لا شكّ في أن الشغف مرتبط بعمر محدد وفترة معيّنة تقتصر غالباً على ثلاث سنوات، هذا ما يذكره الخبراء الذين خصصوا كثيراً من الوقت لدراسة هذا الموضوع. يشعر الأشخاص المغرمون ببعض الحزن إزاء هذه الخلاصات، إذ يرغبون في أن تدوم هذه اللحظة إلى الأبد. فهل ذلك ممكن؟ يقال إن الشغف، على رغم المشاعر المتأججة التي ترتبط به، شعور يزول بعد وقت قصير. لكن كيف يسعنا تصديق ذلك بعد مشاهدة أفلام رومانسيّة وقراءة قصص خياليّة والاستماع الى أغانٍ عاطفية تتصف بالروعة وتولّد إحساساً غريباً لدى المرء فيشعر أنه يعيش في عالم آخر.تعريفهيشعر كلّ من مرّ بتجربة عاطفية بالحنين الى تلك اللحظة الساحرة حين كان كلّ شيء حوله ينبض بالحياة وحين كانت تغمره الحماسة، وقد يحلم المرء باستعادة هذه اللحظات التي تضفي على الحياة نكهة خاصة. عندما يقع الرجل أو المرأة بالحبّ يقومان بأمور جنونيّة ويتركان العنان لمخيّلتهما ويفجران أحاسيسهما كلّها. أما عندما نواجه المشاكل في هذه العلاقات، فيتملّكنا اليأس ونحسّ بحزن عميق، حتى أننا قد نعاني اكتئاباً نفسياً شديداً. ولا يبعث في أنفسنا بصيص أمل صغير سوى صوت الحبيب أو كلماته الرقيقة. يبدو الشغف حالة مربكة بكلّ أوجهه ولا يسعنا فهمه دائماً سواء جلب لنا التعاسة أم السعادة، وأحياناً يكون كالحرب من السهل أن نشعله... ومن الصعب أن نخمده.تحليلهمن الصعب تحديد ماهيّة الشغف. فلمَ يؤثر فينا شخصٌ لم نلتقِه منذ زمن بعيد الى هذا الحدّ، حتى لو لم نكن رومانسيين؟ نشعر أننا سنفقد صوابنا إذا ابتعدنا عمّن نحبّ... لعلّ ما يجعلنا نتساءل أكثر هو أن هذا الحبيب الذي استحوذ على مشاعرنا لا يجسّد صورة الحبّ التي نرسمها في ذهننا... مثلاً، إذا كان الرجل يفضّل المرأة الشقراء، قد يشعر بالانجذاب نحو فتاة سمراء. يصعب تحديد الشغف وتطوّره، لا سيّما إذا كان نوعاً من الحبّ من النظرة الأولى. لا يحتكم الشغف الى العقل وكأنه يترك الساحة أمام الحواس والعواطف. عندما يكون هذا الشعور متبادلاً بين الشخصين، تبدأ مرحلة رائعة تطبع حياة المرء الى الأبد. بعد انقضاء سنين عدّة، حين نعود بالزمن الى الوراء ونسترجع هذه الذكريات، نتساءل: ما الذي دفعنا حقاً الى التصّرف بهذه الطريقة المتطرّفة؟ الشغف حاجةٌ الى إعطاء حبّ غير مشروط ويعكس رغبة شديدة في البقاء مع الآخر. أذا كان الحبّ أعمى، فكيف بالحري الشغف؟ ففي هذه الحالة، لا نرى في الحبيب سوى مزاياه ونغضّ النظر عن سيئاته. غير أن هذه الحالة خياليّة، لا تمتّ إلى الواقع بأيّ صلة.