سوف يحفظ كتاب التاريخ ثمانية عشر يوماً من هذا العام، على أنَّها الأيام الأكثر أهميَّة في التاريخ المصري الحديث، وربما في التاريخ العربي كله، ففي اللحظة التي شاهد فيها مواطنو أوروبا وأميركا وآسيا وأستراليا رئيس جمهورية مصر العربية وهو يسقط ويُحاكم عرف أغلب سُكان كوكب الأرض أن تاريخاً جديداً يُكتب للعرب. التاريخ سوف يسجِّل قصة اعتصام شعب ـ بكل أطيافه وفئاته ونجومه وبسطائه ـ في ميدان واحد في قلب العاصمة بوصفها "الأسطورة" المصرية الجديدة، أسلوب المصريين في الاحتجاج، بصمتهم في تغيير العالم، وهي البصمة التي لا تزال شعوب عربية وعالم ثالثية عدة تبحث عنها. لا شك أن التاريخ، الذي يُعيد قراءة الأحداث دون أن يمل من تكرارها، سوف يعتبر الثورة المصرية واحدة من أسرع ثوراته وأكثرها إدهاشاً وكوميدية، لقد أسقط حفنة من الشباب عرش مبارك كأنهم يتجاذبون كرة في لعبة وحشية، يُقتل فيها الشرفاء ـ كالعادة ـ ويُعالج فيها المستبدون في مستشفيات باذخة. وبينما تحكي سنة 2011 عن أكثر من عشرة آلاف شهيد في ثورة ليبيا ضد ديكتاتورية العقيد المذبوح معمر القذافي، وتحكي عن ستة آلاف شهيد في دولة الدكتور بشار الأسد، تكتشف كم أن الشعب المصري كان عظيماً، حين فهم طغاته دائماً، أنهم يستطيعون أن يحكموه بالحديد والنار، خصوصاً وهم يرفلون في  النعيم، حتى تغوص أرجلُهم في الرمال الناعمة، التي سرعان ما سوف تجرفهم إلى الحضيض"، هكذا قال محمد حسنين هيكل ذات مرة عن ثورات المصريين. سيذكر التاريخ أنها السنة التي سقط فيها الديكتاتور الأكثر بؤساً بين كل طغاة العالم الثالث، سقوطاً أخرس من دون أي جلبة، كأنَّه سقط ميتاً، بعد ثلاثين عاماً من الجلوس على عرش يرتفع فوق أنقاض عشش الفقراء في "العشوائيات"، وسكان المقابر، على عرش تضاعف الفقراء تحته ـ بفعل تآكل الطبقة الوسطى ـ إلى أن أصبح 40% من السكان تحت خط الفقر، وزادت البطالة وانسد الأفق السياسي والعلمي والتعليمي والثقافي، وأصبحت مصر خراباً، من دون حتى أن يكون الأمبراطور العجوز قادراً على فعل شيء، لقد كان مكبَّلاً كما يليق بسجين يقضي فترة العقوبة، وينتظر مَن يفتح له باب الخلاص. سوف يذكر التاريخ أن ثمانية عشر يوماً كانت كافية لكي يغرِّد في الميدان كل الذين أخرسهم النظام، مئات المطربين وعشرات الممثلين وآلاف الشعراء وعشرات الآلاف من الرسامين والمصورين والكتاب والمنظِّرين والفلاسفة والعشاق، سيذكر التاريخ أن ثمانية عشر يوماً في ميدان التحرير صنعت خيالاً جديداً في الوجدان الإنساني، ومنحت المصريين تحية كبيرة على نهوضهم الجارف ضد الظلم والاستبداد.

Ad

في سنة كهذه يصعب الحصاد... بالنسبة للمصريين تستطيع أن تقول إنها كانت سنة الحرية تماماً، مثلما هي سنة الشهداء. بالنسبة للمتفائلين هي سنة النقاء الثوري وسقوط الديكتاتور المخلوع والمليونيات وانهيار مشروع التوريث وتراجع الفساد والعودة إلى ما قبل «اقتصاد الخصخصة»، أما بالنسبة للمتشائمين فهي سنة الفلول والسلفيين والبلطجية وأبناء مبارك و«أمن الدولة» مرتدياً لباس «الأمن الوطني».. حين سُئل رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني عن ثورة مصر التي جعلت من هذه السنة علامة فارقة، قال جملته الشهيرة: «لست مندهشاً، المصريون كالعادة يكتبون التاريخ». طبعاً، هي سنة الشعب يريد إسقاط النظام والـ «فيس بوك» والفراغ الأمني واللجان الشعبية والأغاني السياسية والمسرح الفقير، سنة «الرجل الواقف خلف عمر سليمان» وخطاب التنحِّي، سنة الرئيس الذي يفضِّل أن يُحاكم دائماً وهو يداعب أنفه، سنة القبض على أحمد عز وزهير جرانة وحبيب العادلي، سنة التظاهرات والمنشورات والانتخابات وحريق «المجمع العلمي»، لكنها قبل كل ذلك سنة الثورة، أي سنة الألف شهيد، و«المجلس العسكري» و«الدستور أولاً» و«نعم مع الله»، سنة حزب «النور» و«الحرية والعدالة» ومينا دانيال والشيخ عماد الدين عفت.

