عاش ليتحدث عن البسطاء، أولئك الذين لا يعرفون طريق القصور، ملح الأرض الذين تمتلئ بهم قرى مصر ومدنها. كان زاد كتابته تلك الوجوه التي لوّنتها الشمس الحارقة وشقت فيها حبات العرق أخاديد عميقة، ومات وهو مطمئن لانتصار الشارع على القصر. إنه الروائي والكاتب المصري الكبير خيري شلبي، حكَّاء البسطاء الأول، الذي فاضت روحه صباح أمس عن 73 عاماً، إثر تعرضه لأزمة قلبية.

شلبي انحاز في أعماله على مدى أكثر من خمسة عقود إلى المهمشين، ورغم إغراءات المادة لم ينحز إلا إلى الطبقات البسيطة، فكان جوالاً يبحث عن نصوصهم وأدبهم، يعايشهم ويكتب عنهم، ينقدهم ويحن عليهم، ويرصد التغيرات العميقة التي جرت في نهر الحياة الاجتماعية في مصر.

Ad

لم يرحل خيري شلبي إلا بعد أن رأى الثورة المصرية التي انتظرها وآمن بها ودعا إليها تطيح بنظام حسني مبارك، ليتشابه رحيل الحكاء الأول مع رحيل عميد الأدب العربي طه حسين الذي رحل بعد انتصار أكتوبر بأيام قليلة، فكان الرحيل بعد الاطمئنان على مستقبل وطن عشقه إلى درجة التقديس، وبعدما تأكد أن رهانات العمر على الشعب لا الحاكم، وعلى البسطاء لا الأثرياء، لم تذهب سدى.

يعد الأديب خيري شلبي واحداً من أبرز الظواهر الأدبية على الساحة العربية، فكان أحد أفضل من كتب البورتريه الصحافي، وهو الفن الذي اكتسب شرعيته في الصحافة العربية على يديه، فقد رسم بالقلم ملامح عميقة للشخصيات الأدبية والسياسية والفنية على مدار نصف قرن، كما قدم أعمال «الفانتازيا التاريخية»، التي أبحر خلالها في تفاصيل الشخصية المصرية بتنوعها في روايته رحلات الطرشجي الحلوجي، واهتم كذلك بالسير الشعبية باعتبارها خلاصة أدب المهمشين، فرسم شخصياته على منوال أبطال علي الزيبق وسيف بن ذي يزن وعنترة بن شداد والزير سالم.

ولم يتنكر شلبي لجذوره الريفية فقدمها في عمل من أعمق الأعمال الأدبية التي تناولت مجتمع الريف المصري في روايته «الوتد» التي تحولت إلى دراما تلفزيونية لاقت نجاحاً كبيراً.

ولد خيري شلبي في 31 يناير 1938 في قرية شباس عمير، ودخل عالم الأدب عبر بوابة الصحافة في مطلع الستينيات قبل أن يتفرغ تماماً للكتابة الأدبية. ويعد من أكثر أبناء جيله إنتاجا، فقد جاوز إنتاجه الـ70 عملاً من أبرزها روايات «صالح هيصة»، و»ثلاثية الأمالي» و»الأوباش» و»الشطار»، و»نعناع الجناين»، و»صحراء المماليك»، و»زهرة الخشخاش»، و»وكالة عطية»، أما آخر أعماله فكانت رواية «أسطاسيا» الصادرة العام الماضي. وحصل شلبي على العديد من الجوائز، أبرزها جائزة الدولة التشجيعية عام 1981، وجائزة أفضل رواية عربية عام 1993 عن رواية «وكالة عطية»، وجائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية بالقاهرة عن الرواية نفسها، وجائزة الدولة التقديرية عام 2005.