صحيح أن الصداقة الحقيقية تمنحكم دعماً معنوياً كبيراً، إلا أن الخلط بين مفهوم الصداقة من جهة، والمبادرة إلى تقديم الدعم المعنوي والنفسي من جهة أخرى عملية حساسة وغير صحّية لكلا الطرفين. نقدِّم لكم اختباراً يسمح إليكم بمعرفة أي نوع من الأصدقاء أنتم: فهل أنتم بمثابة محلّلين نفسيين؟ أو أنكم تقدّمون نصائح سلوكية؟ أو أنكم من جماعة «المتفلسفين»؟في الحياة، مواقف مألوفة ومتكرّرة. لنأخذ مثلاً هذا الموقف: امرأتاة جالستان في أحد المقاهي. إحداهما على شفير الانهيار لأنها انفصلت عن زوجها أخيراًً، قلقة وتتساءل: لماذا باء زواجي بالفشل؟ تجيبها صديقتها: «في الواقع، هذا الوضع يناسبك. فأنت تفعلين كل ما بوسعك لينفصل عنك الشريك لأنك تخشين الارتباط». ففي حين أنه لكلّ منا رأيه في أمور الحياة، ترانا نقف حائرين بشأن الحدود الفاصلة بين الآراء التي نستطيع إبداءها من باب الصداقة، وتلك التي علينا التحفّظ عليها باسم هذه الصداقة نفسها. وفي هذا السياق، يعتبر الأطباء والمعالجون النفسيون أن هذه المسألة معقّدةٌ. فالعالم النفسي لا يستطيع أن يكون صديقاً لأنه سيخسر بذلك موضوعيّته وحياديّته. إلا أنه ما من مانع في أن يكون ودوداً مع مرضاه ومقرّباً منهم. كذلك، لا يستطيع الصديق أن يكون عالماً نفسياً، ذلك أن صديقه سيتوقّع منه أكثر من مجرد نصائح أو توضيحات وتفسيرات علمية بحتة. في المقابل، تستطيع علاقة الصداقة أن تقدّم لنا دعماً معنوياً في لحظات الضعف! حقاً، إن للصداقة مفعولاً علاجياً عظيماً. فمن منا لم يتأثّر بنصيحة أسداها له أحد أصدقائه؟ ومن منا لم يشعر في أنه مخوَّل، من باب المحبة والعطف، بأن يشرح لأحد أصدقائه المقرّبين أنه لا يعي أهمية الصعوبات التي يواجهها في عمله؟حتماً، نحن لم نُخلق لنكون بمثابة المعالجين النفسيين لأصدقائنا. فقوة مشاعرنا تحول دون أن نتحلّى بهذه الحيادية التي تمكّن المعالجَ من مرافقة مريضه في علاجه. إلا أننا نستطيع في المقابل مساعدة أصدقائنا وتوجيههم والاستماع إليهم من خلال إدراكنا طرق المساعدة الحقيقية وفهمنا الحدود التي علينا التقيُّد بها.اختبارنقدّم لكم 12 سؤالاً حول الطريقة التي تساعدون بها أصدقاءكم. اختاروا لكل سؤالٍ إجابةً واحدةً من جملة الإجابات المقترحة. طبعاً، ليست في هذا الاختبار إجابات «جيدة» وأخرى «سيئة». لذا، لا تترددوا كثيراً في اختيار الإجابات واختاروا تلك التي تبدو مناسبة لكم من الوهلة الأولى. ولا تنسوا: كلّما كنتم صادقين، كلّما كانت الإجابات حقيقية وقادرة على عكس شخصيّتكم.1. إذا قال لكم صديقكم: «أنتم تعطون انطباعاً بأنكم سعيدون في حياتكم ولا هموم لديكم»، تجيبون:أ - ما الذي يجعلك تظن ذلك؟ب - لدي ما يكفي من المشاكل! لكني أعمل على حلّها طوال الوقت...ج - هل لك أن تعرّف لي عبارة: ألا يكون لديك مشاكل؟2. يمرّ أحد أصدقائكم بفترة من الإحباط، ماذا تقولون له:أ - هذا الكتاب ساعدني في لحظات ضعفي وإحباطي. خذه، إقرأه وأعلمني رأيك لاحقاً.ب - ما رأيك في أن نتنزه قليلاً ونتحدث عما يزعجك.ج - تعال لنتحدث عما يزعجك. إبدأ بالحديث فكلّني آذان صاغية.3. قناعتكم في الحياة هي:أ - قنطار تجربة عملية خير من درهم نصيحة نظرية: لا فائدة من تلقي النصائح فحسب، بل يجب مواجهة المواقف العملية بأبعادها كافة.ب - الطبع يغلب التطبّع: لا يمكننا أن نتخلّى بسهولة عن عاداتنا وأهوائنا الطبيعية.