مصر تخصص أول دخل لقناة السويس بعد تأميمها لدعم الثورة الجزائريةفي الحلقة الثالثة من الثورة الجزائرية نصل إلى لحظة المواجهة بين الظالم والمظلوم، بين الناهب الفرنسي والمنهوب الجزائري، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وعدت فرنسا الجزائريين بالاستقلال إذا ساعدوها في التخلص من النازي، لكن وعود المستعمرين دائماً كاذبة، ففي أول تظاهرة جزائرية بعد انتهاء الحرب حصد الجنود الفرنسيون أرواح الآلاف، وبدا للجميع أن الكفاح المسلح هو الحل. خرج الجزائريون في مسيرات تظاهرية سلمية لمطالبة فرنسا بالوفاء بالوعد، وكان رد هذه الأخيرة بالسلاح والاضطهاد الوحشي ضد شعب أعزل، وكانت مجازر رهيبة شملت مدن سطيف وقالمة وخراطة، سقط خلالها ما يزيد على 45000 شهيد.لقد اعتقد الجزائريون، كبقية شعوب العالم التي كانت خاضعة لأنظمة استعمارية استبدادية، أن الوقت قد حان كي تعترف فرنسا باستقلال الجزائر، خاصة أن مئات الجزائريين شاركوا في الحرب إلى جانب الحلفاء، وعانوا الكثير من ويلاتها، لكن تبددت أحلامهم أمام تجبر سلطات الاستعمار، فزادت حدة الرفض الشعبي، والتهبت حمية الجزائريين، وأدرك الشعب أنه لا حرية له ولا استقلال إلا عن طريق النضال والكفاح المسلح، فوهبوا أنفسهم لتحرير وطنهم أو الاستشهاد في سبيله، من دون خيار ثالث.جيش التحرير الوطنيلم يكد يمر قرن وربع من المقاومة غير المنظمة، حتى انطلقت الثورة الشعبية المسلحة في الجزائر ضد المستعمر الفرنسي بشكل منظم، لقد حصد المستعمر زهرة شبابهم إلى أن انصهرت إرادتهم، واتفقوا على أن يجتمعوا خلف قيادة موحدة من خيرة الشباب الجزائريين، وأن تتم أعمال المقاومة من خلال خطط منظمة، وهكذا التقت إرادة جميع قادة المقاومة بالجزائر.في 23 مارس 1954 تأسست اللجنة الثورية لوحدة العمل، بمبادرة من قدماء المنظمة السرية، وبعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، وقد جاءت كرد فعل على النقاش العقيم الذي كان يدور حول الشروع في الكفاح المسلح وانتظار ظروف أكثر ملاءمة، باشر مؤسسوها العمل فورا، فعينوا لجنة مكونة من 22 عضواً حضرت للكفاح المسلح، وانبثقت منها لجنة قيادية تضم ستة أعضاء، وعرفت باسم «لجنة الستة».لقد أيقن الجزائريون أن المستعمر الفرنسي لا تجدي معه المقاومة السياسية، بقدر ما تهزه القوة التي لا يؤمن بغيرها، معتقدين أن تحرير الجزائر ليس بالأمر المستحيل، حيث كانت ثورة يوليو 1952 في مصر قد نجحت في تحريرها من المستعمر الإنكليزي.ورأى قادة المجاهدين في الجزائر أن يتصلوا بقادة الثورة المصرية، ليتم التعاون بين الجانبين والاستفادة من الجانب المصري في مجال التخطيط العسكري، وكان أحمد بن بلة في مقدمة من ذهبوا إلى مصر، والتقى الرئيس جمال عبدالناصر.في القاهرة، تم وضع اللمسات الأخيرة للتحضير لاندلاع الثورة التحريرية في اجتماعي 10 و24 أكتوبر 1954، من طرف «لجنة الستة» ومجلس قيادة الثورة المصري، وناقش المجتمعون قضايا، منها: - إعطاء تسمية للتنظيم الذي كانوا بصدد إعلانه ليحل محل اللجنة الثورية للوحدة والعمل، وقد اتفقوا على إنشاء «جبهة التحرير الوطني» وجناحها العسكري المتمثل في «جيش التحرير الوطني»، وتهدف المهمة الأولى للجبهة إلى الاتصال بجميع التيارات السياسية المكونة للحركة الوطنية، بقصد حثها على الالتحاق بمسيرة الثورة، وتجنيد الجماهير للمعركة الحاسمة ضد المستعمر الفرنسي.