جانبه البيولوجيينقلنا الشغف الى حالة قد تكون خطرة أحياناً، لأننا لا ندرك أننا ضعفاء كثيراً وقد يتمّكن الشخص الذي نحبّه من جرح مشاعرنا بسهولة. كذلك، يولّد شعوراً بالفراغ حين لا نكون الى جانب الحبيب، كأن جسمنا أصبح مدمناً على ذلك الشخص، وهذا ما يحصل بالفعل. ليس الحبّ معادلة بسيطة تقتصر على عوامل بيولوجيّة وكيماوية، فلا شكّ في أنه ينبع من القلب. لكن يظهر العلم الحديث أن الحب يرتبط بالدماغ وبمجموعة عمليات كيماوية مختلفة تجري في جسم الإنسان. فأثبت الخبراء أن الجسم يفرز الدوبامين، أحد الهرمونات التي تنقل الرسائل العصبية والإشارات الى الجهاز العصبي وتتحكّم بصورة كبيرة في مزاج الإنسان وفي حالته النفسية وتقف وراء شعوره بالرضى والمتعة. فضلاً عن ذلك، تؤدي الكلمات الحنونة والقبل الى إفراز هرمون اللوليبيرين المسؤول عن الرغبة الجنسية والذي يسرّع إفراز الدوبامين والإندورفين. يساهم الإندورفين وبعض المواد الكيماوية المماثلة له في تخفيف الآلام والشعور بالراحة والتحسّن. ويعتقد العلماء أن الإندورفين يتحكم في قدرة الدماغ على استقبال الألم والإحساس به. بفضل هذه الهرمونات، تتسارع نبضات القلب وترتفع حرارة الجسم الداخلية ويزداد الضغط الدموي. ومن ثم تتحوّل أحاسيسنا الى عواطف جياشة. بالإضافة الى ذلك، يفرز الجسم الأوكسيتوسين الذي يُسمى «هرمون الحب}، وهو يساعد على زيادة الرغبة الجنسية لدى الرجال والنساء، حتى أن الجسم يطلق مزيداً منه أثناء النشاط الجنسي وبعد الوصول إلى مرحلة النشوة، كذلك، يخفّض من إفرازات الكورتيزول، الهرمون المرتبط بالغضب. تؤثر مشاعر المودة والألفة التي تولد من العلاقة الثابتة مع الآخر في وجود هذا الهرمون. فضلاً عن ذلك، يعمل الاستروجين المتوافر في دم المرأة على تقوية تأثير الأوكسيتوسين فينخفض بذلك ضغط الدم وتشعر المرأة بالراحة والاسترخاء وتتكون لديها رغبة قوية في الاستمرار في هذه العلاقة. تنمي هذه الهرمونات، لا سيّما الأوكسيتوسين، حاجة كبرى بالتواجد مع الحبيب طوال الوقت. فنصبح بحاجة الى سماع صوته والمكوث بجانبه، حتى أننا نشعر بالضياع حين نبتعد عنه لفترة وجيزة. قد يسبّب لنا هذا الشعور الذي لا نقوى على السيطرة عليه مشاكل في العمل وفي حياتنا اليوميّة، إذ نكون مشتتي الأفكار دائماً. كذلك، يفقد البعض من وزنه نتيجة انفعالات ومشاعر تغمره خلال هذه المرحلة، فقد تتغيّر حاجاته الجسدية. ولعلّ هذا الولع هو الذي يدفعنا الى القيام بأمور لم نخل يوماً أننا سنقدم عليها لنرضي الشخص الذي أسر قلبنا أو لنشفي غليلنا.لسوء الحظ، إن لم يبادلنا الشخص الذي نحبّ الشعور نفسه، نحس غالباً بالمرارة ما قد يسبب لنا معاناة يصعب تحمّلها. أحياناً، قد يدفعنا شعورنا الى التصرّف بطريقة غير عقلانية لجذب الشخص الآخر ومحاولة الفوز بحبّه. تظهر في هذا الإطار مشاكل كثيرة، فيضحّي أحد الطرفين بمكانته الاجتماعية أو الثقافية للارتباط بمن يحب، فيكون الحكم والتفكير في هذا الوقت نابعين من القلب لا العقل. كذلك، قد ترضخ المرأة لرغبات زوجها مع أنها تكون غير موافقة عليها، بغية إرضائه فحسب. من المهم في هذه المرحلة، عدم الانسياق وراء هذه المشاعر التي تعتمد على الحب فحسب، لأن هذا الشعور لن يدوم مع صعوبات الحياة والمشاكل الاجتماعية.