أيقن فريد شوقي أنه لن يلتحق بالمعهد القومي للتمثيل ضمن هذه الدفعة بعدما تأكد من ضياع أوراقه وعدم وجود اسمه ضمن الكشوف، غير أنه قرّر ألا ينصرف، فقد بقي لمساعدة عدد من الأصدقاء والزملاء خلال الامتحان، فكل طالب لا بد من أن يؤدي مشهداً من إحدى المسرحيات المصرية أو العالمية، أحياناً بمفرده، وأحياناً أخرى بمساعدة أحد الزملاء الذين أدوا الامتحان ليقف أمامه في دور مساعد.

Ad

في ساحة مسرح الأزبكية وقف فريد شوقي يساعد عدداً من الزملاء في حفظ أدوارهم والاستعداد لدخول الامتحان، فقد كان اسم أي فرد من أفراد لجنة الامتحان وحده، يثير الرعب في نفوس الطلبة الممتحنين، فما بالك وكل هؤلاء مجتمعون: جورج أبيض، يوسف وهبي، أحمد علام، حسين رياض، وعميد المعهد زكي طليمات، بالإضافة إلى رئيس اللجنة معالي وزير الخارجية محمد صلاح الدين باشا؟!

رأى فريد شوقي أحد الهواة الذي سبق والتقاه يوم تسجيل الأسماء، وأبدى إعجابه به منذ شاهده في مسرحية «بيت تهدم» مع فرقة رمسيس، وأكد له يومها أنه إذا دخل الامتحان سيكون أحد أوائل الناجحين، لأنه ممثل محترف، فنظر إليه فريد نظرة غيظ ولسان حاله يقول له: كان وجهك شؤماً يوم رأيته.

جاء الدور على هذا الهاوي ليؤدي الامتحان، وفجأة وجد فريد شوقي أمامه، وكأنه وجد نجدة من السماء، فتوجّه فوراً نحو فريد الذي أدار ظهره كي لا يراه ثانية، وقال له:

* لو سمحت يا أستاذ فريد ممكن تدخل معايا تؤدي المشهد ده؟

- مين أنا؟ معلش شوف زميل تاني لإني ماشي فورا...

* أرجوك يا أستاذ...

- يا سيدي عندك الزملا كتير أهم... أنا لازم أمشي عندي بروفة دلوقت.

* صدقني يا أستاذ فريد أنا مستبشر بيك... وحاسس إن وشك هيكون حلو عليّ.

- أنا وشي حلو عليك... بس إنت بقى كان وشك نحـ... سعد عليّ.

لم يصمد فريد طويلاً أمام توسلات هذا اللجوج، ووجدها فرصة للتعرّف عن قرب وبأعصاب هادئة، إلى اللجنة وأسئلتها وشكل الامتحان.

ضربة حظ

دخل الإثنان فوجدا نفسيهما وجهاً لوجه أمام اللجنة. سأل رئيس اللجنة عن أيّهما سيؤدي الامتحان، لم يستطع الطالب أن ينطق إذ توقّف الكلام في حلقه من شدة الخوف، لكنه رفع يده في إشارة إلى أنه هو الذي سيؤدي الامتحان، وكان المشهد من مسرحية «مصرع كليوباترا» للشاعر أحمد شوقي، تلك المسرحية التي يحفظها فريد عن ظهر قلب، وطالما أدى دور «أنطونيو» في مونولوجات طويلة أمام جمهوره من الهوانم صديقات والدته في لقاء يوم الإثنين الأسبوعي.

بدأ الطالب في أداء المشهد، غير أن رهبة الامتحان جعلت بعض الجمل يهرب منه، فاضطر فريد الى القيام بدور الملقّن له، إضافة إلى الدور الذي يؤديه أمامه، وكلما توقّف أو تلعثم أنقذه فريد بسرعة بجملة حوار.

لاحظ محمد صلاح الدين باشا ما يفعله فريد مع زميله إضافة إلى أدائه الواثق الهادئ، فهو يتصرّف ويؤدي بروح اللامبالي من النتيجة فهو غير ممتحن، ما جعل أداءه راقياً متميزاً، وفجأة أشار الباشا، رئيس اللجنة، الى الطالب بالتوقّف ووجّه كلامه لفريد:

* استنى إنت شوية... قولي إنت يا بني... إنت... ورقتك نمرة كام.