ج - مصائب الإنسان تتأتى من الطريقة التي يخفّف بها عن آلامه:من الأفضل التفكير ملياً قبل اتخاذ أي قرار أو الإقدام على أي عمل.4. يعاني أحد أصدقائكم مشاكل زوجية، ما أول سؤال تطرحونه عليه:أ - أعطني أمثلة عن المواضيع التي تتجادلان بشأنها أنت وزوجتك، وأخبرني عن مجرى الأحداث.ب - ما الذي تنتظره من حياتك الزوجية؟ج - كيف كانت العلاقة الزوجية بين والديْك؟5. بماذا قد تدعون لصديق يبحث عن ذاته في الحياة:أ - يا رب، ساعده على أن يحدّد مكانته في هذا العالم!ب - يا رب، نوّر بصيرته!ج - يا رب، امنحه الجرأة للمضي قدماً في حياته!6. يريد أحد أصدقائكم شكركم على مساعدة قدّمتوها له. كيف تتقبلون هديّته؟أ - بكل طيبة خاطر: فأنتم تتوقّعون هدية مقابل وقفتكم إلى جانبه.ب - بشيء من الارتياح: فالآن أصبحتما متعادلين ولن يشعر صديقكم بأنه مدين لكم.ج - بكثير من الإحراج: فأنت لم تساعدوه للحصول على هدية.7. ما المكان الأنسب للحديث عن المشاكل النفسية مع صديق:أ - حانة فندق فخم.ب - أحد الشوارع الهادئة.ج - غابة أو شاطئ بحر.8. إذا راح أحد الأصدقاء يقيّم حياته الجنسية، ماذا تفعلون؟أ - تتحفّظون على إخباره تفاصيل حياتكم الجنسية الخاصة.ب - تخبرونه عن حياتكم الجنسية الخاصة.ج - تنصحونه بأن يسأل عشرة من أصدقائكم المشتركين عن حياتهم الجنسية ليقارن بينه وبين الآخرين ويحكم على أساسها على حياته الجنسية الخاصة.9. ماذا تهدون صديقاً يعاني هموماً نفسية؟أ - كتاب «مقدمة في التحليل النفسي» لسيغموند فرويد.ب - كتاب «أقوال عن السعادة» للفيلسوف آلان.ج - اشتراك في مجلة تُعنى بمواضيع علم النفس.10. ما موقفكم من النصائح التي تُعطى للأصدقاء:أ - هذه النصائح مفيدة على الدوام. فعندما يكون الإنسان ضائعاً، قد تكون هذه النصائح خير معين له وقد تخرجه من ضياعه.ب - ليست بالضرورة مفيدة. فالمهم هو الاستماع إلى الصديق أكثر منه تقديم النصح إليه.ج - غالباً ما تكون هذه النصائح مفيدة. فهي تساعد في توجيه الصديق حتى ولو لم يعمل بها.11. إذا سألكم أحد الأصدقاء عن سر الحياة السعيدة. بماذا تجيبونه:أ - السعادة وهمٌ ضروري.ب - السعادة، هي الشيء الذي نقضي حياتنا بأسرها بالبحث عنه.ج - السعادة هي نقيض التعاسة.12. ما النصيحة التي غالباً ما تسدونها لصديق بحاجة إلى النصح:أ - أصبح ما أنت عليه (نيتشه).ب - ساعد نفسك، تساعدك السماء (لافونتين).ج - إعرف نفسك بنفسك (سقراط).النتائجللإجابة عن كل سؤال، ضعوا دائرة حول الإجابة الصحيحة، ثم اجمعوا النقاط.غالبية «أ»: ميالون بطبعكم إلى التحليل النفسيتعتقدون أن الماضي هو أساس معاناتنا وصعوباتنا. وإذا كنتم تسعون فعلاً إلى مساعدة صديق لكم، يُفضّل أن تساعدوه على التفكير في أسباب معاناته ومآسيه. طبعاً، لن ينتظركم الصديق حتى يعيد التفكير في ماضيه، فهو سبق له أن فعل ذلك لوحده، لكنّ مهمّتكم تقتضي بلبس قناع الموضوعية والحيادية لحثّه على الغوص في أعماق ماضيه والبحث عن جذور مشاكله الراهنة. وعندما ترتدون «قناع المعالج النفسي» هذا، ستكتفون بالقليل من الكلام حتى أنكم ستمتنعون عن الحديث عن أنفسكم وعن إبداء آرائكم الشخصية، بل ستعمدون إلى طرح الأسئلة وتكرارها من دون كلل أو ملل. غالباً ما تمتنعون عن إسداء النصائح وتبذلون كل ما في وسعكم ليجد الصديق الإجابات عن أسئلته بنفسه. فأنتم لا تريدونه أن يفقد استقلاليّته في اتخاذ القرارات أو أن يعتمد على نصائحكم على الدوام. إذاً، أنتم لا تتمنون مساعدته في الوقت الراهن فحسب، بل تسعون أيضاً إلى مدّه بوسائل التفكير التي ستساعده لاحقاً في حياته عملاً بالمثل الصيني القائل: «إذا جاءك طفل جائع يريد سمكاً، لا تعطه السمك إنما علّمه كيف يصطاد السمكة».