن وقال له الفنان القدير أحمد باقر: «لازم تعمل للحن لزمة موسيقية حتى يصبح كاملاً»، فابتكر اللزمة الموسيقية بتوجيهات من الفنان أحمد باقر، وكان يقول له: «أقلب الجملة مرة أخرى أو أضف حرفاً هنا أو هناك»، إلى أن أنجز اللحن، وكتب الأستاذ محمد حسن صالح، الذي سبق أن درّسه الموسيقى في المسرح، اللحن وسُجلت الأغنية في نوفمبر 1960، بصوت الفنان القدير غريد الشاطئ ويقول مطلغ الأغنية :سلمــو لـي عـلـى اللــي ســم حـالــي فـراقــهحـسبــي اللـــه علــى اللـــي حــال بينــي وبيـنـــــــهقــايـد الــريــم تــأخــذنـي عليـــه الـشفـاقــــهليــتـنــــي طول عمري حيـســــة فــــي يمـيـنــه عقب مـــــا هو نديمـــي صار شــوفه شفاقـــةتـــل عـِـــرج المــــودّة وانقــطــع في أيـدينــــــــه«يا قمر ليلي»في عام 1962، انتقل الفنان الصولة من مركز عمله في رعاية الفنون الشعبية إلى الإذاعة الكويتية كموسيقي وعازف على آلة «الكونترباس» وليس على آلة العود أو الكمان، وكان السبب في ذلك الفنان أحمد علي، الذي عمل في فرقة أم كلثوم عازفاً على الكمان، عندما كان يغيب عازف «الكونترباس» يعمل مكانه...علّم الفنان أحمد علي الفنان إبراهيم الصولة العزف على هذه الآلة وعلى أصولها العلمية، وصارت هي السبب الرئيس في انتقاله إلى الإذاعة كعازف على هذه الآلة، وُعين في فرقة الإذاعة الكويتية في 2 يونيو 1962 واستمرّ في عمله كملحّن، وتوسّع نشاطه أكثر عند دخوله الإذاعة، فطرق الصولة ميادين التلحين.بعد أغنية «سلمولي» التي غناها غريد الشاطئ، لحّن الصولة سامرية «يا روح روحي» غناء حورية سامي، من كلمات فهد بورسلي. كذلك، برز في تلحين الابتهالات والأغاني الدينية، وبرع في تلحين الأغاني العاطفية وقدّم أجمل الألحان، منها أغنية «يا قمر ليلي»، غناء مصطفى أحمد، تأليف الشاعر الغنائي يوسف ناصر، يقول في مطلعها:يـــــا قـمــــــر ليــلـــي تــــدنـــّـــــــاوبــالـهـــــــوى مثــلـــــــــي تغـنَّـــــــــــىغــابــــت انجـــــــوم السـهــــارىواخـتـفـــــت الـــعيــــــــون عـنـّـــــــــــــاالهــــــوى صــــوبــك رمــــــانـــيبيــــن احــضــــــان الأمـــانــــــــــــــيدراسة الموسيقى في القاهرةفي عام 1966، أرسلت وزارة الإعلام الفنان إبراهيم الصولة في بعثة إلى القاهرة لدراسة الموسيقى في معهد الموسيقى العربية، بعدما أمر الشيخ جابر العلي، رحمه الله، بألا بدّ للمواهب من أن تتعلم وتدرس أكاديمياً، فكانت الدفعة الأولى مؤلفة من الفنان عبدالرحمن البيعجان، الدكتور يوسف دوخي، وعثمان السيد (1963).أما الفنان إبراهيم الصولة فهو من الدفعة الثانية وكان معه د.يوسف عبدالقادر الرشيد، عبدالله بوغيث، وبعدهم عبدالحميد السيد ومحمد التتان، وكان من ضمن أعضاء البعثة الفنان الدكتور عبدالرب إدريس... نال الصولة البكالوريوس في المعهد العالي للفنون الموسيقية عام 1976، وبعد عودته من الدراسة عُيّن مشرفاً فنياً في مراقبة الموسيقى في إذاعة الكويت ثم رئيساً لقسم الموسيقى (1982).النشيد الوطنيوُلدت فكرة النشيد الوطني، في البداية، عندما طلب المسؤولون من الملحنين في فئاتهم الممتازة والأولى والثانية تلحين نص أغنية «دارنا يا دار»، وقد تم فعلاً توزيع النص ولحّنه الملحنون، إلا أن الفنان الصولة لم يلحّنه... وبعد فترة صرفوا النظر عن نص «دارنا يا دار، وكُلف الشاعر أحمد مشاري العدواني بكتابة نشيد جديد عام 1976، قبل ثلاثة أشهر من امتحان البكالوريوس، فاستدعت السفارة الكويتية في القاهرة الفنان إبراهيم الصولة وسلّمته تكليفاً رسمياً من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وخلال أسبوعين انتهى الصولة من تلحين النشيد وتسجيله على شريط...عندما انتهى من الامتحانات وعاد إلى الكويت، سلّم الصولة اللحن إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وكان الفنان أحمد علي مسؤولا عن جمع الألحان وعرضها على اللجنة العليا التي كان يرأسها الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح وعضوية د. عبدالرحمن العوضي والأستاذ عبدالعزيز حسين، وزير الدولة آنذاك، الشيخ سالم الصباح ومجموعة من كبار الضباط.سجّلت فرقة الشرطة والإذاعة الكويتية الألحان في الفترة المسائية وبعد الفرز، نجح لحن الفنان إبراهيم الصولة عام 1977، وجاء في مقدّمة النشيد الذي كتبه الشاعر الراحل أحمد العدواني الأبيات التالية:وطـــنـي الكـويـــت سلمـــت للمجـــــــدوعلــى جـبينــــك طـــالـــع السـعــــــــديـــا مـهـــــد آبــــــائي الألـــى كــتـبــــــــواسـفـــر الخـلــود فنـــادت الــشـهـــــباللــه أكــبـــــر إنــهــم عـــــربطـــلــعـــت كــواكــــب جــنـــــة الخـلـــــدساهم اختيار لحن النشيد الوطني الذي لحّنه الصولة عام 1977 في تسجيل اسمه مع أبرز رواد الحركة الكويتية الفنية الذين احتلوا مكانة كبيرة في التاريخ، مع الاحتفاظ بمكانته كمطرب وملحن. لا شك في أنه ذو حظ كبير لأن ما تمناه طوال حياته تحقق، وهو أن يترك بصمة فنية قومية لبلاده وتكون من ألحانه، وإذا بالحظ يخدمه ويخلّد له هذا اللحن العظيم ويزيّن صدره أعلى وسام استلمه في حياته... وهو تلحين النشيد الوطني الكويتي... بهذا اللحن صار الصولة جزءاً من الوجدان الشعبي وقدّره الشعب الكويتي أجلّ تقدير، ووضع له تمثالاً عظيماً من الحب في قلبه.
توابل
سلّموا على اللي... أطلقت شهرته في عالم التلحين (1): إبراهيم الصولة برز في السامري وأبدع في النشيد الوطني
24-08-2011