كيف يمكن إنتاج عمل كوميدي جيد وتقليدي في هذا العصر إذا كانت الطريقة الوحيدة كي يصبح الفيلم لافتاً تقضي بأن يكون صاخباً وسخيفاً وشائناً أكثر من الأفلام التي افتُتحت في الأسابيع السابقة؟ كتبت McClatchy Newspapers أنه في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، أنتجت هوليوود عدداً من أفلام مضحكة ومبتذلة ومؤثرة على نحو غريب - مثل «منزل الحيوانات» (Animal House- 1978)، و{بوركيز» (Porky>s- 1982)، و{أعمال خطيرة» (Risky Business- 1983)- وقد أثّرت هذه الأعمال مباشرةً في المراهقين وحرّكت غرائزهم. في أواخر التسعينيات، قدّم الأخوان فاريلي خليطاً من الابتذال والفكاهة في «ثمة شيء مميز في ماري» (There's Something About Mary- 1998).  

Ad

في السنوات الأخيرة، صدرت أفلام مثل «مفسدو الأعراس» (Wedding Crashers- 2005)، و{حالة سكر شديدة» (The Hangover- 2009) وجزء لاحق منه بعنوان «آلة زمنية في مغطس ساخن» (Hot Tub Time Machine- 2010)، و{حرية موقتة» (Hall Pass- 2011)، وكانت عبارة عن أفلام كوميدية بذيئة تركّز على مشاعر الكبت التي تكنّها مجموعة من الرجال في منتصف العمر، فيتوق هؤلاء إلى استعادة أيام مجدهم على مستوى الحياة العاطفية والجنسية. (هذا الصيف، صدر فيلم «المُدرِّسة السيئة» (Bad Teacher) الصادم من بطولة كاميرون دياز بدور مدرّسة انتهازية تتحدث بكلمات نابية، فحاول هذا العمل تغيير المفاهيم حول التعامل بين الجنسين، لكنه لم يحقق أي نتيجة مقنعة بالفعل).

يمكن أن نستنتج أن كل فيلم يحاول إثارة الصدمة في نفوس المتفرجين بما يفوق صدمة الأفلام التي سبقته، لذا تعجّ هذه الأعمال بمصطلحات عنصرية وألفاظ بذيئة تنمّ عن رهاب المثلية الجنسية. الأسوأ من ذلك بعد هو النزعة المحافظة التقليدية التي تحاول هذه الأفلام إظهارها والرفض القاطع للفوضى التي تروّج لها ظاهرياً. بعد السماح للرجال بتحقيق تخيّلاتهم الجامحة، تتنافس هذه الأفلام للتأكيد على أن الأبطال كانوا ينعمون بحياة هانئة طوال الوقت، إلى جانب زوجات صبورات ومتسامحات وأطفال وسيمين، في منزل ضخم في الضواحي.

لقطات مضحكة

بدأ أخيراً عرض فيلم التبادل (The Change-Up)، وهو يندرج ضمن أنواع الأعمال الكوميدية من بطولة رجال في منتصف العمر. يكفي أن نقول ذلك لمعرفة مضمون العمل! يبدأ الفيلم بلقطة تتمثل بمشهد طفل يتغوّط في وجه والده – تُعتبر هذه اللقطة واحدة من سلسلة المشاهد «اللائقة» الأخرى في الفيلم! فسنشاهد أيضاً أحد البطلين وهو يقف بين نجوم أفلام إباحية في موقع تصوير فيلم للكبار فقط.

وكأن مشهد تغوط الطفل لم يكن كافياً، بل سنضطر أيضاً إلى مشاهدة بطلة الفيلم وهي تتغوط بعد تناول طعام تايلندي غني بالتوابل. لا تكمن المشكلة في تجاوز جميع حدود الآداب العامة في هذا الفيلم – فلا وجود لأي محرمات في الأعمال الكوميدية البذيئة. لكن تتعلق المشكلة الأساسية بعدم وجود أي مشهد مضحك أو مميز.

يبدو أن المخرج دايفيد دوبكين (أحد أعماله فيلم «مفسدو الأعراس») والكاتبين جون لوكاس وسكوت مور (أحد أعمالهما فيلم «حالة سكر شديدة») مصممون على إثارة الصدمة في نفوس المتفرجين لدرجة أنهم لا يدركون ضرورة أن يقدّموا حداً أدنى من القصة المحبوكة.

عمدت هوليوود إلى إعادة صياغة القصة نفسها طوال عقود في أعمال عدة كانت أظرف من هذا الفيلم، مثل «يوم الجمعة المخيف» (Freaky Friday- 1976) و{أنا بالكامل» (All of Me- 1984)، أو «مقدمة لقبلة» (Prelude to a Kiss- 1992). إنها كوميديا تبادل الأجسام! دايف لوكوود (جايسون باتمان) هو محام متزوج ولديه ثلاثة أطفال. لكنه يحسد صديقه ميتش بلانكو (رايان رينولدز) على الحرية التي يتمتع بها. بعد الإفراط في الشرب في إحدى الليالي، وجد الرجلان نفسيهما وهما يتبولان في الوقت نفسه في نافورة مياه، وتمنى كل واحد منهما في اللحظة نفسها الحصول على حياة الآخر. فبرقت السماء كالعادة واستيقظا في الصباح التالي ليجد كل واحد منهما نفسه في جسم الآخر.

