نقرأ في الحلقة الثانية من ثورة اليمن صفحةً أخرى من صفحات الدم، هذه المرة عبر حرب بين الجيوش، بعدما أرسل الزعيم جمال عبدالناصر جيشاً مصرياً إلى اليمن لدعم الثوار في مواجهة قوات الملكيين المدعومين من قبل دول خليجية وقوى دولية، في زمن كانت إيران الشاه وباكستان وبريطانيا ذات مصالح قوية مع الإمام في اليمن، فكان أن حشدت قواها لمحاربة الثوار من قوات عبدالناصر، وترصد الحلقة الأخيرة هذه الثورة منذ اندلاع الحرب بين القوات الملكية والجمهوريين.

Ad

عقدت المملكة العربية السعودية والأردن اتفاقية للدفاع المشترك والتعاون العسكري بينهما، عُرفت باتفاق «الطائف»، وتقرر الاعتماد على الأردن في تنفيذ الغارات الجوية على مواقع الجمهوريين بسبب حوادث لجوء بعض الطيارين السعوديين إلى مصر، وبالفعل ذهب وفد عسكري أردني إلى السعودية يرأسه قائد الجيش «حابس المجالي» ومعه قائد سلاح الجو «سهل حمزة» للاتفاق على تفاصيل الضربة الجوية التي سيقوم بها طيارون أردنيون، وكانت الأهداف التي يجب ضربها مطارات صنعاء والحديدة وتعز، وتدمير الطائرات والمعدات الموجودة، وكذا السفن المصرية في البحر الأحمر المتجهة والعائدة من اليمن، بالإضافة إلى إذاعة صنعاء، ومحطة الاتصالات اللاسلكية، وقلعة حجة، وإذاعة تعز، وميناء الصليف شمال مدينة الحديدة.

وبسبب طول المسافة بين الأردن واليمن، وصغر سعة خزان وقود الطائرات، فقد تم الاتفاق على ضرب الأهداف المصرية، ثم الاتجاه إلى القاعدة العسكرية البريطانية في عدن لإعادة التزود بالوقود وإكمال تسليح الطائرات، وفي طريق العودة يتم ضرب أهداف أخرى.

وفي أثناء زيارة الوفد العسكري غادر قائد سلاح الجو الأردني سهل حمزة السعودية إلى عمان بدون إبداء الأسباب، وكان في نيته مقابلة العاهل الأردني لمناقشته في جدوى الأمر، وعندما لم يستطع مقابلته قرر التوجه بطائرته إلى القاهرة لمقابلة عبد الناصر، وقد ذكر سهل حمزة في أحد اللقاءات الصحافية أنه فكر في الأمر وتوصل إلى أنه إذا رفض القيام به فسيقوم غيره بالمهمة، وإذا امتثل فهو «عار عليه»، وهذا الرجل قدرته مصر، فأطلقت اسمه على واحد من أهم شوارع منطقة الهرم بالجيزة.

حلفاء من كل صوب

من باكستان إلى إيران ومن الخليج إلى بريطانيا وحلفائها، تزايد اللاعبون في اليمن، فقد بلغ حجم الإنفاق على تسليح القوات الملكية وتأجير المرتزقة الأوروبيين وإنشاء محطة إذاعية خاصة بهم، أكثر  من 15 مليون دولار، عام 1963، أما باكستان فقد باعت بنادق للملكيين، وكانت قد رأت فيها فرصة للتكسب من الحرب، إيران «الشاه» دعمت الملكيين بالمال، أما بريطانيا فقد سمحت بمرور قوافل السلاح عبر أراضي أحد حلفائهم في الجنوب العربي، وهو شريف بيحان الذي كان تحت حماية الإدارة البريطانية في عدن، كما أن الطائرات الحربية البريطانية نفذت عمليات نقل جوية لإعادة إمداد قوات الإمام، وهكذا وجدت القوات المصرية نفسها أمام عدة قوى إقليمية ودولية تعتبر بقاء الشعب اليمني أسيراً لظلمات العصور الوسطى هدفاً استراتيجياً لها.