إيجابيات هذا التصرّف: ملائم لمعالجة المشاكل المتكرّرة التي تنتكس فيها حالة الشخص النفسية، وللأصدقاء الذي يتجنّبون مساءلة ذواتهم: فأنتم تدفعونهم بذلك إلى أن يطرحوا الأسئلة على أنفسهم وأن يقوموا بمحاسبة ذاتية. أخيراً، تناسب طريقة التصرّف هذه أولئك الذين اعتادوا اللجوء إلى الأصدقاء بحثاً عن المساعدة: فأنتم بمقاربتكم هذه تعيدونهم إلى ذواتهم وتساعدونهم في الحفاظ على استقلاليتهم.سلبيّاته: إحرصوا على ألا تُفهم موضوعيّتكم على أنها لامبالاة بمشاكل الصديق. كذلك، احرصوا على ألا يعتبر الصديق أن تعاطيكم معه بعقلانية يعني أنكم لا تتعاطفون معه ولا تودّون مدّ يد العون إليه... فطرح الكثير من الأسئلة وتقديم الاقتراحات قد يُفهمان بطريقة خاطئة، لأنه في مثل هذه الحالات، قد يكون الاهتمام والتعاطف مفيدين. وقد يحتاج الصديق من وقت إلى آخر إلى بعض من العفوية والدفء.النصيحة: كونوا ليّنين في التعاطي مع الآخر. لا ينكر أحد أن تعليم الآخرين محاسبة الذات ومساءلتها خدمةٌ عظيمة، لا بل يُرسي أسساً صلبة ومتينة لعلاقة مساعدة سليمة. لكن عليكم أن تعرفوا أنه، في لحظات معينة، من الضروري إظهار بعض العطف والحنان والعودة إلى دور الصديق. فأنتم لستم ملزمين بأداء دور الطبيب النفسي إنما كلّ ما عليكم فعله هو حثّ الصديق على البوح بمكنونات قلبه. لكن في حال أراد أكثر من ذلك، إنصحوه بزيارة معالج نفسي لا تربطه به أي علاقة صداقة.غالبية «ب»: تقدّمون نصائح سلوكيةما من شك في أن مشاكلنا مصدرها ماضينا. إلا أن حلولها مصدرها الحاضر. فما أن نفهم مصادر مشاكلنا، لا تعود ثمة فائدة من التنقيب في صفحات الماضي السحيق. وبدل أن نسأل أنفسنا «لماذا؟» (لماذا لم يحبني الطرف الآخر بالقدر الكافي؟ لماذا لم يحبني كثيراً؟ لماذا لم أتحلّ بثقة في نفسي؟ لماذا لم أعرف السعادة أو الحب الحقيقي؟)، من الأفضل لنا أن نسأل سؤال «كيف؟» ( كيف أتصرف عندما أكون حزيناً أو عندما أفقد ثقتي بنفسي، ما الأفكار التي تتوارد إلى ذهني في مثل هذه الحالات، وأي تصرفات تلقائية تصدر مني حينئذ؟). طرح أسئلة «الكيف» هذه، ستساعد الصديق في تقييم حالته في الوقت الراهن. وفي هذه المقاربة السلوكية، ستبقون أنتم كما أنتم ولن تضطروا الى أداء دور المعالج النفسي الجدي، بل يمكنكم مساعدة الصديق بطريقة فاعلة من باب الصداقة. فإذا كان علم النفس مادة تتناول الحياة بحلاوتها ومرّها، ما الداعي إذاً لأن نغيرّ أنفسنا ونلبس قناع الجدية عندما نتطرق إلى مواضيعه؟ أنتم لا تتردّدون في مشاركة صديقكم الحديث وفي اقتراح طرق جديدة عليه لتخطّي المشاكل. وأحياناً، قد تميلون إلى الحديث عن أنفسكم، عن نجاحاتكم أو إخفاقاتكم، ليس من باب التفاخر أو التباهي إنما حرصاً على أن يعتبر الصديق من تجاربكم ويستقي منها دروساً تفيده في حلّ مشاكله.