اكتشف فريد شوقي أن الزائرة التي حضرت إلى مكتبه، ليست إلا تلك المعجبة البيضاء، ذات الملابس السوداء، التي سبق أن زارته في كواليس مسرحية «الدلوعة»، واسمها سهير ترك، حضرت اليوم إلى مكتبه لتقديم واجب العزاء في وفاة والده:

Ad

* طبعا حضرتك متعرفناش ومش فاكرني... بس أنا قابلت حضرتك قبل كده في...

- لا فاكر طبعا... حضرتك شرفتيني بالزيارة في كواليس مسرحية «الدلوعة».

* ما شاء الله ذاكرتك قوية... لكن احنا آسفين للزيارة دي من غير معاد... بس إحنا جينا قبل كده وحضرتك كنت لسه مرجعتش مكتبك.

- أيوه كان فيه ظروف كده خاصة وانتهت والحمد لله.

* هو إحنا بقى جايين النهارده علشان الظروف دي.

- إيه؟!

(ظنّ أنها تتحدّث عن ظروف الطلاق)

* جايين علشان نقول لحضرتك البقية في حياتك لوفاة والدك... لإني عارفه إنه كان عزيز جدا على حضرتك وكان بالنسبة لك كل حاجة... لكن للأسف توفى في وقت إنت كنت في أشد الحاجة إليه.

شعر فريد بأن الزائرة تعرف عنه أكثر من اللازم... فهي قرأت ما كان يفكّر فيه، ولمّحت في كلامها إلى حاجته الى والده في ظروف طلاقه من هدى سلطان، وهذا أمر لا يبدو عادياً مع مجرد معجبة، نظر إليها بدهشة ولاحظ والدها ذلك، فتدخّل بسرعة ليزيل دهشة فريد:

- أستاذ فريد البقاء لله... حضرتك فنان كبير ومعروف والفنانين الكبار جمهورهم اللي بيحبهم بيتابع أخبارهم في الصحافة والتلفزيون وبيعرف عنهم كل حاجة... وإنت فنان مش عادي.

= أشكرك... وأشكر الهانم على اهتمامكم وذوقكم وكرم أخلاقكم.

- ودلوقت اسمح لنا نمشي لأن حضرتك أكيد عندك شغل ومش عاوزين نعطلك.

استأذن والد سهير وسبقها بالخروج ووقف فريد لوداعهما، فوجد نفسه وجهاً لوجه مع سهير فبادرها من دون تردد:

- ممكن أشوفك بكره هنا في المكتب في نفس الميعاد؟

* أوي أوي تحت أمرك.

- يعني مسألتنيش ليه؟

* أكيد عاوزني في حاجة مهمة وإلا مكنتش طلبت تشوفني... والحاجة دي هعرفها لما آجي بكرة إن شاء الله.

جميلة، ذكية، لماحة، مطيعة، شخصيتها قوية، واثقة من نفسها، والأهم من ذلك كلّه أنها مثقفة ثقافة رفيعة بدليل أنها لم تخجل من انتقاده كما فعلت سابقاً.

هكذا جلس فريد يفكّر في أمر هذه الزائرة التي وجدها فجأة في حياته، بل وبدأ ينشغل بها، غير أنه لم يكن يعرفها، لم يكن يعرف سوى اسمها واسم والدها، ولا يعلم سرّ هذا الاهتمام به.

حب من أول نظرة

أسئلة كثيرة دارت في رأس فريد شوقي حول الزائرة البيضاء ذات الملابس السوداء، وهذه كانت الملاحظة الأولى والأساسية التي أراد أن يسأل عنها، خصوصاً أنها كانت ترتدي ملابس سوداء أيضاً عندما شاهدها في المسرح لأول مرة، وكان ذلك السؤال الأول الذي عرف الإجابة عنه في اللقاء معها في اليوم التالي، فقد أخبرته بأنها ملابس الحداد على وفاة والدتها التي كانت رحلت أخيراً.

عرف فريد في لحظات كل شيء عن سهير، الأصل والعائلة، والأهم أنها ربة منزل لا تعمل، سبق لها الزواج غير أنها انفصلت بسبب خلافات بين العائلتين. عرف منها أنها تحبه كفنان منذ فترة مراهقتها، تحتفظ في بيتها بأرشيف كامل له، من صور وحوارات ومعلومات وأخبار، حتى خلال الفترة التي تزوّجت فيها لم تمتنع عن ممارسة هذه الهواية وجمع كل ما يتعلّق به.

