تختلط الحقيقة بالأسطورة عند الحديث عن العالم المسلم عباس بن فرناس فالبعض يعتقد أنه شخصية خيالية تعبر عن هوس الإنسان بالطيران، إلا أن الحقيقة أحيانا أجمل من الخيال فابن فرناس عالم مسلم كبير له الكثير من المخترعات التي تقف شاهدا على نبوغه وسعة علمه، إلا أن محاولته الطيران تبقى هي الأثر الخالد لهذا الفلتة البشرية.

ولد أبو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس التاكرتي سنة 195هـ/810م، في مدينة قرطبة بالأندلس التي كانت تعد واحدة من أكبر معاقل الحضارة الإسلامية، ونشأ ابن فرناس في هذه المدينة وتلقى علومه الأولية من حفظ للقرآن الكريم والحديث الشريف وتعلم مبادئ الحساب، ثم بدأ ابن فرناس يشق حياته العلمية في ربوع قرطبة في مجالات الفيزياء والكيمياء والفلك والرياضيات واللغة والأدب.

Ad

اشتغل ابن فرناس بعلم النحو وقواعد الإعراب، وصار واحداً من نحاة عصره في ربوع الأندلس، يؤخذ عنه ويعول عليه، مما دفع الزبيدي صاحب «طبقات النحويين واللغويين» إلى تصنيفه في الطبقة الثالثة من نحاة الأندلس، وقد قال عنه «كان متصرفاً في ضروب من الإعراب». وكان له الفضل في شرح كتاب العروض للخليل بن أحمد، فعند وصول هذا الكتاب من المشرق إلى الأندلس لم يفهم علماء اللغة والشعر شيئا من الكتاب، إلى أن جاء ابن فرناس وشرحه للعلماء قبل العامة.

وتبحر ابن فرناس في علم الكيمياء وقام بإجراء التجارب والتحاليل، وتوصل إلى حقائق علمية لم يسبق لأحد من علماء الأندلس الوصول إليها، ومن تجاربه الناجحة توصله لإمكان صناعة الزجاج من نوع معين من الحجارة مما سهل على الأندلسيين صناعته من مادة زهيدة الثمن، ونتيجة لذلك انتشرت صناعة الزجاج في بلاد الأندلس وتفوقوا في هذه الصناعة. ووضع ابن فرناس بصمته على علم  الفلك فراقب الكواكب والنجوم في مطالعها وأفلاكها ومداراتها ومنازلها، وتمكن من صنع الآلات التي تساعده على رصد حركاتها ومما صنعه تلك الآلة المعروفة «بذات الحلق»، كما ابتكر الميقاتة لمعرفة الأوقات وهي آلة توضح أوقات الصلاة، ومن ابتكاراته أيضاً «قبة السماء» في سقف منزله، وهي أن جعل قبة منزله على هيئة السماء وصور فيها الشمس والقمر والكواكب ومداراتها والغيوم والبرق والرعد، فكان ذلك من عجائب الصنعة وبديع الابتكارات، التي لم تعرفها البشرية من قبل.

الغريب ان ابن فرناس المتوفى سنة 273هـ/887م لم يمت من تجربة الطيران التي قام بها بل جاءت وفاته بشكل طبيعي، أما عن تجربة الطيران فقد جاءت بعد العديد من الأبحاث والتجارب الجزئية، وقد قام ابن فرناس بشرح تلك التجربة على الملأ للجمهور، ثم جاءت الخطوة الأخيرة بالقيام بتجربة عملية، فقد كسا نفسه بالريش واستخدم الحرير كوسيلة لتثبيت الريش، وقد استخدم ابن فرناس هذين العنصرين دون غيرهما لخفتهما ومناسبتهما للطيران، وبالفعل طار ابن فرناس مسافة قصيرة قبل أن يهبط اضطراريا على مؤخرته، فقد نسي أن الطيور تستخدم أذنابها للهبوط، وعلى الرغم من النجاح الجزئي لتجربة ابن فرناس فإنه لم يكررها مرة أخرى. إلا أن تجربة واحدة كانت كفيلة بأن تخلد اسمه في سجل الخالدين، وتكريما له سميت فوهة قمرية باسمه وتعرف بـ»فوهة ابن فرناس».