إيجابيات هذا التصرّف: يساعدكم في الحفاظ على عفويّتكم. لن يتغير شيء. فأنتم ستبقون صديق الصديق إلا أن الحديث سيتركّز على رغباته أكثر منه على رغباتكم. وفي هذه المقاربة، غالباً ما تستندون إلى الصداقة كي تكون المحفّز الأساسي على التغيير. فإذا تعاملتم مع الصديق على هذا النحو أقنعتموه بالإنصات إليكم. فهو سيفكّر: «إذا كان صديقي ينصحني بهذه الفكرة، فلا بد لها من أن تكون جيّدة...».سلبياته: أحياناً، يعجز الأصدقاء عن التقيّد بنصائحكم، ما قد يولّد في أنفسهم شعوراً بالذنب أو خوفاً من خذلكم. بالتالي، فشل هذه العلاقة التي تكونون فيها بمثابة المعالج النفسي قد يؤثر سلباً على علاقة الصداقة.النصيحة: هذا التصرٌف هو الأمثل في علاقة مساعدة صديق. لكن أحياناً، قد لا يكون كافياً أو قد تكون له مفاعيل عكسية: ففي حال لم ينجح الصديق في العمل بنصائحكم أو بات يعتمد إلى حدّ كبير عليكم، لا تترددوا في نصحه بضرورة الذهاب إلى معالج نفسي.غالبية «ج»: ميالون إلى «التفلسف»تعتبرون أن جزءاً كبيراً من مشاكلنا ناجمٌ عن الصراعات الداخلية التي تجتاحنا وعن ضيق الوقت الذي نخصّصه للتفكير في تلك المشاكل. في الواقع، نحن لا نفكّر فيها غالباً بل نحوم حولها في حلقة مفرغة من دون التوصّل إلى أي نتيجة. أنتم مقتنعون بأن الأصدقاء المتضايقين في حياتهم يحتاجون إلى أن يسمعوا تجارب الآخرين ليتعلّموا منها، أي تجارب أشخاص واجهوا الصعوبات نفسها وطرحوا الأسئلة عينها على غرار: الكتّاب والفلاسفة والشعراء. فأنتم تظنون أن قراءة أعمال هؤلاء، والتفكير ملياً في كتاباتهم، ومناقشة أفكارهم مع أصدقائكم، خطوات تساعد في الحصول على إجابات تشفي غليلكم وتنوّر عقولكم وتبدّد ظنونكم. تتعاطون مع الصديق مع كثير من الدفء والحرص والاحترام بحيث لا تترددون في تقديم المساعدة عند الحاجة. عندما تلبون نداء صديق بحاجة إلى النصح، لا تتكلّمون عن أنفسكم وعن تجاربكم الشخصية بل تبيّنون للصديق ما تريدونه أن يكتشف في نفسه، وتحثّونه على مواجهة تجارب أخرى وتساعدونه في أن يعتبر مشكلته الشخصية مشكلةً عالمية صادفت كثيرين غيره.إيجابيات هذا التصرّف: يساعد على تقبّل المشاكل واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من حياتنا تماماً كالأعاصير والزلازل والبراكين. لكن تقبّل المشاكل لا يعني التوقّف عندها وإيلاءها أهمية كبيرة، إنما تحمّلها من دون أي مضايقة أو انزعاج. ففي النهاية، إذا رحنا نتساءل عن الطريقة التي بها حلّ الأشخاص الآخرون مشاكلهم، اتضحت الصورة أمامنا ووجدنا الحلّ لمشاكلنا.سلبياته: قد تفتقر هذه المقاربة إلى بعض الواقعية. فهمومنا ومشاكلنا قد تؤرق بالنا وتشغل تفكيرنا إلى حدّ يجعلنا بالكاد نفكّر بغيرنا. فقد يعتبر بعض الأصدقاء أن لكل إنسان تجربته وأن طرق الحل تختلف من حالة إلى آخرى. وقد تكون الحلول التي تقدّمونها نظرية بعيدة عن أرض الواقع ولا تلبي حاجات طارئة وملّحة.النصيحة: يناسب هذا التصرف حتماً المشاكل الوجودية المعقّدة وغير الطارئة، فهو يحمل الإجابات عن الأسئلة الحياتية الشائعة على غرار مسألة الموت والحياة، علاقتنا بالوجود، بالحب، بمحيطنا... تحمل هذا المقاربة حلولاً طويلة الأمد وتساعد الغير على اكتساب الحكمة والخبرات والمهارات التي ستمكّنه من مواجهة تجارب لاحقة. إلا أن الحكمة لا تكفي أحياناً لمواجهة حالات طارئة تتطلّب سرعة بديهة وحلولاً فاعلة.
توابل
الصديق وقت الضِّيق... لكن حذارِ!
18-06-2011