كنا نفاجأ بين الحين والآخر بقيام الرئيس المخلوع أثناء جولاته في محافظات مصر بزيارة مفاجئة لأحد المواطنين، وبالمصادفة يكون من محدودي الدخل ويفاجأ هذا المواطن المحدود الذي تغيب عن عمله في ذلك اليوم أيضاً مصادفةً برئيس الجمهورية على باب بيته، فيرحب به بالطبع ويدعوه للدخول، فيشترط سيادته أن يشرب كوبا من الشاي الثقيل، ويتجاذب الرئيس والمواطن المحدود أطراف حديث لا يخلو من بعض القفشات المصرية، يواكبه تجول للكاميرا في أرجاء المنزل الذي يعبر تماما عن محدودية دخل صاحبه!

ثم يأتي أبناؤه الذين تغيبوا عن مدارسهم أيضا في ذلك اليوم بالمصادفة ليفاجؤوا بوجود الرئيس، فيقوم بدوره بمداعبتهم، ولا يقاطع هذا المشهد الدافئ سوى دخول الزوجة المحدودة في أبهى صورها، وهي تتزين بحلي تكفي لحل مشكلة عنوسة عشر فتيات، حاملة أكواب الشاي الثقيل لتقدمه لسيادة الرئيس، وغالبا ما ينتهي اللقاء بإقرار ضمني من المواطن المحدود وأسرته المحدودة بالرضا التام والحياة الكريمة التي تعيشها تلك الطبقة العريضة من المواطنين.

Ad

وفي حادثة مشابهة سلطت وسائل الإعلام المصرية الأسبوع الماضي الضوء على جولة مفاجئة قام بها رئيس المجلس العسكري لمنطقة "وسط البلد" سيراً على الأقدام متخلياً عن زيه العسكري، حرص خلالها على مصافحة كل من تطوله يده من المارة في غياب لافت لأي نوع من الحراسة تصاحبه في تلك الجولة.

لقد ظهر المشير في بداية الثورة وسط جموع الثوار في لباسه العسكري في صورة عكست للجميع نية الجيش لحماية الثورة، ولكن ظهوره هذه المرة وقيامة بتلك الجولة مرتديا زياً مدنيا يفتح الباب للكثير من التأويلات التي قد تؤدي إلى زيادة الفجوة بين المجلس ومعارضيه.  وقد تأتي تلك الجولة كما فسرها بعض المحللين السياسيين كوسيلة لتحسين صورة المجلس العسكري بعد أن زادت حدة الانتقادات الموجهة إليه؛ في حين أن البعض الآخر يراها وسيلة لجس نبض الشارع، خصوصا أنها تتزامن تماما مع نهاية الفترة الانتقالية لإدارة المجلس العسكري لشؤون البلاد، والتي تم الاستفتاء عليها في مارس الماضي، واللافت هنا للنظر أن المجلس العسكري يصر على استخدام نفس الطرق التقليدية في التلميع الإعلامي التي لم تعد تصلح لمواكبة زمن ما بعد الثورة معتمدا على طيبة المشاهد واحتمالية اقتناعه بأن مرحلة الحكم العسكري ستنتهي بمجرد استبدال سترة عسكرية بأخرى مدنية!  لقد أحدثت الثورة تغييرا كبيرا في طريقة تفكير الشعب ومدى إدراكه لمجريات الأمور، فقد التقيت الأسبوع الماضي ومجموعة من الشباب لفترة جاوزت أربع ساعات تحدثنا فيها في مواضيع شتى تهتم بالشأن المصري في الوقت الراهن، العجيب في الأمر أن تلك الأحاديث جميعها قد خلت تماما من أي حوار يتعلق بكرة القدم!