كان أبو حنيفة الدينوري عالما في شتى العلوم والمعارف في عصره، وامتاز بعقلية علمية واسعة استوعبت معارف كثيرة، انفرد بها عن علماء القرن الثالث الهجري، فلقد كان أبو حنيفة فذا في كثير من العلوم، وكان دائما مجددا، وظل مع كل هذا مبدعا، وهو بإجماع علماء المسلمين واحد من ألمع ممثلي العصر الإسلامي الزاهر.

ولد أبو حنيفة أحمد بن داود بن ونند في مدينة دينور (غرب إيران) في العقد الأول من القرن الثالث الهجري، ونشأ في أسرة فارسية الأصل، وأمضى معظم حياته في الرحلات العلمية، فقام بالتنقل بين مدن العراق، ثم امتدت أسفاره إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة، وإلى فلسطين والخليج العربي، ثم انتقل أبو حنيفة إلى أصفهان سنة 235هـ/850م، واشتغل فيها برصد الكواكب، وتسجيل نتائج الأرصاد التي يقوم بها في معمله الفلكي.

Ad

تنوعت اهتمامات الدينوري بين علوم القرآن التي أنتج فيها كتابه «تفسير القرآن» في ثلاثة عشر مجلدا، وفي اللغة صنف كتابيه «ما يلحن فيه العامة» وكتاب «إصلاح المنطق»، وفي الأدب كان كتابه «الشعر والشعراء»، وفي الفلك كان كتاب «الأنواء»، أما في التاريخ فكان كتابه الأشهر «الأخبار الطوال» الذي يعد أول كتاب في تاريخ البشرية حتى العصر العباسي، وهو نمط احتذاه كثير من المؤرخين المسلمين فيما بعد.

أما أشهر كتب أبي حنيفة – الذي توفي سنة 282هـ/896م- فكان «كتاب النبات» الذي يعد أهم كتاب في مجاله، كما يعد دائرة معارف نباتية عربية على درجة كبيرة من الوضوح والاستيعاب، رتب فيه الدينوري النباتات على حروف المعجم، وجاءت فكرته من رغبة الدينوري في شرح النباتات الكثيرة التي ذكرها الشعراء العرب في أشعارهم وتوضيح مدلولاتها، حتى يعلم العقل العربي العام المنابت الأولى لحياته العربية. ومن ثم فقد اقتصر الكتاب على نباتات بلاد العرب، والنباتات الأجنبية التي تأقلمت في محيطها العربي.

ولم يترك الدينوري شاردة ولا واردة عن النبات إلا ضمنها في كتابه، حتى فاق مصنفه مَن تقدمه من علماء اللغة وعلماء النبات، وصار الكتاب من بعده حجة اللغويين وعمدة الأطباء والعشابين، فلا يتخرج طبيب ولا يبرز عشاب إلا بعد أن يهضم كتاب النبات للدينوري ويتمثله. وفي الكتاب وصف لـ 1120 نوعا من النباتات الطبية التي جمعها الدينوري من مصادر مختلفة، بعضها من كتب اللغة، وبعضها من كتب الطب، والبعض من تجاربه ومشاهداته الخاصة، فجاء الكتاب فريدا في بابه، مرجعا في مجاله، وهناك إجماع بين مؤرخي العلوم على أن أول من ألف من علماء المسلمين في مجال النبات كان الدينوري.

وهو أول عالم نباتي مسلم يشير إلى طريقة التهجين، حيث تمكن من أن يستولد ثمارا ذات صفات جديدة بطريقة التطعيم، كما استطاع أن يخرج أزهارا جديدة بالمزاوجة بين الورد البري وشجر اللوز، وبذلك سبق الدينوري - حسب رأي البعض- العالم النمساوي مندل عالم النبات الشهير مؤسس علم الوراثة.