لقد ثبت أن كوميديا تبادل الأجسام قابلة للنجاح دوماً لأنها تمنح الممثلين فرصة أداء دورين، أي تجسيد شخصيتهم والشخصية المعاكسة لها. لهذا السبب، يمكن اعتبار أداء باتمان إحدى النواحي الإيجابية في فيلم «التبادل». تشبه شخصية دايف باتمان نفسه، فهو رجل طيب إنما متكلّف ومتطلب بعض الشيء. لكن يتحوّل دايف، بعد أن يتقمص فيه ميتش، إلى شخصية تتحدث بسرعة وبكلمات نابية. من الملاحظ أن أظرف مشهد في الفيلم هو الأقل ابتذالاً، حين يقنع دايف الجديد ابنته كارا (تؤدي شخصيتها سيدني روفيير) بتسوية خلافاتها في المدرسة عن طريق العنف.

إغراءات

في مشاهد عادية أخرى، يحاول رينولدز التعبير عن جوانب إنسانية محدودة. أما دايف في جسد ميتش، فيصارع للبدء بعلاقة رومانسية مع سابرينا، محامية في شركته، وسرعان ما يتبين أنها كانت معجبة بدايف ولكنها قاومت مشاعرها تجاهه لأنه متزوج. ثم تدور القصة في أجواء مألوفة: هل تُعتبر العلاقة خيانة إذا كان الرجل في غير جسمه؟ يبرع رينولدز بما يكفي في إثارة فضولنا لمعرفة ما إذا كان دايف سيستسلم للإغراءات التي تحيط به.

لكن سرعان ما يفقد المشاهد اهتمامه بمعرفة ذلك لأن زواج دايف الحديث العهد من جايمي (ليسلي مان) يدخل في إطار قواعد اللعبة الجنسية الاعتيادية ولأن المخرج لا يهتم بإثارة فضول المشاهد. كل ما يهمّه هو عرض «المشاهد الصادمة» التي أصبحت اللغة العصرية الرائجة في أفلام الكوميديا البذيئة.

لقد ابتعدت هذه الأعمال عن نمط الأفلام الشهيرة مثل «الفطيرة الأميركية» (American Pie) و{ثمة شيء مميز في ماري» (There's Something About Mary)، حيث كانت الدعابات الصادمة تشكّل مشاهد عابرة تثير الدهشة من دون أن تطغى على أحداث القصة. أما الأفلام الراهنة، فترتكز على الدعابات السخيفة والإيحاءات الشائنة، وتبرز هذه الخصائص في جميع لحظات الفيلم. هل يجب أن نشاهد لقطة تبوّل ميتش ودايف في نافورة المياه فعلاً؟ نعم، نحن مجبرون على مشاهدتها في هذا الفيلم!

بسبب الثقافة الشعبية السائدة التي حولت هذه الأفلام إلى أعمال ناجحة ورائجة، يصعب التحامل على الأفلام الكوميدية البذيئة: من لا يحب هذا النوع من الأفلام يُعتبر متزمتاً في هذه الأيام! لكن أين المشكلة إذا أردنا مشاهدة دعابات مبتكرة - علماً أن فيلم «التبادل» لا يقدّم أي مضمون جديد؟ لا عجب في أن هذا الفيلم يطلب من جميع النساء المشاركات فيه التعرّي أو إهانة أنفسهن كما حصل مع شخصية المرأة الحامل التي تؤديها ميرسيا مونرو.

في المقابل، لم يُطلَب من رينولدز، صاحب العضلات المفتولة، خلع قميصه. ولم يخلع بايتمان أيضاً ملابسه حتى عند خلوده إلى النوم، وحتى بعد أن أصبح ميتش المتحرر داخل جسم دايف.

في وقت سابق من هذا الصيف، كسر فيلم «وصيفات الشرف» (Bridesmaids) النمط السائد في الأفلام الكوميدية المبتذلة ووضع النساء في محور العمل. وقد أدى نجاحه إلى استئناف الجدل على مستوى الثقافة الشعبية: هل نحن أمام عصر جديد من الأعمال المبتذلة التي يتساوى فيها الجنسان؟ لكن يُشار إلى أن «وصيفات الشرف» نجح على رغم المشاهد المبتذلة التي يتضمنها، ولم تكن تلك المشاهد هي السبب في نجاحه. فقد تمكن المخرج من عرض «المشاهد الصادمة» التي يريدها قبل أن تتحرر الشخصيات وتبدأ رحلة استكشاف عواطفها المعقدة.

في المقابل، يعود بنا فيلم «التبادل» إلى عالم الأعمال والأرباح كالعادة، إلى عصر تُعتبر فيه السخرية العامل الوحيد الذي يروّج للأفلام أكثر من الجنس.