والآن جاء الدور على سهير لتسأل وفريد يجيب، وكان بديهياً أن يكون السؤال الأول حول أسباب طلاقه من الفنانة هدى سلطان، غير أنه لم يكن سؤالاً إجبارياً، لذا جاءت إجابة فريد:

* معلش أنا آسف... بلاش نتكلم في الموضوع ده... ممكن تسألي عن أي حاجة إنت عاوزاها... بس اعفيني من الكلام في الموضوع ده... إحنا دلوقت منفصلين ومش هقدر أتكلم عنها.

- طب معلش يعني... مفيش أي فرصة تراجع فيها نفسك وتيجي على نفسك شوية بحيث ترجعوا لبعض يعني.

* إنت مصرة إنك تجريني للكلام في الموضوع ده؟

- مش قصدي والله بس أنا بحب مدام هدى سلطان جدا ومعجبة بيها... وجوازكم وشغلكم مع بعض كنا بنضرب بيه المثل كلنا.

* صدقيني مينفعش اتكلم دلوقتي لأني ممكن اظلمها وأطلع نفسي بريء، وهي مش موجودة علشان تدافع عن نفسها... بس أنا بوعدك هييجي يوم وأقولك على كل حاجة... بقولك إيه سيبك من الكلام ده... انت مش جعانة؟

- جدا.

* طب إيه رأيك نبعت نجيب ساندويتشات فول وطعمية وحشوني أوي.

- وأنا كمان بحبهم أوي.

* يا حسن... آه كان فيه حاجة كنت ناسيها عاوز أقولهالك...

- اتفضل.

* كنت ناسي إيه يا فريد؟ ناسي إيه يا واد يا فريد؟ آه افتكرت... تتجوزيني يا سهير؟!

لم تجب سهير بالرفض أو القبول، بل طلبت فرصة للتفكير في الأمر ومشاورة والدها وأشقائها، غير أنه لمح ابتسامة على شفتيها ولمعة في عينيها، كانتا عنواناً عريضاً للقبول وإن لم تنطقه بلسانها.

أخبر فريد والدته بأمر سهير ورغبته في الزواج منها، وقصّ عليها كل تفاصيل حياتها، والنقطة الأهم أنها لا تعمل في الوسط الفني، فرحبت الأم بقراره، خصوصاً بعد التغيّر الذي طرأ عليه فجأة بسبب هذه الزائرة.

الترحيب نفسه جاء من ابنتيه من هدى سلطان، ناهد ومها، لا سيما بعد زواج والدتهما من المخرج حسن عبد السلام.

لم يضع فريد وقتاً، اتصل بسهير لتحدّد له موعداً مع والدها وأفراد عائلتها، فالتقى بهم وكان أمامهم كتاباً مفتوحاً، ولم يغادر بيتهم قبل أن يتّفق على التفاصيل كافة وموعد الزفاف.

أمضى العروسان شهر العسل في فندق «عمر الخيام»، وما إن انتهى حتى استأجر فريد شقة مفروشة على النيل لحين الانتهاء من تأسيس بيت الزوجية.

عودة الثقة

عاد فريد إلى حياته، استردّ ثقته في نفسه، عاد «وحش الشاشة» إلى جمهوره، بعد أن رجع إلى عمله الذي يعشقه، فانهالت عليه عقود الأفلام من المنتجين والموزعين، فقدّم «طريق الانتقام» أمام سهير المرشدي، إخراج أمين الحكيم، و{وكر الأشرار» أمام هند رستم، رشدي أباظة، ومحمود المليجي، إخراج حسن الصيفي. ثم كتب قصة فيلم جديد بعنوان «كلمة شرف»، أخرجه حسام الدين مصطفى، وشارك في بطولته كلّ من هند رستم وأحمد مظهر ورشدي أباظة، إلى جانب نيللي ونور الشريف، وقد تخلّى فريد فيه عن دور «الشجيع» ليعالج إحدى أهم القضايا الاجتماعية والإنسانية، وهي إمكان خروج السجين لرؤية مريض له، وما أن عُرض الفيلم حتى تغيّرت قوانين مصلحة السجون بالفعل، وسُمح للمساجين ممن لهم ظروف اجتماعية خاصة بزيارة ذويهم.