فأسقط في يد فريد ولم يعرف كيف يرد وماذا سيقول، لكنه تنبّه بسرعة قائلاً:

- أنا يا سعادة الباشا معنديش نمرة.

* إزاي... إنت اسمك إيه.

- اسمي فريد محمد عبده... الشهير بفريد شوقي.

هنا تنبّه سكرتير اللجنة إلى أنه سمع هذا الإسم ودار أمامه هذا الحوار سابقاً، فنبّه الباشا قائلاً:

- الطالب ده معندوش أوراق يا سعادة الباشا... علشان كده ملوش رقم.

* ده كلام مش مظبوط... الولد ده ياخد نمرة فوراً ويجيب أوراقه... هو ده اللي لازم يدخل المعهد.

هكذا ببساطة عادت الفرصة إلى فريد ثانية وبهذه السهولة، بكلمة من محمد صلاح باشا، مؤكد أنه يحلم... لكنه رئيس اللجنة، وكلامه لا يرد، فأراد فريد أن يصدّق على كلام الباشا ويؤكده كي لا تتوافر فرصة أمام سكرتير اللجنة لإسقاط اسمه مجدداً:

- أنا حافظ مصرع كليوباترا كلها يا سعادة الباشا... معاليك تحب أقدم مشهد منها دلوقت ولا لما آخد نمرة؟

* لا دلوقت ولا بعدين... يا بني انت خلاص نجحت.

أول الدفعة

لم يصدق فريد ما سمعه... فجأة أُدرج اسمه الذي سقط من الكشوف، بل وكان أول من يعرف نتيجته من بين كل المتقدمين، والأهم أنه نجح بكلمة من رئيس اللجنة، وأيّد هذه النتيجة يوسف وهبي الذي يعرف قدرات فريد، وكذلك حسين رياض... وصدّق الثلاثة الباقون: جورج أبيض وأحمد علام وعميد المعهد زكي طليمات، على كلامهم.

انتهى الامتحان، وأصبح فريد شوقي أول طالب في الدفعة الأولى التي التحقت بالمعهد القومي للتمثيل في عامه الأول بعد إعادة افتتاحه في العام 1946، وقد ضمّت الدفعة إلى جانب فريد شوقي: عبد الرحيم الزرقاني، كمال حسين، حمدي غيث، شكري سرحان، لطفي عبد الحميد، صلاح منصور، عمر الحريري، وسعيد أبو بكر. كذلك ضمّت الدفعة وللمرة الأولى في مصر خمس فتيات هنّ: نعيمة وصفي، نادية السبع، فاتن حمامة، سميحة أيوب، وزينب عبد الهادي، الحاصلة على دبلوم الصيدلة (بكالوريوس الصيدلة اليوم) والتي تقدّمت بأوراق التحاقها في المعهد بقسم النقد والإخراج، لكن ما إن شاهدها زكي طليمات ورأى جمالها اللافت حتى طلب منها أن تتحوّل إلى قسم التمثيل، وقد استطاع إقناعها بذلك.

انتظم الطلبة الجدد في الدراسة، ومثلما لفت جمال زينب نظر طليمات، لفت نظر فريد شوقي أيضاً، غير أن طليمات أراد أن يزيد عدد الفتيات اللاتي يلتحقن بقسم التمثيل واحدة أرادها ممثلة، لكن فريد أرادها حبيبة. فما أن كانت تقع عيناه عليها حتى يدق قلبه بسرعة غير عادية، يضطرب ويتصبّب عرقاً، ويتوارى خجلاً، لا يستطيع مواجهة عينيها الجميلتين، ووجهها البريء... مؤكد أن هذا هو الحب وليس «حب العيال» الذي أحبه لحسنية، لكن كيف يصارحها، ماذا يقول لها، وهل يضمن أن يجدها تبادله المشاعر نفسها؟ تمنى لو تتوافر الفرصة ليبوح لها بحبه ويعرف حقيقة مشاعرها.

الحب الأول

جاءت الفرصة عندما بدأ زكي طليمات يدرّب الدفعة على أول مسرحية في السنة الدراسية، «مصرع كليوباترا»، وأسند الى زينب دور «كليوباترا»، لكنه لم يسند لفريد دور «أنطونيو»، الذي فاز به حمدي غيث، بل دور «أنوبيس»، وعلى رغم ذلك كانت البروفات فرصة جيدة للتقارب والتعارف أكثر. اكتشفت زينب خفة دم فريد الذي كان يتعمد لفت انتباهها، وشعر بأنها أصبحت مهيأة لمصارحتها بحبّه، فانتهز فرصة الاستراحة في إحدى البروفات:

* زينب...