- تحديد تاريخ اندلاع الثورة التحريرية، والاتفاق على أن تكون ليلة (الأحد) إلى (الاثنين) أول نوفمبر 1954، كبداية انطلاق العمل المسلح، وتحديد هذا التاريخ لم يكن عشوائيا، بل خضع لمعطيات تكتيكية وعسكرية، منها وجود عدد كبير من جنود وضباط جيش الاحتلال في عطلة نهاية الأسبوع، يليها انشغالهم بالاحتفال بعيد مسيحي، وضرورة إدخال عامل المباغتة.- تحديد خريطة المناطق وتعيين قادتها بشكل نهائي، ووضع اللمسات الأخيرة لخريطة المخطط الهجومي في ليلة أول نوفمبر، وتم تقسيم ميدان القتال ضد المستعمر إلى خمس مناطق، ولكل منطقة قائد.كانت بداية الثورة بمشاركة 1200 مجاهد، بحوزتهم 400 قطعة سلاح، وبضعة قنابل تقليدية، أي قطعة سلاح واحدة لكل ثلاثة أفراد، في مقابل عدو يمتلك الدبابات والطائرات والمدفعية الثقيلة، وكانت العمليات الهجومية تستهدف مراكز الدرك والثكنات العسكرية ومخازن الأسلحة ومصالح استراتيجية أخرى، إضافة إلى الممتلكات التي استحوذ عليها الجنود.البيان الأول للثورةوفي ليلة أول نوفمبر من سنة 1954 شن المجاهدون ثلاثين هجوماً في معظم أنحاء الجزائر، على المراكز الحساسة للسلطات الاستعمارية، وقد توزعت العمليات على معظم أنحاء التراب الجزائري، حتى لا يمكن قمعها كما حدث لثورات القرن التاسع عشر، بسبب تركزها في جهات محدودة.وكانت هجمات المجاهدين موزعة طبقا لخريطة التقسيم الجغرافي لعمليات المقاومة، التي تم الاتفاق عليها وإقرارها من قبل لجنة الستة، وكانت حصيلة العمليات المسلحة في هذه الليلة المجيدة، حسب اعترافات سلطات المحتل الفرنسي، مقتل 10 أوروبيين وعملاء، وجرح 23 منهم، وخسائر مادية تقدر بمئات الملايين من الفرنكات الفرنسية، لكن سقط الكثير من خيرة المجاهدين شهداء في تلك الليلة.طبعاً سبق العمل المسلح إعلان ميلاد «جبهة التحرير الوطني» التي أصدرت أول تصريح رسمي لها يعرف بـ«بيان أول نوفمبر»، وقد تم بث هذا البيان عبر أثير إذاعة «صوت العرب» من القاهرة إلى الشعب الجزائري مساء 31 أكتوبر 1954، ثم تم توزيعه صباح أول نوفمبر على شكل منشور في جميع أنحاء الجزائر، حدد فيه قادة الثورة مبادئها ووسائلها، ورسمت أهدافها المتمثلة في الحرية والاستقلال، ووضع أسس إعادة بناء الدولة الجزائرية والقضاء على النظام الاستعماري.وأوضحت الجبهة في بيانها الأول الشروط السياسية التي تكفل تحقيق ذلك دون إراقة الدماء أو اللجوء إلى العنف، كما شرحت الظروف المأساوية للشعب الجزائري، والتي دفعت به إلى حمل السلاح لتحقيق أهدافه القومية الوطنية، مبرزة الأبعاد السياسية والتاريخية والحضارية لهذا القرار التاريخي، وكان بيان أول نوفمبر 1954 بمنزلة دستور الثورة ومرجعها الأول الذي اهتدى به قادة ثورة التحرير، وسارت على دربه الأجيال.الدعم المصريقامت مصر خلال الخمسينيات والستينيات بتبني قضية الجزائر وتدعيمها، حيث أكد كريستيان بينو (وزير خارجية فرنسا وقتها) أن التمرد في الجزائر لا تحركه سوى المساعدات المصرية، فإذا توقفت هذه المساعدات فإن الأمور كلها ستهدأ، لوجود مليون مستوطن فرنسي في الجزائر، ولأن فرنسا اعتبرت الجزائر جزءاً لا يتجزأ من فرنسا.