قضت المحكمة الدستورية صباح اليوم برئاسة المستشار فيصل المرشد برفض الطعن بعدم دستورية تجريم الإنتخابات الفرعية، وذلك في الدعوى المقامة في ما يتعلق الطعن بعدم دستورية المادة 45 من القانون رقم 45 لسنة 1962 بشأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة المضافة بالمرسوم رقم 9 لسنة 1998 المعدلة بالقانون 70 لسنة 2003 والخاصة بالانتخابات الفرعية.

Ad

وفيما يلي نص الحكم الصادر من المحكمة الدستورية:

بسم الله الرحمن الرحيم

باسم صاحب السمو أمير الكويت

الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح

المحكمة الدستورية

بالجلسة المنعقـدة علناً بالمحكمة بتاريـخ العاشر من محرم 1433هـ الموافــق الخامـس من ديسمبـر2011م

برئاسة السيـد المستشــار/ رئيــس المحكمــــة فيصل عبدالعزيز المرشـد

عضوية السادة المستشارين/ خالــد سالــم علــي وراشد يعقـوب الشــراح

وعادل ماجــد بورسلـي ومحمـد جاسـم بن ناجـي

وحضــــور السيــــد/ أمين ســـر الجلســة حمـود غـزاي الديحـاني

صـدر الحكم الآتى :

في الدعوى المقيدة في سجل المحكمة الدستورية برقم (30) لسنة 2009 "دستوري"

بعد أن أحالت المحكمة الكلية (دائرة الجنايات/1) القضية رقم (404) لسنة 2008 حصر العاصمة ـ (170) لسنة 2008 المباحث :

المرفوعة من : النيابة العامة.

ضد :1ـ مسلط قويعان محمد المطيري 2ـ عبد العزيز فراج معزي المطيري3 ـ أحمد فلاح شوفان المطيري 4ـ رجا حجيلان شباب المطيري 5ـ طرقي سعود نهار المطيري 6 ـ مبارك محمد كنيفيد المطيري 7 ـ حسين قويعان محمد المطيري 8ـ محمد متعب عبيد المطيري 9ـ عيد شامان عايـد المطيري 10ـ محمد هايف سلطان المطيري 11ـ حميدي قناص غنيم المطيري 12ـ نواف ساري راشد المطيري 13ـ فهد محمد ضيف الله شرار 14ـ عبد الله محمد عبد الله المطيري 15ـ عبد الله سعـود المطيري 16 ـ سحمي شودري محمد المطيري 17ـ بدر عيد بزار المطيري.

الوقائــع

حيث إن حاصل الوقائع ـ حسبما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق ـ أن النيابة العامة أسندت إلي المتهمين أنهم في يومي 3و4/5/2008 بدائرة مخفر شرطة (صباح الناصر) بمحافظة الفروانية: نظموا انتخابات فرعية بصورة غير رسمية قبل الموعد المحدد لإجراء انتخابات أعضاء مجلس الأمة لعام 2008، بغرض اختيار من يمثل

(قبيلة مطير) عن الدائرة الانتخابية الرابعة للترشيح لعضوية مجلس الأمة 2008، وذلك بأن قام (المتهم الأول) بتنظيم وإعداد تلك الانتخابات، واتخذ من مسكن (المتهم السابع) مقراً لها، وقام (المتهمان الثاني والثالث) بإدارتها، وأشترك (المتهمون من الرابع حتى الأخير) في إجرائها، بأن رشح (المتهمون من الرابع حتى الثالث عشر) كل منهم نفسه فيها، وتوجه (المتهمون من الرابع عشر حتى الأخير) إلي تلك الانتخابات وأدلوا بأصواتهم فيها، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. وطلبت النيابة العامة عقاب المتهمين طبقاً لنص المادة (45/ خامساً) من القانون رقم (35) لسنة 1962 في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة المضافة بالقانون رقم (9) لسنة 1998، والمعدل بالقانون رقم (70)

لسنة 2003.

وأثناء سير القضية أمام المحكمة الجزائية قدم الدفاع الحاضر مع المتهمين مذكرة ضمنها الدفع بعدم دستورية نص المادة (45/ خامساً) من القانون سالف الذكر.

وبجلسة 10/5/2009 حكمت المحكمة بجدية هذا الدفع، وبوقف نظر الدعوى وبإحالة الأمر إلي المحكمة الدستورية للفصل فيه.