- أيوه يا فريد.

* كنت عاوز أقولك... أقولك ازاي صحتك؟

- الحمد لله كويسه قوي.

* يعني مش حاسه بحاجة.

- لا أبداً كويسه خالص... هو أنا باين علي أني تعبانه؟

* لا أبداً بعد الشر عنك يا اختي... أنا قصدي أقولك مش حاسة بحاجة من ناحيتي؟

- مش فاهمة... فريد فيه إيه... مالك؟

* زينب أنا بحبك وعاوز أتجوزك.

قالها واستدار بوجهه خشية مواجهة ردّ فعلها... سادت لحظة صمت، لم تثر، لم توبّخه، ولم تنصرف... فكيف هو ردّ فعلها إذاً؟

عاد فريد واستدار بوجهه ببطء ونظر في عينيها، انتظرت زينب أن تقع عيناه في عينيها، ثم ابتسمت ابتسامة رقيقة جميلة وركضت مسرعة.

ظلّ فريد طوال الليل يفكّر في ابتسامة زينب، فهل هي موافقة مصحوبة بخجل؟ أم رفض مصحوب أيضاً بخجل من مصارحته بالرفض؟ لا بد من قطع الشك باليقين ومعرفة رأيها صراحة، سواء بالرفض أو القبول، ومع أول ضوء للنهار لم يطق فريد الانتظار، وكان أول من يصل إلى المعهد. ظلّ يقطع الشارع الذي يقع فيه المعهد ذهاباً وإياباً فيما يدخن سيجارة من أخرى، وما إن لمح زينب آتية حتى توجّه إليها مسرعاً، لم يمهلها حتى يدخلا المعهد:

* صباح الخير يا آنسة زينب.

- صباح النور يا فريد... إيه اللي موقفك كده ما دخلتش ليه؟

* أنا مانمتش طول الليل.

- ليه سلامتك... تعبان؟

* عاوز أسمع رد صريح وواضح على الكلام اللي قلته لك امبارح.

- (ضاحكة) رد إيه يا بني؟ انت فاكرها لعبة.

* افهم من كده أنك مش موافقة؟

- لا رافضة ولا موافقة... اديني فرصة أعرفك كويس وأفكر.

* يعني فيه أمل؟

- (بدلال) ممكن.

*  وأنا موافق على الفرصة... يومين كفاية

- يومين إيه يا بني... هو انت بتعرض علي اشتري فستان... انت بتعرض علي الجواز... يعني المسألة محتاجة تفكير ودراسة مش أقل من شهر.

* وأنا موافق... ولو أني مستعجل.

مرّ الشهر بطيئاً ثقيلاً، غير أن النتيجة كانت مرضية تماماً، فزينب هي الفتاة التي كان يتمناها فريد ويحلم بها، وهي بدورها وافقت على الزواج منه. لم يضيّع فريد الوقت وفاتح والده فوراً:

* صحيح انت عندك خمسة وعشرين سنة... بس ليه تربط نفسك بالجواز من دلوقت... وخصوصاً انك لسه بتدرس؟

- بدرس إيه يابابا... انت ناسي اني اتخرجت وبقيت مهندس وكمان موظف حكومي في مصلحة الاملاك... أنا بدرس فن علشان انمي موهبتي.

* وانت فاكر إن الستة جنيه بتوع المصلحة ممكن يفتحوا بيت؟

- ماهو أنا كمان هشتغل برضه في المسرح جنب مرتب المصلحة... يعني ممكن يبقى مرتبي في الشهر مش أقل من خمستاشر عشرين جنيه.

* اللي تشوفه يا بني... انا نصحتك وانت حر.

«في حفل عائلي بهيج، تمت خطبة الآنسة زينب عبد الهادي، الصيدلانية بمستشفى الأميرة فريـال، على فريد أفندي شوقي، الموظف الحكومي بمصلحة الأملاك، مع العلم أن العروسين يدرسان التمثيل ضمن طلبة الدفعة الأولى بالمعهد القومي للتمثيل».

