منذ أن أصدر توماس ترانسترومر مجموعته الشعرية الأولى «17 قصيدة» قبل أكثر من خمسين عاما تقريباً، التفت إليه النقاد مبكراً واعتبره السويديون شاعراً متفرداً، ومنذ ذلك الوقت وبعد مسيرة طويلة في الكتابة ظل توماس ترانسترومر وفياً لاختياراته الشعرية والفكرية حتى عدّ أهم الشعراء السويديين وأحد أفضل الشعراء في العالم، بل وأستاذ الصورة الشعرية في الشعر السويدي المعاصر، وكان الشاعر الإنكليزي روبرت بلاي قدمه مبكراً إلى العالم الانجلوسكسوني، باعتباره شاعراً فريداً من نوع خاص. لقد جرت بين الشاعرين مراسلات عديدة أصدرها توماس ترانسترومر في ما بعد في كتاب مستقل، كتب توماس ترانسترومر، «الجندول الحزين» «من أجل الاحياء والموتى» «الساحة الوحشية: وعددا آخر من الدواوين، بما في ذلك عمله الذي صدر في السنوات الأخيرة بعنوان لافت «اللغز الكبير» حيث احتفت به الصحافة السويدية والعالمية، وبحصول توماس ترانسترومر على الجائزة هذا العام يكون قد رفع العتب عن الأكاديمية السويدية التي اتهمت على الدوام بأنها تستثني واحدا من أكبر شعرائها، رغم وجوده في قائمة نوبل سنوات طويلة. في شبابه كان توماس ترانسترومر جوالاً ومسافراً عبر بلدان ومدن عديدة بما في ذلك بلدان العالم الثالث، وكانت النزعة الإنسانية واضحة في شعره، ففي قصيدة له «رجل من بنين» يقول: «جئتُ لألتقي ذلك الذي يرفع

Ad

فانوسه

ليرى نفسه فيّ».

وكان قد زار مرة مصر هو وزوجته ونزل في فندق بسيط في طنطا وكتب قصيدة عن الفقر والتسول وصور الموت. هكذا يبدو الشاعر هشاً أمام الموت، بل ان الشعر نفسه لا يتجه إلا إلى تلك المنطقة المستحيلة، إلى العالم السفلي مُكللاً بسحابة سوداء وبقدرة عصية على الفهم. في شعره حال من التوحد والانسجام مع الآخر والعالم وهذه صفة لمن يعرف السويديين المنغلقين على أنفسهم قد تبدو شديدة الغرابة، لكن هذا الانفتاح على الآخر هو ما يجعل من شعر ترانسترومر مضاداً للهويات المنغلقة. ان أفقا ينفتح هو بالضرورة وفق رؤية ترانسترومر ينفتح على الآخر البعيد المختلف لتصبح الذات محل لقاء هويات متعددة.

الزمن ليس خطاً مستقيماً

إنه أقرب إلى المتاهة

ولو اتكأ المرء على مكان

مناسب من الجدار

يستطيع أن يسمع الخطوات

المسرعة والأصوات، يستطيع أن

يسمع نفسه تمر من هناك

على الجانب الآخر.

كتب ترانسترومر مرة يقول:

«أكتب دائماعلى خط الحدود – الحد الفاصل بين العالم الداخلي والعالم الخارجي، أسمي ذلك حاجز الحقيقة لأنها النقطة الفاصلة ذاتها التي تمكننا من امتلاك الحقيقة».

إضاءة:

لكنما الشاعر مؤكد، انه هناك مغروزا مثل الراية الوحيدة تتقاذفها الريح في أرض بعيدة. كانت الشاعرة الكبيرة مُدشنة عصر الحداثة في الشعر السويدي المعاصر «كارينبوي» قد كتبت مجموعة شعرية كاملة عن الألم، وكانت شاعرة متمردة وعاشقة كبيرة مع مسحة روحية بحكم دراستها المبكرة للاهوت. أما الشاعر السويدي غون ارايكلو فهو الذي عاش حياة صاخبة في باريس في شبابه قريبا من تلك الأرض البعيدة التي اتحدث عنها. لقد ذهب هذا الشاعر الكبير إلى الشرق والى محي الدين بن عربي تحديدا، وكانت تجربة العشق من حيث هو مفهوما صوفيا إلى حدان كتب عن العالم السفلي في كتابه الشعري، أميراميجيون.