كان طبيعياً أن يشكل الإمام البدر جيشيْن، أحدهما بقيادة الأمير حسن في الشرق، والثاني تحت قيادته في الغرب، وسيطر الجيشان على معظم شمال وشرق اليمن، بما فيه من مدينتي حريب ومأرب، ولكن عاصمة الشمال صعدة - التي كانت تعطي للإمام طريقاً استراتيجياً للعاصمة صنعاء - كانت تحت سيطرة الجمهوريين، وكانت هناك مناطق مثل مدينة حجة، حيث كان الملكيون يسيطرون على الجبال بينما سيطر المصريون والجمهوريون على المدينة وقلعتها، وقد تم إرسال مرتزقة من فرنسا وبلجيكا وإنكلترا، من الذين حاربوا في روديسيا وشبه الجزيرة المالاوية والهند الصينية، والجزائر، لمساعدة الإمام في التخطيط للحرب والتدريب، كما قام أولئك المرتزقة بتدريب رجال القبائل على استخدام الأسلحة المضادة للدبابات مثل المدفع عيار 106 مليمتر، وكذلك قاموا بتدريبهم على زرع الألغام، وكانت تكتيكات الملكيين محصورة في طرق حرب العصابات لعزل القوات المصرية والجمهورية اليمنية، والقيام بهجمات على خطوط الإمداد.

سير المعارك

قسمت قيادة الأركان العامة المصرية حرب اليمن إلى ثلاثة أهداف عملياتية، الأول كان الشق الجوي، وبدأ بطائرات تدريب قامت بعمليات تمشيط، كما قامت أيضاً بحمل القذائف، وانتهى بثلاثة أسراب من القاذفات المقاتلة، تمركزت بالقرب من الحدود اليمنية - السعودية، وقام المصريون بطلعات جوية على طول ساحل تهامة وفوق مدن نجران وجازان السعوديتين، وكان هدف هذه الطلعات قصف تشكيلات الملكيين الأرضية وتعويض قلة التشكيلات المصرية على الأرض بالقوة الجوية، وبجانب الغارات الجوية المصرية، كان الشق العملياتي الثاني هو السيطرة على الطرق الرئيسية المؤدية للعاصمة صنعاء والطرق التي تربطها بالمدن والقرى الرئيسية، وكانت حملة «رمضان» هي أكبر هجوم نفذ من أجل هذا الشق العملياتي الذي بدأ في مارس من سنة 1963، ودام حتى فبراير سنة 1964، وركز على فتح وتأمين الطرق من صنعاء إلى صعدة في الشمال، وطريق صنعاء - مأرب في الشرق، وكانت نتيجة نجاح المصريين أن الملكيين سيتخذون الهضاب والجبال ملجأ لإعادة التجمع والقيام بالكر والفر.

وكان الشق العملياتي الثالث هو محاولة اجتذاب القبائل وإغرائهم لتأييد الجمهوريين، وتطلب ذلك إنفاق أموال كثيرة لإمداد القبائل بالمساعدات.

وبحلول عام 1967، تمركزت القوات المصرية في مثلث «الحديدة - تعز - صنعاء» للدفاع عنه، وقامت بعمل طلعات جوية لقصف جنوب  السعودية وشمال اليمن، وقد أراد عبد الناصر انسحاباً متزامناً للقوات المصرية والسعودية من اليمن لحفظ ماء وجه الطرفين، ولكن هذا الانسحاب جاء عند اندلاع حرب يونيو لسنة 1967، فبسبب طلب عبد الناصر سحب قوات الأمم المتحدة من سيناء، ووجود عدد كبير من القوات المصرية في اليمن، تشجعت إسرائيل على القيام بهجوم جريء على ثلاث دول عربية هي مصر وسورية والأردن، وبعد نكسة 67، بدأ العرب في الاتحاد ضد إسرائيل، وقد أعطى ذلك عبد الناصر الفرصة للخروج من اليمن في قمة الخرطوم، ومن سنة 1968 إلى سنة 1971، انسحبت مصر والسعودية ومعهم مئات المرتزقة من اليمن.

حملة رمضان

بدأت حملة رمضان في فبراير من سنة 1963 عندما وصل المشير عبد الحكيم عامر وأنور السادات إلى صنعاء، وطلب عبد الحكيم عامر من القاهرة مضاعفة عدد القوات الموجودة إلى 40,000 جندي، ووصل منهم 5,000 كدفعة أولى، وفي 18 فبراير تحركت فرقة مكونة من 15 دبابة وعشرين عربة مدرعة و18 شاحنة، والعديد من سيارات الجيب من صنعاء متجهة إلى صعدة في الشمال، وتبعتها العديد من القوات.

وبعد بضعة أيام، توجهت فرقة أخرى يتقدمها 350 جندياً في دباباتهم وعرباتهم المدرعة من صعدة إلى مأرب في الجنوب الغربي.

في 25 فبراير احتلوا مأرب ثم حريب في 7 فبراير، وقد فشلت قوة ملكية من 1,500 رجل في صد الهجوم عند خروجه من صعدة، وهرب قائد الملكيين في حريب إلى بيحان داخل اليمن الجنوبي الذي كان يحتله البريطانيون.