هذا خبر مقتضب ورد ضمن أخبار صفحة المجتمع في مجلة «روز اليوسف»، جعل زكي طليمات يستشيط غضباً، لدرجة أنه وقف على باب المعهد في صباح اليوم التالي وما أن شاهد فريد شوقي يدخل حتى أشار إليه بحدة وغضب أن يتبعه إلى المكتب:

* تقدر تقوللي يا أفندي انت إيه اللي مكتوب ده.

نظر فريد في المجلة وقرأ الخبر وابتسم:

- آه ده خبر خطوبتي أنا وزينب... الله يبارك فيك يا فندم.

* الله لا يبارك فيك ولا فيها... أنا مش بباركلك... أنا عاوز أعرف معناه إيه الخبر ده؟

- (مندهشا) معناه اننا بنحب بعض واتخطبنا وهنتجوز قريب على سنة الله ورسوله.

* ده على جثتي يا أفندي.

- مش فاهم يا فندم تقصد إيه.

* أقصد أن الجوازة دي مش هتم... ولو تمت يبقى على جثتي.

- ليه يا زكي بيه... إيه الجرم اللي عملناه؟

* أنا عندي في المعهد خمس بنات وعشر ولاد... ولو الخمس بنات ارتبطوا بخمس ولاد من العشرة... معناها أن قبل نص السنة مش هيبقى فيه ولا بنت في المعهد، ويمكن الولاد كمان يهجروا المعهد علشان يشتغلوا ويدوروا على لقمة العيش... يبقى عليه العوض في المعهد... نقفله بقى ونقعد في بيوتنا.

- لكن يا فندم أنا مش ممكن...

* انسِ.

- يا فندم أهلنا موافقين... واحنا الاتنين بنحـ...

* انسى... وجودكم في المعهد انتو الاتنين كوم... والجوازة دي كوم.

لم يكن زواج شباب المعهد وشاباته الخطر الوحيد الذي قد يهدّد استمراره والدراسة فيه، بل كان ثمة خطر آخر أهم يهدّد المعهد بالإغلاق ثانية على غرار ما حدث في المرة الأولى في العام 1930 بسبب اختلاط الجنسين، غير أن الإغلاق هذه المرة سيكون بسبب عدم وجود ميزانية مالية للمعهد الذي تشرف عليه وزارة الشؤون الاجتماعية... فلم تُعتمد له ميزانية مالية ما هدّد بغلقه.

إنقاذ معهد التمثيل

خبر آخر لفت نظر زكي طليمات، غير أنه تصدّر الصفحات الأولى للصحف والمجلات كافة، تحت صورة كبيرة لجلالة ملك مصر فاروق الأول، يقول «إن سمو الأميرة  شويكار الزوجة الأولى للملك فؤاد، والد الملك فاروق، قررت أن تقيم احتفالاً ضخماً في السراي الخاص بسموّها مساء الخميس الحادي عشر من فبراير، سيحضره جلالة الملك فاروق الأول، احتفالاً بعيد ميلاد سموه».

كان الخبر بمثابة طوق النجاة لطليمات، فقد استطاع إقناع رئيس الديوان الملكي بأن يقدّم طلبة المعهد القومي للتمثيل وطالباته عرضاً مسرحياً ضخماً يُعرض في هذه المناسبة السعيدة. طار طليمات من الفرحة وأصدر أوامره لكل الطلبة بالاستعداد لهذا اليوم وهذا العرض التاريخي الذي سيكتب للمعهد الاستمرارية، فأن يشاهد جلالة الملك عرضاً مسرحياً لطلبة المعهد، هو اعتراف رسمي من جلالته بالمعهد، وبالتالي ستخصّص له حتماً وزارة الشؤون الاجتماعية ميزانية مالية.

كاد قلب طليمات أن يتوقّف عن النبض عندما تلعثم كلّ من فاتن حمامة وشكري سرحان في الحوار رعباً من مواجهة جلالة الملك، ولم ينقذ الموقف سوى تدخل فريد شوقي السريع، الذي استطاع بذكاء شديد أخذهما بعيداً عن الإحساس بالصالة ومن يجلس فيها، الملك والأمراء والأميرات. تنفّس طليمات الصعداء وابتلع ريقه وضجت الصالة بالتصفيق ووقف الملك، فوقف الجميع وهزوا رؤوسهم محيين، فزاد التصفيق وحصد طليمات النتيجة المرجوة.