حرص فريد على العمل مع الأجيال الجديدة- من مؤلفين ومخرجين وممثلين- التي ظهرت في نهاية حقبة الستينيات وأصبح لها وجود على خارطة السينما المصرية، وعلى تقديمها للجمهور إلى جواره وفي أفلامه باعتباره الإسم الأول في عالم السينما آنذاك، ومن الأفلام التي قدّمها مع هؤلاء: «الخطافين» مع المخرج حسام الدين مصطفى، شاركته بطولته نبيلة عبيد، يوسف فخر الدين، توفيق الدقن، وكنعان وصفى، «لحظات خوف» مع ميرفت أمين وإخراج حسن رضا، «رجال لا يخافون الموت» مع سهير رمزي، توفيق الدقن، ومجدي وهبه، إخراج نادر جلال ، «أبو ربيع» مع نجلاء فتحي، يوسف فخر الدين، توفيق الدقن، وليلى جمال، إخراج نادر جلال.

كأن الأقدار بدأت تعوِّض فريد عن كل ما فات، فشعر بطعم السعادة الحقيقي، أحسّ بدفء الأسرة، إذ كان يعود من عمله فيجد زوجة محبة في انتظاره تزيل عنه هموم يوم طويل شاق، تحتويه، تمنحه الدفء والحنان والحب، بل إنها تحرص يومياً على إرسال طعام الغداء له في الاستوديو، وهذا ما لم يعتده سابقاً.

لم يكن هذا الاهتمام قاصراً على فريد وحده، بل امتد الى كل أفراد أسرته، والدته التي أصبحت مريضة وملازمة للفراش وتعيش على ذكريات زوجها، عمته التي تلازمها، وكذلك بناته، منى وناهد ومها، وتحديداً مها التي لم تكن تخطّت عامها الخامس عشر آنذاك.

العودة إلى تركيا

عادت شركات الإنتاج والتوزيع التركية تطلب فريد شوقي فقرّر العودة الى تركيا لاستكمال سلسلة الأفلام التي قدّمها هناك، غير أنه هذه المرة لن يسافر بمفرده، بل مع زوجته سهير ترك.

كان استقبال اسطنبول لفريد شوقي هذه المرة مختلفاً، فقد رحب به النجوم الأتراك، وكل المجتمع التركي، سُعدوا به وبمشاركتهم له أفلامه، فقدّم «مـغـامرة فى اسطنبول» مع النجمة التركية فريدة وإخراج التركي ساز، و»رجـل لا يعرف الخوف» الذي كتبه عبد الحي أديب، وشارك فريد بطولته النجمان التركيان آمال ياسين وعماد عز الدين، وأخرجه ماتين أركسان.

أصبح بيت فريد في اسطنبول محجاً لكل النجوم الأتراك والعاملين في السينما التركية، خصوصاً بعدما تذوّقوا أنواع الأطعمة المصرية من يد زوجته البارعة سهير ترك، التي كانت تحرص على إرضاء فريد بأي شكل وبأي ثمن، حتى لو كان على حساب صحتها، فلم تكن لديهما خادمة، بل كانت تقوم هي بكل الواجبات المنزلية والولائم، على رغم اقتراب موعد وضع حملها الأول.

أبو البنات

شعر فريد بأنه أرضى غروره كفنان وقدّم ما يريده الى السينما التركية، وأنه ربح التحدي الذي أعلنه منذ الليلة الأولى التي وصل فيها إلى تركيا ولمح نظرة الاستخفاف والسخرية من النجوم الأتراك لما يمكن أن يفعله هذا الممثل المصري، وها هو الآن النجم الأول في تركيا، واسمه يسبق أسماء كبار النجوم والنجمات... عندها فحسب قرّر إنهاء هذه المرحلة وإغلاق هذا الملف والعودة إلى القاهرة، خصوصاً أنه يرغب في أن تضع زوجته مولودهما الأول على الأراضي المصرية.

عاد فريد شوقي وزوجته سهير ترك إلى القاهرة ليستقبلا مولودهما الأول الذي جاء أنثى للمرة الرابعة في حياة فريد، غير أنه لم يبال، فلم يعد ينتظر «الولد» كما كان في بداية حياته، بل فرح بها وأطلق عليها اسم عبير، ولم يمر شهر حتى أصبح فريد شوقي جداً للمرة الأولى، فقد رُزقت ابنته منى من زوجته الأولى زينب بمولودتها الأولى، غير أن سعادته تضاعفت بعد أشهر عدة، عندما وضعت ناهد، ابنته من هدى سلطان، أول حفيد ذكر في الأسرة، وأطلقت عليه اسم فريد.