وكان جي موليه رئيس وزراء فرنسا يرى أيضا أن مصر بمنزلة الرأس للثورة الجزائرية، وإذا قطعوا الرأس لن يكون للجسد (الثورة الجزائرية) أي حياة، وكان هذا الدور المصري الفعال في دعم ثورة الجزائر، هو أحد الأسباب الرئيسية في العدوان الثلاثي على مصر، الذي قامت به انكلترا وفرنسا وإسرائيل عام 1956.ولهذا أصدرت جبهة التحرير الوطني الجزائرية بيانا في هذه المناسبة قالت فيه: «لا ينسى أي جزائري أن مصر الشقيقة تعرضت لعدوان شنيع كانت فيه ضحية تأييدها للشعب الجزائري المناضل، ولا ينسى أي جزائري أن انتصار الشعب المصري في معركة بورسعيد التاريخية ليس إلا انتصاراً لواجهة من واجهات القتال العديدة التي تجري في الجزائر منذ ثمانية وثلاثين شهراً، وأن الشعب الجزائري المنهمك في معركته التحريرية الكبرى ليبعث إلى الشعب المصري الشقيق وبطله الخالد جمال عبد الناصربأصدق عواطف الأخوة والتضامن، وعاشت العروبة حرة خالدة، وعاش العرب تحت راية الاستقلال والعزة والمجد».دعمت مصر ثورة الجزائر بالسلاح والخبراء، فكانت مصر الداعم الأول والأهم لها، الأمر الذي دفع بن غوريون (أول رئيس وزراء لإسرائيل) إلى أن يصرح قائلا: «على أصدقائنا المخلصين في باريس أن يقدروا أن عبدالناصر الذي يهددنا في النقب، وفي عمق إسرائيل، هو نفسه العدو الذي يواجههم في الجزائر».كان تأييد مصر للقضية الجزائرية، ولكل مطالب جبهة التحرير الوطني مطلقا، ومتشددا، ومن دون تحفظ، حتى لو تعلق الأمر بعلاقة مع دولة كبرى لها مصالح حيوية واستراتيجية معها مثل الاتحاد السوفياتي، وذلك ما عبر عنه الرئيس عبدالناصر في تحذيره للزعيم السوفياتي خروتشوف من الانسياق وراء محاولات ديغول لزيارة حاسي مسعود (منطقة آبار بترولية جزائرية كبرى بالصحراء).كانت أول صفقة سلاح من أوروبا الشرقية بتمويل مصري، حيث أرسلت مصر الجزء الأكبر من هذه الصفقة للثوار الجزائريين، كما قدمت مصر 75 في المئة من الأموال التي كانت تقدمها جامعة الدول العربية للثورة الجزائرية والمقدرة بـ12 مليون جنيه سنويا.كما خصصت مصر، بقرار من جمال عبدالناصر، الدخول الأولى من تأميم قناة السويس (بلغت 3 مليارات فرنك فرنسي) للكفاح الجزائري.وبجانب تقديم الدعم العسكري والسياسي، خصصت مصر إذاعة «صوت العرب» لدعم الشعب الجزائري، وكانت هذه الإذاعة بمنزلة صوت الثورة الجزائرية، ولعبت دورا خطيرا في تلك الثورة.المراحل الأربعوقد مرت الثورة بأربع مراحل حتى نالت الجزائر استقلالها، وهي كالآتي:المرحلة الأولى (54-56): تركز العمل فيها على تثبيت الوضع العسكري وتقويته، ومد الثورة بالمتطوعين والسلاح والعمل على توسيع إطار الثورة لتشمل جميع أنحاء البلاد، وكان رد الفعل الفرنسي القيام بحملات قمع واسعة للمدنيين وملاحقة الثوار.المرحلة الثانية (56-58): شهدت هذه المرحلة ارتفاع حدة الهجوم الفرنسي المضاد للثورة من أجل القضاء عليها، إلا أن الثورة ازدادت اشتعالاً وعنفاً بسبب تجاوب الشعب معها، وأقام جيش التحرير مراكز جديدة ونشطت حركة الفدائيين في المدن، كما تمكن جيش التحرير من إقامة بعض السلطات المدنية في بعض مناطق الجنوب الجزائري وأخذت تمارس صلاحياتها على جميع الصعد.