وفي معركة العرقوب، التي تقع على بعد 25 ميلاً جنوب شرق العاصمة صنعاء، قام 500 رجل يقودهم الأمير عبد الله بالهجوم على موقع مصري على قمة أحد الهضاب، وكان الموقع يحرسه ست دبابات سوفيتية من نوع تي-54، وست من العربات المصفحة، ومدافع آلية، فقام المصريون بالرد على الهجوم بالمدفعية وقذائف المورتر وطائرات التمشيط، بينما قام الملكيون بالرد بالبنادق، وقاذف مورتر واحد معه عشرين قذيفة ومدفع بازوكا معه أربع قذائف، واستمرت المعركة أسبوعاً وكلفت المصريين ثلاث دبابات، وسبع عربات مدرعة و 160 قتيلاً، لكن المصريين كانوا في مواقع تمكنهم من منع الملكيين من الإمدادات في الجبال شمال وشرق صنعاء.

وفي 12 يونيو، قام 4000 جندي من قوات المشاة المصرية مدعومين بالجيش الجمهوري والمتطوعين من محمية عدن، بغزو مدينة «بيت عداقة» التي تقع على بعد 30 ميلاً غرب صنعاء، حيث تمتد جبهة يقودها الأمير عبد الله من طريق الحديدة عبر محافظة كوكبان إلى جنوب حجة، وفي خلال يومين تقدم الهجوم حوالي 12 ميلاً، قبل أن يتم صدهم بهجوم ملكي مضاد، وقد اعترف الملكيون بمقتل 250 من جانبهم، ثم هاجم الجمهوريون مدينة السودة، التي تبعد حوالي 100 ميل شمال غرب صنعاء، وقد استغلوا قلة شعبية الأمير عبد الله بين القبائل لشراء شيوخها ودخلوا المدينة بلا مقاومة، ولكن بعد مرور شهر، بعثت القبائل بمندوبين للبدر يطلبون العفو ويطلبون منه المال والسلاح لقتال المصريين، وأرسل البدر قوات جديدة واستطاع استعادة المناطق المحيطة بالمدينة ولكن ليس المدينة نفسها.

وفي 15 أغسطس، قام المصريون بهجوم من قاعدتهم الشمالية الغربية الرئيسية في حرض، وكان عدد القوات يصل إلى 1,000 جندي مصري يصاحبهم 2,000 جندي جمهوري، وكانت الخطة - على حسب رواية المخابرات البريطانية - هي قطع الطريق الجبلي الذي يبلغ طوله 35 ميلاً،  الذي يربط بين الخوبة على الحدود السعودية ومقر قيادة البدر في جبال القارة، ثم بعد ذلك قسَّم القوات إلى قسميْن، تتحرك واحدة إلى الشرق حيث مقر قيادة البدر، والأخرى تتجه إلى الشمال الشرقي عبر الطريق الجبلي إلى الحدود السعودية تحت جبال رازح، وبدأ المصريون تحركهم في صباح يوم (السبت) عبر وديان حرض وتعشر، وفي عصر يومي (السبت) و(الأحد) هطلت الأمطار بغزارة وغرست آلياتهم المكونة من 20 دبابة وحوالي 40 عربة مدرعة في الوحل، ولم يهاجمهم الملكيون حتى فجر (الاثنين)، وغادر البدر مقر قيادته في الثالثة فجرا مع 1000 من رجاله، للقيام بهجوم مضاد في مضيق تعشر، بينما هاجم الأمير عبد الله وادي حرض.

في هذه الأثناء، خطط المصريون لتحرك منسق من صعدة إلى الجنوب الغربي، تحت جبال رازح، للانضمام مع القوة القادمة من حرض، وقد اعتمدوا على شيخ قبيلة محلية كان من المفروض أن تنضم قواته إلى 250 من قوات المظلات المصرية، ولكن الشيخ لم يحضر لاستقبال المظليين. فاضطروا إلى العودة إلى صعدة وقد خسروا بعضهم بنيران قناصة الملكيين، وبعث البدر بمبعوثين ورسائل لاسلكية في جميع أنحاء البلاد يطلب فيها الدعم، وطلب حضور قوات الاحتياط التي تتدرب في الجوف، وقد وصلت هذه القوات على شاحنات تحمل مدافع بعد 48 ساعة، وقاموا بضرب الصفوف المصرية الغارقة في الوحل داخل الوادي بالمدافع، وقد أعلن الملكيون فيما بعد أنهم دمروا 10 دبابات مصرية وحوالي نصف عرباتهم المدرعة، كما ادعوا أيضاً إسقاط قاذفة إليوشن، ثم قام الملكيون بهجومين آخرين أحدهما على جهينة، وقتلوا العديد من ضباط الأركان، والثاني كان محاولة لقصف صنعاء من قمم أحد الجبال القريبة.