أوّل شيء لاحظه فريد منذ عاد من تركيا أن الأحوال في مصر تبدّلت، خصوصاً بعد نصر أكتوبر 1973 وانتهاء الحرب وعودة الحياة إلى شكلها الطبيعي، وأن الأطفال في الشوارع لم يعودوا يلعبون لعبتهم التقليدية «عسكر وحرامية» ويقسّمون أنفسهم إلى فريقين، فريق من العسكر يطارد فريق «عصابة الحرامية»، بل وجد أن رياضة جديدة غزت مصر عن طريق السينما الآسيوية وانتشرت في الشوارع والنوادي، اسمها «الكاراتيه».

أعاد فريد ترتيب أوراقه وحساباته، فلم يعد يجدي مع هذا الجيل الذي يلعب «كاراتيه» في الشوارع أن يقدّم له نفسه باعتباره «وحش الشاشة» وأفلام الفتوة والعصابات التقليدية، إذ لا بد من مسايرة التغيير وتقديم سينما يقبل عليها الشباب، فقرّر تقديم أول فيلم كاراتيه مصري، غير أنه في هذه السن ـ 52 عاماً ـ لن يقنع الجمهور إذا مارس أمامه رياضة الكاراتيه، فاستعان بالفنان أحمد رمزي ليشاركه بطولة فيلم «الأبطال» الذي كتبه محمد أبو يوسف، وأخرجه حسام الدين مصطفى، وشاركتهما البطولة الفنانة منى جبر.

بعدها قرّر فريد أن يودّع أفلام الحركة والكوميديا، خصوصاً مع ظهور أجيال جديدة من الكوميديان، وتحديداً هؤلاء الذين علا نجمهم ولمعت أسماؤهم في المسرحية الكوميدية «مدرسة المشاغبين»: عادل إمام، سعيد صالح، يونس شلبي، ومعهم فتى أسمر ضئيل الحجم اسمه أحمد زكي. وقد تكرّر نجاح هؤلاء في مسرحية أخرى بعنوان «أولادنا في لندن» ثم «العيال كبرت»، بالإضافة إلى فرقة ثلاثي أضواء المسرح: سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد، فضلاً عن وجود فؤاد المهندس ومحمد عوض وغيرهما، بمعنى أنه أصبح هناك مضحكون جدد، وكوميديا جديدة مختلفة يضحك لها جيل مختلف، فكان لا بد من التفكير في اتجاه جديد يسلكه النجم الكبير، ويغيّر من جلده مرة رابعة ليستمر في القمة.

استقبل فريد شوقي ابنته الخامسة رانيا ليصبح رسمياً صاحب لقب «أبو البنات»، وتصبح رانيا «آخر العنقود» ودلوعة الأسرة كلّها، خصوصاً أن شقيقاتها لديهن أبناء أكبر منها، فوضعها فريد في مكانة خاصة لديه لإحساسه  مع تقدّمه في السن، أنه قد يرحل ويتركها وهي لا تزال طفلة، ومنحها مزيداً من الحب والحنان والدلال.

إشادة من السادات

لم يكن هذا الإحساس خاصاً بفريد كأب، بل انتقل معه إلى السينما كفنان، فقدّم نوعية مختلفة من السينما الاجتماعية، إذ لم يعد الشاب ولا العاشق الماجن ولا الشرير رئيس العصابة، أو حتى الوحش الذي يمكنه أن يضرب عشرة رجال بيد واحدة من دون أن يكلّ. كان لا بد من أن يقدّم السينما التي تناسب تلك المرحلة بداية من العام 1975، فقدّم «كفاني يا قلب» مع شمس البارودي، حسن يوسف، ومحمود عبد العزيز، إخراج حسن يوسف، ثم الميلودراما الإنسانية «وبالوالدين إحسانا» مع سهير رمزي وسمير صبري ومحمد صبحي، إخراج حسن الإمام، وقد بكى الجمهور معه وصفّق له طويلاً عندما أدى في الفيلم دور الأب المطحون من أجل تربية ابنه الوحيد الذي يتنكّر له، ليتأكد فريد شوقي أنه اختار الطريق الصحيح، عندما نقل إليه وزير الثقافة يوسف السباعي رسالة جاء فيها:

* فيلم هايل يا فريد... كنت مخبي الحاجات الحلوة دي فين؟

- أشكرك يا معالي الوزير دي شهادة أعتز بيها.

* إنت فنان كبير وقدير وتستاهل كل خير... بس الحقيقة أنا مش بكلمك علشان أهنيك بس على الفيلم لكن أنا بحمل برسالة لازم أبلغهالك.