حشود من المصريين في إحدى المليونيات التي أسقطت نظام مبارك، في 18 يوماً، وميدان التحرير بحجمه المميز وشكله الدائري صار تميمة خلال العام الذي نودعه، فطوال أيام اعتصام المصريين بالتحرير لإسقاط النظام السابق كانت أنظار العالم وكاميراته مسلطة على هذا الميدان، تشاركه الفرحة يوم سقوط مبارك 11 فبراير عام 2011.

في الأيام الأولى لنزول القوات المسلحة إلى شوارع القاهرة، كانت الفرحة الشعبية هائلة، شعب بكامله يخرج مبتهجاً، لأن جيشه بدا وكأنه يحميه من بطش رئيس فاسد، بعضهم احتضن الجنود في الميدان كما يبدو في الصورة العائدة ليوم 13 فبراير، والكل كان يهتف وقتها "الجيش والشعب إيد واحدة"، لكن في الأيام الأخيرة من العام انقلبت الصورة رأساً على عقب، بعد أحداث مجلس الوزراء في ديسمبر الجاري.

قوات الشرطة تحرس مستشفى شرم الشيخ خلال الفترة التي أمضى فيها الرئيس المخلوع حسني مبارك فترة إقامته عقب إعلان القبض عليه ونجليه بعدة تهم سياسية وتهم تتعلق بالفساد.

نساء من الأقباط يرفعن الصلبان وصور المسيح "عليه السلام" في تظاهرة أمام مبنى ماسبيرو 19 مايو، احتجاجاً على هدم كنيسة "أطفيح" على أيدي عناصر قيل إنهم متشددون على صلة بأجهزة الأمن، حيث قاموا بهدم الكنيسة وحرقها، ما اضطر القوات المسلحة إلى التكفل بإعادة الكنيسة كما كانت خلال أسابيع، وتم افتتاحها بعد التجديد والقضاء على الفتنة.

مبارك يترنح في لحظات حكمه الأخيرة، حيث أصدر في 5 فبراير قراراً بتكليف الفريق أحمد شفيق رئاسة الوزراء، بعد أيام من اندلاع الثورة، لا الرئيس ولا الفريق كان يدرك في هذه اللحظة بالتحديد أن الأيام التي هي في الحقيقة دول لن تبقي واحداً منهم على مقعده بعد أيام من هذا اللقاء، فقد تنحى مبارك بعدها بأيام، وقرر الثوار في التحرير بعد خلع مبارك إسقاط حكومة شفيق، فسقطت في نفس اليوم.

نبيل العربي يصفق في 16 مايو بعد إعلانه أميناً عاماً للجامعة العربية، بعد مفاوضات فشلت في إقناع أطراف عربية بترشيح الدكتور مصطفى الفقي، وقد كان العربي وزيراً للخارجية فترك المنصب الوزاري ليتفرغ لمهام الأمانة العامة للجامعة العربية.

طوابير المصريين تصطفُ أمام إحدى مدارس القاهرة خلال اليوم الأول من انتخابات مجلس الشعب "الغرفة الأولى للبرلمان"، والتي بدأت مرحلتها الأولى 28 نوفمبر، وشهدت تقدماً ملحوظاً للأحزاب الدينية على رأسها الحرية والعدالة "الإخواني" والنور "السلفي".

"المجمع العلمي" في شارع قصر العيني يحترق في أحداث مجلس الوزراء، في 19 ديسمبر، بينما أحد المتظاهرين يلقي حجراً على جنود القوات المسلحة، التي وجدت نفسها تعترف بدخولها معارك مع متظاهرين يطالبون بتسليم السلطة إلى مدنيين، والمجمع الذي يضم واحدة من أعرق مكتبات العالم تعرضت مخطوطاته النادرة للحرق، وخسرت الإنسانية نسخة أصلية من كتاب علماء الحملة الفرنسية "وصف مصر".

الناشط في ثورة 25 يناير وائل غنيم، أحد المسؤولين عن صفحة «كلنا خالد سعيد» على الـ«فيس بوك» التي فجرت الاحتجاجات يهتف في ميدان التحرير في 6 فبراير دفاعاً عن سلمية الثورة، مطالباً الشباب بالحرص على أهدافها.