المرحلة الثالثة (58-60): كانت هذه المرحلة من أصعب المراحل التي مرت بها الثورة الجزائرية، إذ قام المستعمر الفرنسي بعمليات عسكرية ضخمة ضد جيش التحرير الوطني، وفي هذه الفترة، بلغ القمع الفرنسي حده الأقصى في المدن والأرياف، وفرضت على الأهالي معسكرات الاعتقال الجماعي في مختلف المناطق.أما رد جيش التحرير، فقد كان يخوض معارك عنيفة ضد الجيش الفرنسي، واعتمد خطة توزيع القوات على جميع المناطق من أجل إضعاف قوات العدو المهاجمة، وتخفيف الضغط على بعض الجبهات، إضافة إلى فتح معارك مع العدو من أجل انهاكه واستنزاف قواته وتحطيمه.وفي 19 سبتمبر عام 1958 تم إعلان الحكومة الجزائرية المؤقتة برئاسة فرحات عباس، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه الحكومة هي الممثل الشرعي والناطقة باسم الشعب الجزائري، وأعلنت في أول بيان لها موافقتها على إجراء مفاوضات مع الحكومة الفرنسية، بشرط الاعتراف المسبق بالشخصية الوطنية الجزائرية.وفي نوفمبر من عام 1958 شن جيش التحرير الوطني هجوماً على الخط المكهرب على الحدود التونسية، كما خاض مع الجيش الفرنسي معارك عنيفة في مختلف أنحاء الجزائر، وعلى الصعيد السياسي، طرحت قضية الجزائر في الأمم المتحدة، وفي مؤتمر الشعوب الإفريقية بـ»أكرا»، ولاقت التضامن والدعم الكاملين والتأييد المطلق لها، وفي ديسمبر من عام 1958 ألقى الجنرال ديغول خطابا في الجزائر العاصمة أشار فيه إلى الشخصية الجزائرية، وانتخب في 22 من هذا الشهر رئيساً للجمهورية الفرنسية.وفي 16 سبتمبر 1959، أعلن ديغول اعتراف فرنسا بحق الجزائر في تقرير مصيرها، وكان جواب الحكومة الجزائرية المؤقتة قبولها مبدأ تقرير المصير، واستعدادها للتفاوض المباشر في الشروط السياسية والعسكرية لوقف القتال، وتوفير الضمانات الضرورية لممارسة تقرير المصير.المرحلة الرابعة (1960-1962): وهي المرحلة الحاسمة والأخيرة، وخلالها حاول الفرنسيون حسم القضية الجزائرية عسكرياً، ولكنهم لم يفلحوا في ذلك، لأن جذور الثورة كانت قد تعمقت وأصبحت في كل مكان، وأضحى من الصعب، القضاء عليها. ورغم هذا الواقع، فقد جرد الفرنسيون عدة حملات عسكرية ضخمة على مختلف المناطق الجزائرية، ولكنها جميعا باءت بالفشل، وتكبد الجيش الفرنسي خلالها خسائر فادحة، وفي شهر يناير 1960 تم تشكيل أول هيئة أركان للجيش الجزائري، الذي كان متمركزاً على الحدود الجزائرية - التونسية، والجزائرية - المغربية، وتم تعيين العقيد هواري بومدين أول رئيس لأركان هذا الجيش.فرنسا تقبل التفاوضفي هذه الفترة بالذات، تصاعد النضال الجماهيري تحت قيادة الجبهة، وقد تجسّد ذلك في مظاهرات 11 ديسمبر 1960، وتم خلال هذه الفترة عقد المؤتمر الثاني لجبهة التحرير الوطني في مدينة طرابلس بليبيا عام 1961.أما على الصعيد السياسي، فقد عقدت الدورة 16 للأمم المتحدة (سبتمبر 1961 وفبراير 1962)، وأمام أهمية الاتصالات المباشرة بين جبهة التحرير والحكومة الفرنسية، فإن الأمم المتحدة دعت الطرفين لاستئناف المفاوضات بغية الشروع في تطبيق حق الشعب الجزائري في حرية تقرير المصير والاستقلال، وفي إطار احترام وحدة التراب الجزائري.