كان ذلك الشيء معذباً، لا يطاق، فقد استيقظتُ في تمام الثالثة بعد منتصف الليل وأنا أبحلق كالمعتوه بعينين واستعين في سقف الغرفة، وأكاد أختنق. اللسان إلى الخارج وفمي جاف تماماً. هل قلتُ كلبا؟ أجل، كنتُ أشبه بكلب ضمان وهو يجري خلف المجهول. ليس سهلاً أن يموت المرء في هذه المدينة المستلقية على سرير موجة عظيمة، وحيداً ومخرباً من الداخل، أين قرأت هذا؟ في أي كتاب؟ أم انه الكابوس إياه مرة أخرى، هذا الشيء المطارِد الشبيه بالحمى، هذا المستنقع الأخضر من التأوهات والصرخات الكتيمة، حاولت أن أنهض من سريري فتراءت لي خيالات جعلتني أتوهم للحظة، أنني تائه في أمكنة وبرارٍ بعيدة. تيهان قد يكون جزءاً قديماً من طفولتي، كان هذا أكبر من أن يحتمل، ولهذا السبب بالذات قلما كنتُ أستطعم النوم، إنه الليل، ليل المدينة، ليل يترافق وموجودات الحياة بشهوانية وخفة كأنه فُصل لهذه الكائنات التي يبدو أنها لن تموت أبداً، ثم أنه حتى إن حدث هذا فإنها تظل تحيا فيه بقوة غريبة. ثم هناك هذا الضباب المنتشر النائم في حكايات البحارة وصرخات المخمورين، كيف ستتفتح الرغبات؟ كيف ستلمع الأزهار البيضاء؟ كيف سيكون الزمن بعد غياب طويل؟ الذكرى علامة الساهرين على الكنز، فكرتُ ثم بدأ قلبي يخفق مثل ملاك يسقط في بئر. لقد جئتُ حقاً، جئتُ من أجل امرأة, ذكرى امرأة ابتسامتها تلاشت في الجانب المعتم من العالم. في الصباح وقفتُ أمام النافذة، في الفندق المُطل على الرابية، ثلاثة طوابق لا أكثر في الأسفل حديقة مفتوحة ومزروعة بإهمال، أشبه بمتاهة صغيرة، وهناك في عمق الحديقة يرتكن مشرب صغير وهادئ. وقفت هناك أمام النافذة وأنا أتطلع بعينين ضيقتين إلى البحر الواسع، إلى الأبيض المتوسط، وبإمكاني أن أرى أقول لكم بإمكاني أن أرى أيضاً سكة الحديد وميناء المدينة المشغول بالسفن، القليلة وقوارب الصيد، نعم هذا هو العالم الذي كان ذات يوم في متناول يدي. ثم تعبت من البشر لكن الصديق والحيوان وأنثى الأعالي ظلوا جميعاً أصدقائي. ليس للموت اخوة، هذا صحيح لكن اصدقائي ماتوا تحت برج الحرية، وتحت سقف الملعونين تورق المعرفة، تلك هي ربما، تلك هي ربما أيضاً الشجرة الخضراء في حلم أيامي القادمة.

Ad

الحجرة البيضاء في يدي ثملة بيضاء، لكن لونها يُشبه الأفق، سأرميها لكم الحياة تستحق أكثر من هذا، على الأقل لاصدقائي والحيوانات وأنا، تلك هي أيضاً رمية النرد اللطيفة فوق الجبل، هكذا يمكن أن أتخيل أن نيتشة سيعود ليحدق من تحت الباب وسيوران يحدق بغضب من فوق جفون الآلهة، وهكذا سأدعو أصدقائي والحيوانات على الوليمة. ليس اليوم ليس غداً ولكن في زمن ما، وفي زمن ما أيضاً سأحلم انني ازور دجلة، نهر المسرات وأضع يدي في أيدي أطفال السياب الذين غرقوا في بئر احلامهم. كأنني مثلهم لم أكن سوى صدفة بحرية، مرمية فوق رمال بعيدة.