- رسالة... رسالة إيه ومن مين؟

* يا سيدي سيادة الرئيس السادات بيهنيك على «وبالوالدين إحسانا» وبيقولك برافو يافريد وعاوزين نشوف أفلام كتير من النوعية دي لأن البلد محتاجاها... محتاجين نرجع القيم والأخلاق اللي ضاعت في الزحمة... محتاجين نرجع أخلاق القرية المصرية والحارة المصرية... دي الرسالة ومنتظرين بقى الجديد.

* إن شاء الله يا فندم بتشجيعكم ودعمكم.

لم تكن السعادة التي استقبل بها فريد شوقي رسالة الرئيس السادات لمجرد التهنئة، أو لأن رئيس الجمهورية أعجب بفيلم لفنان كبير، ولكن لأنه تأكد أنه يسير في الطريق الصحيح، وأن الاختيار لهذه المرحلة موفّق إلى حدّ كبير، فواصل بلا تردّد تقديم هذه النوعية من الأعمال «الميلودرامية» التي تتحدّث بلغة إنسانية عالية وتخاطب مشاعر الإنسان وليس غرائزه، من بينها «ومضى قطار العمر» مع ناهد شريف، سمير صبري، ونورا، إخراج عاطف سالم، ثم «هكذا الأيام» مع نورا، صلاح السعدني، مصطفى فهمي، وعلي الشريف، إخراج عاطف سالم أيضاً.

سمع فريد الكثير من عبارات المديح التي تؤكد له أنه فنان كبير وعظيم، سواء من زملاء جيله، بل ومن أساتذته من الجيل السابق، بداية من جورج أبيض وزكي طليمات ويوسف وهبي ونجيب الريحاني وغيرهم. كذلك سمع كلمات الإطراء والمديح نفسها من رؤساء وزعماء، بداية من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، مروراً بالكثير من رؤساء وملوك بعض الأقطار العربية، وصولاً إلى الرئيس السادات، بل ولم تكن تلك الكلمات تنتهي إذا ما مشى في شارع من شوارع القاهرة أو الإسكندرية أو أي مدينة مصرية، وكذلك المدن العربية من الجمهور الذي يلتقيه، بل إن شعبيته تخطت الحدود العربية، وأصبح له جمهور في تركيا وبعض العواصم الأوروبية، غير أن ذلك كلّه لم يكن بقدر السعادة التي أحسّ بها عندما التقاه الكاتب يوسف السباعي وزير الثقافة، ليبلغه ـ باعتباره رئيس شرف جمعية نقاد السينما المصريين ـ بأن نقاد مصر اختاروه هذا العام كأحسن ممثل عن دوره في فيلم «هكذا الأيام».

أحسن ممثل

أخيراً تذكّر النقاد فريد شوقي واختاروه كأحسن ممثل في مصر، اختاروه بالإجماع ومن دون اختلاف في ما بينهم ـ كعادتهم مع كل جائزة، ليكون هو ممثل مصر الأول، وهذا هو الأهم.

وقف كل فناني مصر ونجومها في القاعة يصفّقون لاستقبال «عريس الليلة» فريد شوقي في عرسه الذي أقامته له جمعية نقاد السينما المصرية، وفي المقدّمة نقاد مصر أعضاء الجمعية، وعلى المنصة رئيس شرف الجمعية ووزير الثقافة يوسف السباعي، ليسلّمه شهادة التقدير ودرع الجمعية، فيما كانت تتسابق عدسات المصورين لالتقاط الصور.

اغرورقت عينا فريد بالدموع وهو يبتسم فرحاً، فقد نال دروعاً وأوسمة أكبر وأغلى ثمناً، بل إنه نال وسام الفنون، أعلى وسام يمكن أن يحصل عليه فنان مصري، غير أن درع جمعية النقاد بالنسبة إليه هو الأهم والأعلى قيمة، لأنه شهادة من متخصصين في هذا الفن تقول إن هذا الفنان هو الأفضل في هذه الدولة.

وقف فريد على المنصة... وهو الذي وقف سابقاً أمام كاميرات السينما وفوق خشبات المسارح يصول ويجول، إلا أن الكلمات اليوم وقفت في حلقه غير أنه تغلّب على رهبته وابتلع ريقه وقال:

* ربما يكون سهلاً أن تصبح بين يوم وليلة النجم الأول في بلدك، من السهل أن تنال أوسمة ونياشين من ملوك ورؤساء... تتقرّب منهم ويرضون عنك، أو يعجبون بك، لكن من الصعب جداً أن يختارك كل نقاد بلدك لتكون الممثل الأول.

البقية في الحلقة المقبلة