يعد العلامة الرازي واحداً من أكبر العقول التي انتجتها الحضارة الإسلامية التي يحق لها أن تفاخر به مختلف الحضارات العالمية، فقد ضرب الرازي في كل فروع المعرفة بنصيب وافر فهو الطبيب والفيلسوف والفلكي والكيميائي. فقد جمع بين العلم النظري القائم على التحصيل والعلم العملي القائم على التجربة والمشاهدة فعد بحق مفخرة إنسانية أرست قواعد المنهج العلمي.ولد أبو بكر محمد بن زكريا الرازي سنة 250هـ/864م، في مدينة الري (جنوب طهران حاليا) وقد كانت الري حينذاك واحدة من كبرى مدن العالم الإسلامي ثقافة وعلما، فشب الرازي في جو علمي وحصل علوم عصره في وقت قصير بفضل نبوغه المبكر، فاتجه في صغره إلى تعلم الموسيقى والرياضيات والفلسفة، ولما بلغ الثلاثين درس الطب والكيمياء، وظل ملازما لشغفه بالطب حتى بلغ فيه الغاية وأصبح أكبر علماء عصره وأكثرهم معرفة. ولم يجد الخليفة المعتضد أفضل منه ليستشيره عند بنائه البيمارستان المعتضدي (أي مستشفي) في بغداد، فما كان من الرازي إلا أن قام بوضع قطع من اللحم في أكثر من مكان ببغداد ولاحظ سرعة تسرب التعفن إليها، فوقع اختياره على المكان الذي طالت مدة صلاحية اللحم فيه باعتباره أجود مناطق بغداد هواء وأصحها، فما كان من الخليفة إلا أن عينه رئيسا على هذا البيمارستان تقديرا لعبقريته وتفوقه، وفي السنين الأخيرة من حياته أصيب الرازي بالعمى فاضطر للعودة إلى مسقط رأسه مدينة الري، حيث توفي 311هـ/923م. يعد الرازي أول علماء المسلمين الكبار في مجال الطب فهو الذي جمع مسائل الطب المبعثرة ونظمها في كتاب جامع، كما كان له تجاربه وأبحاثه الطبية التي تؤكد عبقريته وتفرده فقد اهتم بطب الأطفال والنساء، بالإضافة إلى اختراعه للمراهم وخيوط الجراحة، وقيامه بإرساء قواعد الطب التجريبي، حيث قام بعمل بعض التجارب على الحيوانات كالقرود، فكان يعطيها الدواء ويلاحظ تأثيره فيها، فإذا نجح طبقه على الإنسان.وهو واضع المبدأ الطبي الشهير «إن ما يستطاع معالجته بالغذاء لا يعالج بالدواء، وما يمكن علاجه بالدواء لا يعالج بالجراحة»، وهو الذي لفت الأنظار إلى الاهتمام بالنواحي النفسية في علاج الأمراض العضوية.نبوغ الرازي في الطب يقف شاهداً عليه كتابه الشهير «الحاوي في الطب» أشهر مؤلفاته الذي أصبح منذ ترجمته سنة 1279م إلى اللاتينية المرجع الرئيس في علم الطب لدى علماء أوروبا، وتقديرا لنبوغه خصصت جامعة «برنستون» الأميركية قسما خاصا باسم الرازي يضم تراثه الخالد تقديرا للخدمات التي قدمها للإنسانية.وفي الكيمياء يعد الرازي صاحب أول محاولة علمية لتقسيم المعادن إلى أرواح وزاجات وأجساد وبوارق وأملاح وأحجار، وهو تقسيم ظل يعمل به قرون عديدة. كما أنه أول من توصل إلى أن المادة تتركب من أجزاء صغيرة، تنقسم بدورها إلى أجزاء دقيقة، تنتهي إلى أجزاء غاية في الدقة لا تقبل التجزئة، وهو ما يطلق عليه اليوم «الذرات».
توابل
علماء تحت راية الإسلام: أبوبكر الرازي... مؤسس العلوم
14-08-2011