تحفر غالبية الحيوانات التي تعيش في الصحاري أوكاراً لها لتحتمي من الرياح المحملة بالرمال، باستثناء عقرب الصحراء الإفريقية الشمالية (Androctonus australis). يواجه هذا الكائن الصلب غالباً غضب الطبيعة في الصحراء من دون الاختباء تحت الأرض، وعندما تهب العواصف الرملية بسرعة قد تكشط الطلاء عن الفولاذ، يخرج منها بلا أي ضرر ظاهر. تساءل هان زيو من جامعة جيلن في الصين وزملاؤه عن السبب.

Ad

يؤدي الغبار في الجو إلى تآكل شفرات المروحيات ومحركات الطائرات، ولا شك في أن أي وسيلة قد تحد من هذا التآكل تُعدّ إنجازاً كبيراً. يتوقع الدكتور هان وفريقه أن يقدّم له عقرب الصحراء الإفريقية الشمالية الإجابة. كما كتب في مجلة Langmuir ونشرت صحيفة The Economist، اكتشف أن هيكل هذا العقرب الخارجي غريب، وعند نقل هذه الغرابة إلى مواد أخرى، لا بد من أنها ستحميها هي أيضاً.

بدأ الدكتور هان دراسته بالبحث عن عقارب في متاجر الحيوانات الأليفة في تشانغتشون، حيث تقع الجامعة. بعدما حصل على عيناته، صور هذا العقرب تحت المجهر مستخدماً الأشعة ما فوق البنفسجية، فبدا هيكل هذا الحيوان الخارجي الذي يتألف من الكيتين (مادة أحيائية من عديد السكاريد) فلورياً، ما كشف تفاصيل سطحه. تبين للفريق أن درع هذا العقرب مغطى بحبيبات مقببة يبلغ ارتفاعها 10 ميكرومترات ويتراوح عرضها بين 25 و80 ميكرومتراً، ويعتقد العلماء أنها سبب لامبالاة العقرب بالعواصف الرملية.

للتحقق من ذلك، التقطوا مزيداً من الصور، واعتمدوا خصوصاً على نظام مسح بالليزر بهدف صنع خارطة ثلاثية الأبعاد لدرع العقرب، ثم أضافوا هذه البيانات إلى برنامج كمبيوتر عرّض هذا الدرع الافتراضي إلى حبات رمل افتراضية من مختلف الزوايا. كشفت هذه العملية أن الحبيبات المقببة تحدث خللاً في تدافع الهواء قرب سطح الهيكل بطرق تخفف من معدل التآكل. كذلك، أظهر نموذجهم أن هيكل العقرب الخارجي كان سيعاني ضعف معدل التآكل الذي يواجهه راهناً لو كان ناعماً وخالياً من هذه الحبيبات.

عينات

بعد أن اختبر الفريق نظريته بواسطة الكمبيوتر، قرر اختبارها على أرض الواقع. وضع الباحثون عينات من الفولاذ في أنبوب هواء وأطلقوا عليها حبات رمل مستخدمين الهواء المضغوط. كانت إحداها ناعمة ملساء. أما الأخريات، فاحتوت حزوزاً تختلف في ارتفاعها وعرضها والفواصل بينها، استوحوها من هيكل العقرب الخارجي وحفروها في السطح. عُرضت كل عينة لعاصفة المختبر الرملية مدة خمس دقائق، ثم وُزنت بغية معرفة مدى تآكلها.

لاحظ العلماء أن العينة الأقرب إلى درع العقرب (بحزوز تفصل بينها مسافة ميكرومترين، ويبلغ عرضها 5 ميكرومترات وارتفاعها 4 ميكرومترات) حققت النجاح الأكبر في مكافحة هذا الهجوم. صحيح أن النتيجة لم تكن جيدة بقدر ما تحققه هندسة العقارب الفعلية، إلا أن هذه الحزوز قللت من التآكل بمعدل الخمس، مقارنة بسطح الفولاذ الأملس. إذاً، على مصنعي الطائرات أن يدركوا، وفق الدكتور هان، أن بعض التفاوت في السطح قد يساهم في إطالة حياة الطائرات والمروحيات المستعملة، كما العقارب.