الرجل الذي ننشر صورته اليوم هو المرحوم محارب ناصر سالم القحطاني، وسبب اهتمامي به هو أنني حينما نشرت كتاب «السيارة في التاريخ الكويتي» قبل عام تقريباً لم يكن عندي علم بتاريخه ومهاراته، ولذلك لم أكتب عنه شيئاً في ذلك الكتاب، رغم أنه يستحق ذلك استحقاقاً كاملاً. وبعد أن التقيت ابنه سمير (أبوحمد) في الشهر السابع من هذا العام، وسمعت منه بعض التفاصيل عن حياة والده، رحمه الله، ثم التقيت بعد ذلك ابنه الأكبر أحمد، أحسست أنني لابد أن أنشر شيئاً عن حياة هذا الرجل النادر في «الجريدة» لأوثق حياته، وأطلع القراء الكرام على سيرة رجل معطاء من أهل الكويت.

Ad

ولد محارب (كما هو معروف بين الناس باسمه الأول) في سلطنة عمان عام 1902، وقدم الى الكويت مع النوخذة المرحوم حسين عبدالرحمن العسعوسي وهو صغير السن لم يتجاوز عمره عشر سنوات.

كان والد محارب يعمل في تصليح سفن الكويتيين الراسية في ميناء مدينة مسقط العمانية، وهناك توطدت علاقته بالنوخذة العسعوسي، والنوخذة المرحوم عيسى عبدالوهاب القطامي، الذي توفي في بيت والد محارب، ودفن في تلك المدينة عام 1929.

تميز محارب منذ صغره بفطنته البالغة، فكان يتعلم بسرعة كبيرة، بل كان يتعلم ذاتياً في الكثير من الأحيان، وكان لا يتوقف عند حد. سافر إلى الهند، وهناك تعلم قيادة السيارة، وتعرف على آلية عملها، فأصبح بعد فترة قصيرة من أشهر الميكانيكيين في الكويت. زكّاه المرحوم حسين العسعوسي للتاجر شملان بن علي لتصليح مركب (لنج) للطواشة يشتغل بماكينة وقود، وكان هذا المركب «عطلان» منذ فترة، ولم يستطع أحد إصلاحه، فقام محارب بإصلاحه خلال ثلاثة أيام، وأصبح من رجال شملان بعد ذلك، يلازمه في الكثير من نشاطاته البحرية. وبعد سنوات سمع عن مهارته الشيخ صباح السالم الصباح، فطلب منه إصلاح سياراته، ففعل وبعدها عينه الشيخ صباح في دائرة الشرطة (الأمن العام)، وأصبح من الأشخاص القريبين منه، وكان الشيخ صباح السالم، رحمه الله، يحرص على مرافقة محارب له في رحلات القنص، والرحلات البرية، والبحرية، ورحلته إلى الحج بالسيارات، وذلك لمهارته في التعامل مع السيارة والماكينة.

انتقل للعمل في دائرة الأشغال في منتصف الخمسينيات، وكان موقعه في كراج الأشغال مع أمهر السائقين وأفضل الميكانيكيين في الكويت أمثال عيسى العبدالجادر، وخالد عيسى العمر، وحمود ثنيان الردعان، وراشد الشبلي، وسليمان ناصر السعيد، وفهد العبدالجادر، وغيرهم.

وفي فترة الأربعينيات اشترى سيارة نقل، واشتغل في نقل المواد والبضائع بين الكويت والرياض، واشترى في إحدى المرات مجموعة كبيرة من البطاريات المحترقة من شركة نفط الكويت، وقام بإصلاح الكثير منها من خلال استعمال القطع السليمة في هذه البطاريات، وقام أيضاً بتصنيع مياه مقطرة بطريقة بدائية من اختراعه، وأخذ يؤجر البطاريات على المقاهي في المرقاب لتشغيل الراديوهات.

وتوسع بعد ذلك في تصنيع المياه المقطرة، فقام ببيعها في الكويت وإيران والعراق، وبذلك ربما يكون أول كويتي يصنع المياه المقطرة ويصدرها إلى الخارج، وكان يشجع الأولاد ويكافئهم إذا جلبوا له زجاجات فارغة من الشارع، ويعطي لمن يجلب كراتين الزجاجات مبلغاً أكبر.

كان، رحمه الله، قوي البنية، ويعتمد على قوته الذاتية ويديه في تصليح السيارات وغيرها. وكان بذكائه النادر يصنع معجوناً قوياً، بخلط الأسمنت مع بياض البيض، ويستخدمه في سد أية فتحات في الراديتر، وكذلك في إغلاق فتحات الماكينة (الفلسات). تعلم آلية عمل ماكينة الخياطة، وأصبح فناناً في إصلاح أعطالها، ودرس خطوط الهاتف بنفسه، وأصلح أعطال خطوط هاتف الشيخ صباح السالم وغيره. وكان يردد على أبنائه ما يلي:

«ليس هناك سيارة سيئة، بل هناك سائق سيئ».

«إذا قدت سيارتك، فاعتبر أن من حولك مجانين، وأنت العاقل الوحيد».

وكان علاوة على كل ذلك ذا ذاكرة قوية، يحفظ الأحداث والأحوال، ويحفظ الكثير من الشعر الشعبي وكذلك الشعر الفصيح، بل كان يقول الشعر وينظمه، وله أبيات متبادلة مع الشيخ صباح السالم الصباح رحمه الله. سكن منطقة الخالدية عام 1972، في قطعة 2 بجوار بيت إبراهيم المهيني، وبيت عبدالعزيز الحرب، وكان يصلي في أكثر أوقاته في مسجد الحشاش القريب من جمعية الخالدية التعاونية. له من الذرية احمد، وبدر (توفي)، وعبدالله (توفي)، وسليمان، وفؤاد، وصبحي, وسمير، وعبدالله، ووليد، وابنتان توفيت إحداهما. توفي، رحمه الله، في عام 1989.

يقول عنه ابنه الأكبر أحمد: «كان والدي سابقاً لعصره، وكان لا يحتاج إلى فني في بيته، وكان يتحدى أصعب العقبات أمامه».