يحار آباء وأمهات كثر في التعامل مع أبنائهم ولا يجيدون الطرق المثلى للتواصل معهم وتربيتهم بأسلوب صحيح، ما دفع خبراء في علم النفس والاجتماع إلى إنشاء مراكز تنظم ورشاً ودورات تدريبية للآباء في هذا الشأن، وهي ظاهرة بدأت تنتشر في مصر والبلدان العربية الأخرى بعدما حققت رواجاً في دول غربية.

Ad

توضح د. نظيمة أحمد سرحان (وكيلة كلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان للدراسات العليا والبحوث) أن هذه المراكز ضرورية لإكساب الآباء مهارات التعامل مع الأبناء، في ظل المستجدات الاجتماعية التي نمّت أجيالاً تعاني أمراضاً اجتماعية.

تشير سرحان إلى أهمية تدريس هذه المهارات في المناهج التعليمية في المرحلتين الثانوية والجامعية، وتنظيم دورات للشباب الجامعيين حول كيفية التعامل مع الأبناء في المستقبل، وللأزواج حول مهارات التربية السليمة وإكسابهم استراتيجيات إيجابية لتربية الأطفال وتعديل سلوكياتهم وتوجيهها بشكل صحيح.

تضيف سرحان أن المراكز التدريبية المتوافرة ليست كافية، فما يُدرّس في كليات الخدمة الاجتماعية لا يعدو كونه مبادئ عامة غير كافية لوضع استراتيجيات ايجابية تنشئ ألفة بين الآباء والأطفال ويكتسب الآباء بفضلها ثقة أبنائهم.

صاحب قرار

تؤيد د. ميرفت الشربيني (استاذة في المعهد العالي للخدمة الاجتماعية جامعة المنصورة) أي دورات تتمحور حول كيفية التعامل مع الأطفال وتطبيق الثواب والعقاب من دون زجر أو عقاب وتدعم السلوكيات الإيجابية التي يقوم بها الطفل وتكسبه مهارات تجعل منه قائداً، لا تابعاً، من خلال تدريبه على أن يصبح صاحب كلمة وتشجيعه على اعتماد  الحوار والنقاش قبل اتخاذ القرار.

تضيف الشربيني أن جامعة المنصورة وجامعات عربية ومصرية تنظم هذه الدورات التي تقوم على أبحاث ودراسات متخصصة ميدانية ونظرية وعلى أسس علمية متميزة، آخذة في الاعتبار أن الآباء يجهلون كيفية التعامل مع الطفل، ما يؤثر على نفسيته سلباً.

من جانبه، يؤكد محمد أنور (خبير اجتماعي في أحد مراكز الاستشارات الأسرية) أن المركز تبنى برنامجاً اجتماعياً بعنوان «أخلاقنا» بدأ تنفيذه عام 2008، وهو عبارة عن دورات تدريبية للآباء تتضمن كيفية التحكم في غضبهم والتصرف مع الأبناء، خصوصاً الابن الأول، لافتاً إلى أن الإقبال على هذه الدورات لم يكن كبيراً. كذلك تقول نادين شاكر (خبيرة استشارات أسرية وسكرتير عام إحدى الجمعيات المهتمة بشؤون الأسرة): «أنشأت الجمعية فصول تأهيل للآباء منذ 2003، حول التربية وتتضمن معلومات عن سلوك الطفل وسبل تقويمه، مخاوفه، الضغط النفسي الذي يصيبه في مواقف مختلفة... كذلك تنظم الجمعية برنامجاً للآباء الجدد، قبل ولادة الطفل وبعده، يركز على كيفية تنمية المهارات منذ الولادة، من خلال تعليم الأبوين خطوات المعاملة المثلى للأبناء، مثل تعريف أسس التربية السليمة والصحية وتدريب الأبوين على كيفية تأمين حاجات المولود الجديد ونومه...

تضيف شاكر أن البرنامج دليل للأبوين، خصوصاً مع الطفل الأول لهما، ويتضمن أحدث السبل والطرق التربوية لينشأ الطفل وتكتسب شخصيته صفات إيجابية من خلال تنمية قدراته الحركية والنفسية، ويشرف على  البرنامج خبراء في برامج تنمية الطفولة تابعوا دورات في هذا المجال في ألمانيا والولايات المتحدة.