شعر فريد بأن حسن تصرّفه أنقذ طليمات من موقف لم يكن يعلم نتيجته إلا الله وحده، بل والأهم أنه أنقذ المعهد من الإغلاق الذي كان يهدّده، وبالتالي لا بد من مكافأته على هذا الموقف، وأيقن أنه لو فاتح طليمات في أمر زواجه من زينب الآن فقد لا يمانع:

* أنا بشكرك يا فريد أنت رفعت راس المعهد ورفعت راس زملاءك.

- أنا يا فندم اللي عاوز اشكرك أنك منحتني ثقتك وشرفتني بالقيام ببطولة العرض ده.

* انت ولد مجتهد يا فريد... وخد بالك من نفسك... هيبقالك مستقبل كويس... بس المهم تبعد عن الافكار البطالة اللي في دماغك دي.

- بالمناسبة دي يا فندم أنا كان ليّ طلب عند سعادتك... وياريت تحققهولي.

* قول يا فريد عاوز إيه... عاوز مكافأة ولا اعفا من المصروفات؟

- لا يا فندم خير ربنا كتير... أنا كان نفسي أن سعادتك تبارك جوازنا أنا وزينب.

* (بحدة) انت لسه الأفكار البطالة دي في دماغك.

- يا فندم بكلمة من سعادتك هتسعد قلبين ومش ممكن هننسى لسعادتك الجميل ده.

صمت طليمات لحظة حرص فيها فريد على ألا يرفع نظره عن الأرض:

* أنا موافق... بس بشرط.

- كل شروطك مجابة يا فندم... ربنا يخلي سعادتك.

* مفيش مخلوق في المعهد لا طلبة ولا أساتذة يعرفوا بأمر الجواز ده... وبلاش حكاية الأخبار اللي في الصحف دي.

- حاضر يا فندم... مفيش مخلوق هيعرف... ولو مش عاوز أهلنا نفسهم ما يعرفوش مش هيعرفوا.

زواج سري

في الأسبوع الأول من يونيو بعد انتهاء العام الدراسي، وفي هدوء تام وبشكل يكاد يكون سرياً، خوفاً من عميد المعهد، تم زفاف زينب عبد الهادي إلى فريد شوقي، الحلم الثاني الذي تحقّق لفريد هذا العام بعد حلمه الأول بالالتحاق بمعهد التمثيل.

لم يكن هناك من هو أسعد من هذين الزوجين في عشّهما الصغير الهادئ بحي الحلمية الجديدة، لا يتركان بعضهما إلا سويعات قليلة أثناء النهار، تمضيها زينب في عملها بالمستشفى، ويمضيها فريد في مصلحة الأملاك، يشرب الشاي والقهوة ويتصفّح بعض الصحف والمجلات، حتى يقترب موعد خروج زينب من المستشفى، فلا يفترقان إلا في صباح اليوم التالي، حيث يمضيان بقية اليوم بين تناول طعامهما في الخارج، والفسحة ومراجعة بعض الدروس والبروفات المسرحية.

أحب فريد زينب لدرجة الجنون، وأصبح يغار عليها، ربما من نفسه هو شخصياً، وهذا ما دفعه الى أن يعرض عليها أمراً فكّر فيه وتردّد طويلاً قبل أن يفاتحها فيه:

* كنت عاوز أقولك يعني حكاية المعهد والدراسة دي ما بقتش مناسبة لك دلوقت.

- عاوز تقول إيه يا فريد؟

* عاوز أقول كفاية عليك المستشفى... وأهو القرشين اللي بتاخديهم على مرتبي نقدر نعيش كويس والحمد لله... لكن حكاية إنك تبقي ممثلة دي يعني...

- أولا أنا مش في المعهد علشان أبقى ممثلة وآخد فلوس، ثانيا ودا الأهم، مش معنى إن الأستاذ زكي طليمات خلاني أدخل قسم التمثيل، اني هتخلى عن حلمي بإني أكون ناقدة كبيرة.. ده حلم يا فريد ولازم أحققه.

لم يشأ فريد أن يقتل حلم زينب، خصوصاً عندما شعر بأنها كانت وجه سعد عليه، إذ تذكرت مصلحة الأملاك أخيراً أن لديها موظفاً يدعى فريد شوقي، عندما جاءه خطاب منها يطالبه بالإشراف على توزيع أملاك «البرنسيسة نعمت مختار» على ورثتها، وهو العمل الذي جنى من ورائه مبلغاً طائلاً من المال، جعل فريد وللمرة الأولى في حياته يملك سيارة، «أوستن» موديل 1930.

البقية في الحلقة المقبلة