وهكذا انتصرت وجهة نظر جبهة التحرير الوطني، وأُجبرت فرنسا على التفاوض بعد أن تأكدت أن الوسائل العسكرية والقمعية لم تنفع، خاصة بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به حملاتها الضخمة، وعدم فعالية القمع البوليسي في المدن، ورفض الشعب الجزائري المشاركة في الانتخابات المزورة واستحالة إيجاد «قوة ثالثة» تكون تابعة للمستعمر بأي حال.وقام الفرنسيون بمناورات عدة وتهديدات كثيرة لتحاشي التفاوض، وعملوا كل ما بوسعهم لتصفية جيش التحرير الوطني كقوة عسكرية وسياسية، فتهربت فرنسا من كل محاولات التفاوض النزيه عاملة على إفراغ حق تقرير المصير من محتواه الحقيقي، متوهمة بذلك أنها ستنتصر عسكرياً على الثورة. وكان يقابل سياسة المفاوضات هذه، حرب متصاعدة في الجزائر بهدف تحقيق النصر، فقد كان الفرنسيون يعتقدون أن رغبة جبهة التحرير في السلم وقبولها للاستفتاء يعتبر دليلا على الانهيار العسكري لجيش التحرير الوطني، إلا أن الجبهة عادت وأكدت من جديد أن الاستقلال ينتزع من سالبه ولا يوهب منه، فاتخذت جميع التدابير لتعزيز الكفاح المسلح.وبعد كل ذلك عادت فرنسا لتقدم لمندوبي جبهة التحرير صورة كاريكاتورية للاستقلال عبارة عن جزائر مقطوعة عن أربعة أخماسها (الصحراء) وقانون امتيازي للفرنسيين، فرفضت الجبهة المقترحات جملة وتفصيلا، ولما عجزت فرنسا عن حل القضية بانتصار عسكري، أجرت اتصالات ومفاوضات جديدة لبحث القضايا الجوهرية، وقد دخلت هذه المرة مرحلة أكثر إيجابية، وتحددت الخطوط العريضة للاتفاق، أثناء مقابلة تمت بين الوفد الجزائري والوفد الفرنسي في قرية فرنسية بالقرب من الحدود السويسرية.بعد ذلك، عقدت مجموعة اجتماعات حول إيقاف القتال في إيفيان بسويسرا، خلال الفترة من 7 إلى 18 مارس 1962 تدارست الوفود خلالها تفاصيل الاتفاق، وكان الانتصار حليف وجهة نظر جبهة التحرير، وتوقف القتال في 19 مارس بين الطرفين، وتحدد يوم الأول من يوليو لإجراء استفتاء شعبي.وفي 2 يوليو تم فرز الأصوات، وكانت حصيلة النتائج لمصلحة الاستقلال بأغلبية كاسحة، مثلما أكدته اللجنة المكلفة بمراقبة سير الاستفتاء، في صباح يوم 3 يوليو 1962، فقد قال حوالي 6 ملايين جزائري «نعم» للاستقلال.لقد صوت الجزائريون جماعياً لمصلحة الاستقلال، وبذلك تحقق الهدف السياسي والأساسي الأول لحرب التحرير، بعد أن دفع الشعب الجزائري ضريبة الدم غالية في سبيل الحرية والاستقلال، وبعد أن استمرت الحرب قرابة ثماني سنوات سقط خلالها ما يقرب من مليون ونصف المليون شهيد.وقد صادف بدء انسحاب القوات الفرنسية في 5 يوليو 1962، يوم دخولها الجزائر 5 يوليو 1830، أي بعد 132 عاما من الاستعمار، كما انسحبت هذه القوات من نفس المكان الذي دخلت منه إلى الجزائر في منطقة «سيدي فرج» القريبة من الجزائر العاصمة، وتم في هذا اليوم تعيين أحمد بن بيلا كأول رئيس لجمهورية الجزائر المستقلة بعد خروجه من السجون الفرنسية مع عدد من قادة الثورة وكوادرها.
توابل
ثورة الجزائر (1954 - 1962)(3/3): 7 أعوام من الكفاح تطرد 132 عاماً من الاستعمار
03-08-2011