وقد شارك في هذه العملية خبراء بريطانيون ومرتزقة فرنسيون وبلجيكيون، ثم قاموا بهجمات خاطفة أخرى من ضمنها غارات على الطائرات والدبابات المصرية في مطار صنعاء الجنوبي، وهجوم بقذائف المورتر على أماكن معسكرات المصريين والجمهوريين في تعز.

وعلى الرغم من أن المصريين استطاعوا إخراج البدر من مقر قيادته إلى كهف في الجبال، إلا أنهم لم يستطيعوا إغلاق الطرق من الحدود السعودية، وقد أعلنوا انتصارهم في الحملة من خلال الإذاعة والصحف، ولكنهم اضطروا إلى الموافقة على هدنة في مؤتمر أركويت بالسودان في 2 نوفمبر.

في سبتمبر 1964، التقى عبد الناصر والملك فيصل في مؤتمر القمة العربية بالإسكندرية، وكان لايزال في اليمن 40000 جندي مصري وقتل قرابة 10000 جندي آخر، وتضمن البيان الختامي للقمة فيما يخص الثورة اليمنية الاتفاق على: المساهمة في حل الخلافات بين مختلف الفصائل اليمنية، العمل سويا لوقف القتال المسلح في اليمن، الوصول إلى حل بالطرق السلمية.

وفي 2 نوفمبر 1964 عُقد مؤتمر سري في أركويت بالسودان، وأعلن المتحاربون وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار يسري مفعوله الساعة الواحدة من ظهر يوم (الاثنين) 8 نوفمبر، وجرت مناقشات بين ممثلين عن الطرفين ـ بحضور ملاحظيْن مصري وسعودي ـ حول شروط الاتفاق، وتم الاتفاق على عقد مؤتمر موسع يحضره شيوخ القبائل في 23 نوفمبر، وكان المؤتمر نواة مجلس نواب، ليقوم بتعيين لجنة تنفيذية مؤقتة تتكون من اثنين من كل طرف بالإضافة إلى شخص محايد، لحكم البلاد مؤقتاً تمهيداً لإجراء استفتاء عام لتحديد طبيعة نظام الحكم ملكي أم جمهوري. وتقرر تنحية السلال والبدر من أي مناصب رسمية.

وقام محمد أحمد نعمان رئيس الوزراء الذي عينه السلال  بدعوة القبائل من جميع الفصائل إلى المصالحة الوطنية، وقال في دعوته التي بثت على إذاعة صنعاء إنه سيقابلهم في خمر التي تبعد 50 ميلاً شمال صنعاء لتحقيق «السلام من أجل شعب اليمن»، وأشار إلى أنه سيرأس وفد الجمهوريين في المؤتمر، وأن السلال سيبقى في صنعاء لإقناع البدر بحضور المؤتمر.

ولكن لم يحضر البدر أو أي من قادته الكبار، لكن حضر بعض من مشايخ القبائل الكبار المؤيدين للملكيين، وعين المؤتمر خمسة شيوخ قبائل وأربع قيادات دينية في لجنة مكلفة بالمساعدة على الوصول لحل سلمي، وبارك عبد الناصر هذا المؤتمر والذي رآه فرصة لانسحاب القوات المصرية، وقالت إذاعة القاهرة إن المؤتمر هو «فجر عهد جديد»، وقال السلال إن المحادثات كانت «ناجحة»، ومن جانب الملكيين قال البدر: « من الضروري إنهاء الحرب التي دمرت وطننا الحبيب بالمفاوضات السلمية بين اليمنيين».

قمة جدة

كانت رحلة عبد الناصر إلى جدة في 22 أغسطس عام 1965 على متن مركبة الحرية هي أول رحلة له للمملكة العربية السعودية منذ عام 1956 ، عندما قام بزيارتها للحج ومقابلة الملك سعود بن عبد العزيز، وقد استقبله الملك فيصل بحفاوة كبيرة، وفي خلال 48 ساعة توصل الاثنان إلى اتفاق نهائي يتلخص في: انسحاب القوات المصرية من اليمن تدريجياً خلال عشرة أشهر ووقف كل المساعدات السعودية للملكيين، تكوين مجلس يمني من 50 عضواً يمثلون جميع الفصائل اليمنية ويكون مكلفاً بتكوين حكومة انتقالية تمهيداً لاستفتاء عام لتحديد مستقبل اليمن.  وفي 23 نوفمبر، التقى الجانبان (الملكي والجمهوري) في حرض، وكانت أول نقطة للنقاش هي اسم الدولة المؤقتة التي من المفروض أن تقوم حتى موعد الاستفتاء العام، وأراد كل من الجانبين فرض الدولة التي يريد، فالملكيون أرادوها مملكة اليمن، والجمهوريون جمهورية اليمن، وقد تم تأجيل المؤتمر إلى ما بعد رمضان الذي كان سيبدأ بعد أسبوع.