توضح شاكر أيضاً: «الهدف الأول من التربية السليمة للطفل هو بناء شخص سوي وتجنب سلوكيات تدمّر نفسيته، خصوصاً أن لدينا موروثاً ثقافياً ومفاهيم خاطئة في التربية يجب تغييرها، إلا أن ذلك يتطلب اتباع سياسة النفس الطويل والاستعانة بوسائل مختلفة ووضع الخطط».

تشير شاكر إلى أن البرنامج أثبت نجاحه وينفذ مرتين سنوياً ويتضمن سبع محاضرات، بعد ذلك يستمر التواصل بين الجمعية والمتدربين في بيوتهم لمتابعة مدى إجادة الأبوين في تطبيق ما تدربا عليه.

توجيه سليم للآباء

ينظم د. محمد وديد (خبير نفسي وأخصائي التربية والزواج) ورشاً توجيهية للآباء حول كيفية التعامل الصحيح مع الأبناء في المراحل العمرية كافة. بدأ هذا المشروع أثناء إقامته في الولايات المتحدة بعدما لمس معاناة  بعض الطلاب العرب في علاقاتهم مع آبائهم، فنشأت لديه فكرة تعليم الآباء كيفية احتواء الأبناء بشطحاتهم وطموحاتهم وأخطائهم والعمل على تعديلها وتوجيهها بشكل إيجابي من خلال رابط الحب، كونه مفتاح أي علاقة والوسيلة الأكيدة لتحقيق النجاح في التربية وفي العلاقات الإنسانية.

يضيف وديد: «بدأت تنظيم ورش للآباء في الولايات المتحدة منذ 2005، ولاقت نجاحاً هناك. عند عودتي إلى مصر، طبقت هذه البرامج التربوية، آخذاً في الاعتبار حاجة المجتمعات العربية إليها في ظل انتشار عادات خاطئة في التربية خلفتها الموروثات الاجتماعية».

عام 2009، أطلق وديد الورشة الأولى في مصر وشهدت إقبالا نظراً إلى حاجة الآباء إلى معرفة كيفية التعامل مع الأطفال في زمن بات من الصعوبة بمكان فيه احتواء تصرفات الأبناء، لا سيما مع انشغال الأبوين بالعمل.

يوضح وديد أن «الورشة الواحدة تمتدّ على 12 ساعة وتتضمن لفت نظر الآباء إلى أن أخطاء الأبناء أمر محمود يجب عدم التعامل معه بعنف إنما من خلال تقويم السلوك والتوجيه، فمن لا يخطئ لا يتعلم، ومن خلال تنمية الطفل على القيم الإيجابية يتخلّص من السلبيات ويعدّل سلوكه ليصبح شخصاً سوياً، وتكون لديه نظرة إيجابية إلى الحياة تحقق له اندماجاً ناجحاً مع المجتمع».

كذلك تركِّز الورشة على تجنب أفعال من شأنها تدمير شخصية الطفل مثل الصراخ المستمر، سواء من الأم أم الأب طوال اليوم، يقول وديد: «ليس الصراخ أسلوب تربية وأثره النفسي على الطفل أسوأ من الضرب، فلا بد من تجنب التأنيب وانتقاد سلوك الطفل وشتمه والسخرية منه، فمن شأن هذه التصرفات تحطيم المعنويات وسحب الثقة من الطفل ودفعه إلى الشعور بالتحقير والتأثير على هويته الذاتية، كذلك تحوّله كثرة الأوامر إلى آلة وتلغي شخصيته المستقلة وتجعله سهل الانصياع إلى الآخرين».

يشدد وديد على ضرورة وجود حوار بين الأب والابن من دون ممنوعات، «فمن حق الابن أن يدير أي نوع من الحوار مع والده ليشعر بحبه له وبالقدرة على استشارته والأخذ برأيه، فتنشأ بينهما صداقة تشعر الابن بأنه أصبح رجلاً، كذلك يجب على الأم أن تشعر ابنتها أنها صديقتها».

يشدد وديد على ضرورة التودد إلى الطفل، فإصدار الأوامر من دون مخاطبة العقل والقلب يحدث فجوة بين الطفل وبين والده أو والدته ويكون رد فعله أقرب إلى العناد وقد يصاب بأعراض نفسية سيئة.