قد يتحوّل بعض الحالات الى نوع من الهوس المرضي فيرتكب المرء أفعالاً خطرة للحفاظ على من يحبّ. يفتقر هذا النوع من العلاقات الى التوازن، فيسعى أحد الطرفين الى السيطرة على الآخر أو الى تملّكه وقد يتّخذ قرارات غير صائبة يندم عليها لاحقاً. مثلاً، تترك المرأة العمل لتلزم البيت وتهتمّ بزوجها وبعد مرور بعض الوقت تجد أن الأمور قد اختلفت وأنها لا تعيش قصة الحبّ التي حلمت بها.حالة مستدامةغالباً، لا يدوم الشغف طويلاً. إذ نصل الى مرحلة نرى فيها الشخص الآخر من منظار مختلف، فنميّز سيئاته وحسناته. وليحافظ الثنائي على هذه الشرارة بينهما، على كلّ منهما البحث عن نقاط مشتركة والقيام بنشاطات سوياً لتقوية الرابط بينهما. في هذا الوقت، من المهم أن يتعرّف كلّ واحد منهما إلى عائلة الآخر وزملائه في العمل. ينبغي أن يحافظ كلّ شخص على استقلاليته في ظلّ العلاقة، ما يسمح له بالتركيز على أهدافه الشخصيّة وعلى حياته الخاصة بعيداً عن الآخر. غالباً، لا نشعر بهذا الشغف تجاه شخص نعرفه منذ وقت طويل كصديق الطفولة أو زميل في العمل... لكن إن حصل ذلك، فيكون إمكان أن يتحوّل هذا الشغف الى علاقة طويلة وثابتة، أكبر. يجد الخبراء أن العلاقات الجدية يجب أن تُبنى على أسس تتعدى الانجذاب الجسدي: كطريقة التفكير وسمات الشخصية والمحيط الثقافي والاجتماعي.هل هو شعور محدود؟يعتقد الخبراء بأن الشغف يرتبط بمرحلة معيّنة ويتلاشى مع مرور الوقت، لكن تتفاوت هذه المدة من شخص الى آخر. فتكون المخيّلة والأحاسيس أقوى لدى البعض، فيستطيع الحفاظ على هذه المشاعر لوقت أطول. كذلك، إذا لم تسمح الظروف للثنائي بتمضية الكثير من الوقت سوياً، ستظلّ المشاعر مشتعلة بينهما. وعلى العكس، قد يتغيّر هذا الشغف الى عادة روتينيّة حين يتقابلان باستمرار. لذا من الضروري في كلّ علاقة طويلة أن يحرص الثنائي على إبقاء بعض الحماسة بينهما. فمن المهم الاستفادة من هذا الشعور قدر المستطاع والعمل على تطويره، فلعلّه بداية قصة حبّ رائعة.قالواالعقلاء يعيشون طويلاً، والشغوفون يعيشون حقاًشامفورالشغف إعصارٌ، أمر رائع والذي يُعجّل الكارثة أنه قصة تنتهي دوماً بنهاية سيئةطاهر بن جلونالشغف يولد من لا شيء....ويموت بأي شيءألفونس كارعدد لانهائي من حالات الشغف يمكنه أن يدوم دقيقة فقطغوستاف فلوبيرالشغف كالأشباح: الجميع يتحدثون عنه... ولكن من شاهده حقاً؟لاروشفوكو
توابل
الشغف... هل يدوم طويلاً؟
03-09-2011