كانت شعبية السلال بين جنوده في انحسار، فبعد أن تعرض لمحاولة اغتيال بواسطة اثنين من جنوده، اتخذ حراسًا مصريين، كما أمر بالقبض على مدير الأمن العام عبد القادر الخطري ووزير الداخلية الأهنومي، بعد أن قامت الشرطة بإطلاق النار على محتجين تظاهروا لرفضهم حضور اللجنة العربية المكلفة بتحقيق السلام في اليمن ، كما قام بحل الحكومة، وقام بتشكيل حكومة جديدة يتولى ثلاثة من العسكريين الوزارات المهمة فيها، وتولى بنفسه منصبي وزير الدفاع والخارجية.

وفي مصر قام عبد الناصر بإطلاق سراح ثلاثة قادة جمهوريين احتجزهم لأكثر من سنة، لأنهم كانوا يريدون التفاوض مع الملكيين، وهم القاضي عبد الرحمن الإرياني، أحمد محمد نعمان، وحسن العمري.

وعندما قام السلال بزيارة القاهرة أوائل نوفمبر، نصحه عبد الناصر بالاستقالة والذهاب إلى المنفي، ورفض السلال نصيحة عبد الناصر وذهب إلى بغداد طالبًا الدعم من البعثيين، وبعد أن غادر القاهرة أرسل عبد الناصر إلى قواته تعليمات بعدم الوقوف أمام محاولة انقلاب كانت تجري ضد السلال، وهي المحاولة التي كللت بالنجاح في 5 نوفمبر.

بحلول عام 1967، تركزت القوات المصرية في مثلث الحديدة، تعز، وصنعاء للدفاع عنه، بينما قامت القوات الجوية بقصف مواقع أنصار الإمام، وفي أغسطس قام عبد الناصر باستدعاء 15,000 جندي لتعويض الجنود الذين فُقدوا في حرب ذلك العام مع إسرائيل.

وفي مؤتمر القمة العربية بالخرطوم الذي انعقد بعد الحرب، أعلنت مصر بأنها مستعدة لسحب قواتها من اليمن، واقترح وزير الخارجية المصري محمود رياض إعادة إحياء اتفاق جدة عام 1965، وقبل الملك فيصل الاقتراح، ووعد البدر بإرسال قواته للقتال مع مصر ضد إسرائيل، ووقع عبد الناصر والملك فيصل اتفاقية تنص على سحب القوات المصرية من اليمن، ووقف المساعدات السعودية للملكيين، وإرسال مراقبين من ثلاث دول عربية محايدة هي العراق والسودان والمغرب.

مثّل انسحاب القوات المصرية من اليمن بعد حرب سنة 1967 نقطة ضعف كبيرة في دفاعات وتماسك الجمهوريين، فقد أخذ المصريون معهم أسلحتهم الثقيلة، وانعكس اتجاه الجسر الجوي عائداً إلى القاهرة بدلا من أن يمد صنعاء بالمؤن والسلاح، كما أن حركة 5 نوفمبر والانقلاب على السلال أثناء زيارته لبغداد أضعفت من موقف الجمهوريين، وأثار شكوك الدول الداعمة للجمهوريين في قدرتهم على الصمود، وقد تشكلت بعد الإطاحة بالسلال حكومة كان بعض أفرادها خارج اليمن أو خرجوا منها بعد تعيينهم.

حاصر الملكيون صنعاء 70 يوما لكن الحصار انتهى لمصلحة الجمهوريين، وأدى انتصار الجمهوريين إلى نتائج عديدة، منها اعتراف المملكة العربية السعودية فيما بعد بالجمهورية اليمنية، واكتمال انسحاب القوات المصرية من اليمن عام 1971 ، وصاحب الانتصار أيضاً خروج بريطانيا من اتحاد الجنوب العربي في عام 1967.

وطبقاً للإحصاءات المصرية، كانت خسائر مصر من القتلى تصل إلى 15,194 مصرياً، وخسر الملكيون 40000 من القتلى.