الرئيس المخلوع حسني مبارك يقبع على سرير في قفص المحكمة في أول جلسة لمحاكمته في القاهرة في 4 أغسطس 2011. وردّ مبارك حينئذ على القاضي الذي نادى عليه قائلاً: «أفندم... أنا موجود»، وهي عبارة لاقت كثيراً من التعليقات لأنها خرجت من رئيس كان يُعامَل كحاكم مطلق على مدى 30 عاماً.

أيام خالدة في تاريخ الثورة: 25 يناير أبرزها و11 فبراير أهمها

25 يناير اندلاع المظاهرات في شوارع القاهرة وبعض المحافظات، مطالبة بالتغيير والحرية والعدالة الاجتماعية وصلت إلى مليون متظاهر.

28 يناير الملايين تتظاهر تضامناً مع متظاهري 25 يناير ضد آلة القمع الأمنية، وشهد هذا اليوم مشاركة أولية من التيارات الإسلامية وسقط فيه عدد كبير من القتلى والجرحى، في القاهرة والسويس والإسكندرية.

2  فبراير أتباع قيادات الحزب "الوطني" وفلوله يقتحمون ميدان التحرير بالخيول والجمال، بعد ساعات من خطاب ثان لمبارك جاء عاطفياً، مما أسفر عن سقوط مئات المصابين وعشرات الشهداء في صفوف المتظاهرين وعُرف بـ "موقعة الجمل".

11 فبراير اللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصري السابق يعلن بصوت مؤثر تنحي الرئيس مبارك من منصبه، فرقصت الملايين طرباً حتى الصباح وقدرت حينها بأكثر من عشرة ملايين متظاهر في أنحاء الجمهورية.

13 فبراير القوات المسلحة تذيع بياناً رقم "1" تعلن فيه الالتزام بالمعاهدات الدولية مع الإبقاء على حكومة أحمد شفيق التي كلفها مبارك قبل رحيله.

17 فبراير  اعتقال وزير الداخلية السابق حبيب العادلي ووزير الإسكان السابق أحمد المغربي ووزير السياحة السابق زهير جرانة وأمين التنظيم السابق في الحزب "الوطني" المنحل رجل الأعمال أحمد عز.

19 مارس ملايين المصريين تصطف في الطوابير لساعات، للإدلاء بأصواتهم في استفتاء على بعض التعديلات الدستورية الخاصة بالفترة الانتقالية.

8 أبريل انضمت مجموعة من ضباط الجيش للمتظاهرين في ميدان التحرير تضامناً مع أهداف الثورة وفي الساعات الأولى من صباح 9 أبريل فرقت القوات العسكرية المتظاهرين بعنف.  7 مايو هجوم على كنيسة "ماري مينا" في إمبابة بالجيزة وأشعلت النيران فيها، توفي اثنا عشر شخصاً في الاشتباكات وجرح 186.

15 مايو احتجاجات خارج السفارة الإسرائيلية في القاهرة تضامناً مع الفلسطينيين، وتم تفريق المتظاهرين باستخدام الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وانتهت الحادثة بإصابة 350 شخصاً وأكثر من 150 معتقلاً.

28 يونيو اشتباكات بين متظاهرين وقوات من الشرطة بعد تعرض أسر شهداء يناير لهجوم قرب مسرح البالون في العجوزة، وقالت لجنة تقصي الحقائق إن الاشتباكات كانت متعمدة.

23 يوليو آلاف المتظاهرين يحاولون التوجه إلى مبنى وزارة الدفاع في مسيرة تبدأ من التحرير، احتجاجاً على عدم تنفيذ مطالب اعتصام 8 يوليو، وأسفرت الهجمات على المسيرة في وفاة الناشط محمد محسن.

9 أكتوبر "الأحد الدامي" آلاف من الأقباط يشاركهم مسلمون يخرجون أمام مبنى التليفزيون المصري، احتجاجاً على تدمير وحرق كنيسة "ماريناب" في محافظة أسوان الجنوبية، والشرطة العسكرية واجهتهم بعنف أودى بحياة 24 وجرح المئات، ومات عدد منهم تحت عجلات مدرعة عسكرية.

20 نوفمبر مواجهات دامية بين متظاهرين وقوات الشرطة بشارع محمد محمود المتفرع من ميدان التحرير، استخدمت فيها الشرطة غازات مسيلة للدموع وصفتها تقارير حقوقية عدة بالمحرّمة دولياً.

16 ديسمبر قوات الشرطة العسكرية التابعة للجيش تحاول فض اعتصام نشطاء الثورة أمام مجلس الوزراء مما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 15 شخصاً وإصابة المئات.