وعقب ورود ملف القضية إلى إدارة كتاب هذه المحكمة، قيدت في سجلها برقم (30) لسنة 2009 "دستوري"، وتم إخطار ذوي الشأن بذلك، وأودعت إدارة الفتوى والتشريع مذكرة بدفاع الحكومة، طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى، كما أودع محامي (المتهمين الأول والسادس والسابع) مذكرة صمم فيها على طلب الحكم بعدم دستورية النص سالف الذكر، وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي أصلياً: بعدم قبول الدعوي، واحتياطياً: برفضها موضوعاً.

وقد نظرت هذه المحكمة الدعوى على الوجه المبين بمحاضر جلساتها، وقررت إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، وبعد المداولة .

حيث إن النيابة العامة دفعت بعدم قبول الدعوى الدستورية بمقولة أن محكمة الموضوع لم تفصل في الدفع الموضوعي المبدى أمامها من بعض المتهمين بسقوط الدعوي الجزائية بمضي ستة أشهر، باعتبار أنه دفع يتعلق بمسألة أولية كان يتعين على محكمة الموضوع مناقشته وتمحيصه والفصل فيه ابتداءً، إذ أن مؤدى قضاء تلك المحكمة بسقوط الدعوى الجزائية أن تنتفي المصلحة في التمسك بعدم دستورية النص الطعين.

وحيث إن هذا الدفع ـ في أساسه ـ مردود بما هو مستقر عليه من أن المحكمة الدستورية ليست جهة طعن بالنسبة لمحكمة الموضوع، وإنما هى جهة ذات اختصاص أصيل حدده قانون إنشائها، والثابت أن النيابة العامة طلبت عقاب المتهمين طبقاً لنص المادة المطعون فيها، وأن محكمة الموضوع بعد استعراضها لهذا النص بدا لها جدية الدفع بعدم الدستورية المبدى أمامها في هذا الشأن، وأن نص تلك المادة لازم وضروري تطبيقه في النزاع الموضوعي المطروح عليها، ومن ثم فإن السبب الذي ارتكنت إليه النيابة العامة للقول بعدم قبول الدعوى الدستورية، يكون في غير محله حرياً بالرفض.

وحيث إن إجراءات الإحالة قد استوفت أوضاعها المقررة قانوناً.

وحيث إن المادة (45) من القانون رقم (35) لسنة 1962 في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة والمضاف البند خامساً منها بالقانون رقم (9) لسنة 1998 تنص على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن ألفي دينار ولا تزيد على خمسة الآف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين:... خامساً: كل من نظم أو اشترك في تنظيم انتخابات فرعية أو دعى إليها، وهي التى تتم بصورة غير رسمية قبل الميعاد المحدد للانتخابات لاختيار واحد أو أكثر من بين المنتمين لفئة

أو طائفة معينة..."

وحيث إن مبنى النعي على نص (البند خامساً) من المادة (45) سالفة البيان ـ حسبما يبين من حكم الإحالة ـ أنه قد انطوى على تجريم الانتخابات الفرعية

على نحو يتعارض مع حرية الاجتماعات التي كفلها الدستور في المادة (44) منه، كما يخالف مبدأ المساواة الذي كفله الدستور للناس كافة، والذي لم يقيد حقهم في إجراء المشاورات في انتخابات الجمعيات والأندية الرياضية والاتحادات والنقابات والتكتلات السياسية، وأن الاجتماعات التي تم تجريمها طبقاً لنص المادة المطعون فيها لا تعدو أن تكون من قبيل المشاورات داخل الأسرة الواحدة لاختيار من يرونه صالحاً لتمثيلهم في المجلس التشريعي، لا سيما أن المشاركة فيها اختيارية، ونتيجتها غير ملزمة.

وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الظاهر من نص البند (خامساً) من المادة (45) المطعون فيه، ومن الضوابط والقيود التي أوردها لتجريم هذه الانتخابات الفرعية، أنه لا يتعارض مع الحق في الاجتماع الذي كفله نص المادة (44) من الدستور، إذ لم يمنع هذا النص أحداً من حق الاجتماع، حتى ولو قبل الميعاد المحدد للانتخابات العامة، وإنما المحظور ـ بموجب النص المطعون عليه ـ هو إجراء انتخابات فرعية.

وتجدر الإشارة إلى أن المذكرة الإيضاحية للقانون رقم (9) لسنة 1998 بإضافة البند خامساً (بتجريم الانتخابات الفرعية) قد أوردت في هذا المقام دواعي تدخل المشرع لتجريم هذه الانتخابات، وذلك لسببين: أولهما: أن ما يجرى عليه العمل قبل انتخابات أعضاء مجلس الأمة وأعضاء المجلس البلدي، من تنظيم انتخابات أولية، وهى ما تعارف على تسميته بالانتخابات الفرعية، بين من يرغبون في الترشيح من المنتمين لفئة معينة (قبيلة أو طائفة) لاختيار واحد أو أكثر من بينهم، يكون له وحده أن يرشح نفسه بصورة رسمية في الانتخابات التي يعلن عنها، عامة كانت أو تكميلية، إنما يتنافى مع ما نصت عليه المادة (108) من الدستور من "أن عضو مجلس الأمة يمثل الأمة بأسرها، ويرعى المصلحة العامة"، وأن عضو مجلس الأمة، وإن كان فوزه بعضوية مجلس الأمة يرجع إلى الناخبين في دائرة انتخابية محددة، وهي التي رشح نفسه فيها، إلا أنه بعد انتخابه لا يمثل القاطنين بهذه الدائرة أو ناخبيها، كما أنه لا يمثل جماعة أو فئة معينة، وإنما يمثل الأمة بأسرها، ويرعى المصلحة العامة وحدها ولو تعارضت مع مصالح دائرته الانتخابية. وثانيهما: أن هذه الانتخابات الفرعية التي لا يعرفها الدستور ولا قانون الانتخاب، إنما تكرس الانتماء القبلي والطائفي على حساب الانتماء الوطني، وتتيح فرص الفوز للعناصر التقليدية صاحبة النفوذ والتأثير داخل القبيلة أو الطائفة على حساب العناصر الأكثر قدرة على العطاء والإبداع، لذا كان تدخل المشرع بموجب هذا القانون لوضع حد لمثل هذه الظواهر غير الحضارية.

وحيث إنه وإن كان الأصل في سلطة المشرع في تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، وأن الرقابة القضائية على دستورية التشريعات لا تستطيل إلى ملاءمة إصدارها، إلا أن ذلك لا يعنى إطلاق سلطته في سن القوانين دون التقيد بالتخوم التي فرضها الدستور حداً لها، ومن بينها ألا يكون التنظيم التشريعي للحق مؤدياً إلى مصادرته أو العصف به أو التغول عليه. ومتى كان ذلك، وكان رائد المشرع في تجريم الانتخابات الفرعية هو مناهضة إجراء مثل هذه الانتخابات التي تناقض أسس النظام الديمقراطي الذي يقوم عليه نظام الحكم في البلاد طبقاً للمادة (6) من الدستور، كما أنها تخالف جوهره، باعتبار أن الدستور في المادة (80) لم يكتف بتقرير الاقتراع العام لاختيار أعضاء المجلس النيابي بل أيضاً جعله مباشراً، متخذاً من ذلك أساساً لنظام الانتخاب حتى يكون التمثيل صحيحاً وتشترك الأمة بأسرها فيه. كما أن رائد المشرع أيضاً في تجريم هذه الانتخابات كان لدرء خطر جسيم يهدد نسيج المجتمع الكويتي وترابط أفراده، سواء من ناحية مضمونها، بتقسيم المجتمع لاعتبارات مردها إلى نزعاتهم العرقية، أو عصبيتهم القبلية أو الطائفية، وبث الفرقة والتناحر والتشاحن بين أبناء القبائل والطوائف بصفة عامة، وبين أبناء القبيلة أو الطائفة الواحدة بصفة خاصة، أو من جهة الآثار التي ترتبها من تقويض قيم المواطنة، وإحلال ولاء الفرد للقبيلة أو الطائفة، محل ولائه لوطنه، فتتحول بذلك إلى أداة لقطع أواصل التراحم بين أفراد المجتمع الواحد، ومعولاً لهدم نسيج المجتمع الكويتي وترابط أفراده، وما يستتبعه ذلك من وجوب استقلال النائب وتحريره من ضغط الفئة أو الطائفة التي ينتمي إليها وتأثيرها عليه، حتى تكون المصلحة العامة هى العليا.

ومتى كان ما تقدم، وكان التجريم الذي أتى به النص المطعون فيه،

لا يتعارض مع القواعد العامة في التجريم والعقاب ولا يمس الحقوق العامة التي كفلها الدستور، فإنه ـ في إطار النعي الماثل ـ يكون بمنأى عن مخالفة الدستور، وبالتالي تضحى الدعوى الدستورية الماثلة ـ والحال كذلك ـ فاقدة لسندها، ومن ثم يكون حرياً القضاء برفضها.

فلهــذه الأسبـاب

حكمت المحكمة : برفض الدعوى