بحسب الـ{إيكونومست}، ظلّ الناس يعتقدون حتى وقت ليس ببعيد بأن معظم الروبوتات ينتمي إلى فصيلتين: روبوتات Widgetophora المجهّزة بمخالب وبرافعات وبدواليب، أي التي تتضمّن أهم ما يجب أن يتضمّنه الروبوت والتي تشبه تماماً الآلات (مثل روبوت R2-D2)، وروبوتات Anthropoideaالتي تشبه مبتكريها، إذ إنها زُودت بأيادٍ، وبساقين لهما رجلان حقيقيتان، ووجوه ( مثل روبوت C-3PO).أما الروبوتات الأخرى القليلة التي تقع بين هاتين الفصيلتين والتي تشبه الحيوانات، فكانت تُبتكر عادةً لتشبه الحيوانات الأليفة (مثلاً، الكلب الآلي AIBO الذي ابتكرته شركة Sony) ولم تكن في الحقيقة أكثر من مجرّد ألعاب للتسلية. لكن لم تعد هذه الروبوتات مجرّد ألعاب للتسلية، ذلك أن مهندسي الربوتات قد أدركوا في وقت متأخّر أن ثمة حيلة قد فاتتهم. وقد نجح المصمِّم الطبيعي العظيم، ألا وهو التطوّر العلمي، في إيجاد حلول لمشاكل لم تستطع لا فصيلة Widgetophora ولا فصيلة Anthropoidea التعامل معها. وقد تم التوصّل إلى هذه الحلول بعد أن طرح المهندسون على أنفسهم السؤال التالي: "لماذا لا ننسخ هذه النماذج المثبتة علمياً بدلاً من أن نحاول خداع أربعة مليارات سنة من الانتقاء الطبيعي؟وقد تجلّت الإجابة عن هذا السؤال في ازدهار صناعة الروبوتات الشبيهة بالحيوانات. فاليوم، لم يعد المهندسون يكتفون بنسخ الكلاب إنما يعمدون كذلك إلى نسخ ذبابة كاملة بكل تفاصيلها بما فيها الشعيرات، والإنقليس السبّاح، والأخطبوط المحب للإمساك بالأشياء، والسحالي المتسلّقة، وحيوان البطلينوس المحب للاختباء في قاع البحر. كذلك يحاول المهندسون تقليد الحشرات من خلال ابتكار روبوتات تستطيع رفّ جناحيها والطيران. ونتيجة لذلك، خفّ اليوم رواج فصيلتيْ Widgetophora و Anthropoidea في حين توجّهت جميع الأنظار إلى فصيلة جديدة تُعرف بـ Zoomorpha.في هذا الإطار، تشكّل سيسيليا لاشي وفريق باحثيها في كلية سانت آنّا للدراسات المتقدّمة، مثالاً جيّداً على هذا الاتجاه الجديد، إذ يديرون ائتلافاً دولياً يعمل على بناء أخطبوط آلي.وبغية ابتكار حيوان رأسي الأرجل اصطناعي، بدأ فريق العمل بإعداد التطبيق القاتل بالمعنى الحقيقي والمجازي للكلمة: ألا هو أذرع الأخطبوط المرنة والقابلة للطي. ففي أذرع الفقاريات، تتولى العضلات مهمة تحريك الذراع في حين تتولى العظام مهمة حمل ثقل الذراع. أما في ذراع الأخطبوط، فلا عظام ما معناه أن العضلات هي التي ستتولى المهمتين. وبالإضافة إلى قدرة ذراع الأخطبوط على مسك الأشياء بإحكام، تكمن كذلك ميزتها في أنها تستطيع التغلغل إلى الزوايا والأماكن الضيّقة التي لا تستطيع ذراع حيوان فقاري من الحجم نفسه الوصول إليها.وبعد دراسة طريقة عمل ذراع الأخطبوط، توصّلت لاشي وفريق عملها إلى أخطبوط اصطناعي يتصرّف بالطريقة عينها. ولهذا الأخطبوط الآلي غلاف خارجي مصنوع من مادة السيليكون وأجهزة استشعار الضغط تساعده في التعرّف إلى الأشياء التي يلمسها. في داخل الغطاء، ثمة أشرطة وخيوط مصنوعة من مزيج مطاطي خاص مؤلف من النيكل والتيتانيوم. وعليه، نجح فريق الباحثين في التوصّل إلى أخطبوط آلي قادر على الالتفاف على شيء ما بالكامل بحركة تشبه على نحو مدهش حركة الأخطبوط الحقيقي.سباق الأذرعحتى الآن، لا يزال روبوت لاشي أشبه بحيوان وحيد الساق أكثر منه أخطبوط حقيقي، إلا أنها تخطّط لتصحيح ذلك خلال العامين المقبلين بإضافة سبع أذرع إضافية ونظام تحكم قادر على تنسيق عمل الأذرع كلّها. ويكمن الهدف من هذا في ابتكار آلة ذاتية الحركة قادرة على مساعدة الناس في إتمام المهمات الصعبة تحت الماء مثل إغلاق صمامات تسرّب النفط.وفي الإطار عينه، ثمة فريق مهندسين آخر في كلية سانت آنّا يديره باولو داريو وسيزاري ستيفانيني، يعمل أيضاً على نسخ مخلوق بحري. لكن هذا المخلوق ليس الأخطبوط إنما سمك الجلكى.الجلكى هو أبسط نوع فقاريات موجود على قيد الحياة. على غرار الأخطبوط، لا يتمتّع سمك الجلكى بعظام (علماً أن لديه هيكلاً عظمياً بدائياً مصنوعاً من الغضروف)، وبجهاز عصبي بسيط ما يجعله نقطة انطلاق جيدة للدراسات التي تتناول ترتيب الجهاز العصبي الذي أسفر في نهاية المطاف عن تكوين الدماغ البشري. لذلك، أمضى فريق ستين غريلنر في معهد كارولينسكا في ستوكهولم سنوات عدة في دراسة سمك الجلكى لاكتشاف بعض الحقائق عن جهاز الفقاريات العصبي.وتتمثّل أحدث طرق الدراسة التي يتّبعها الفريق في مراقبة نماذج آلية من سمك الجلكى. وفي هذا الصدد، بنى كلّ من داريو وستيفانيني جهازاً يشبه سمك الجلكى يُدعى Lampetra، مصنوعاً من حلقات دائرية تشبه حلقات سمك الجلكى الغضروفية. ولكلّ منها مغناطيس كهربائي معلّق بها وتُفعّل الحلقات بواسطة تيار كهربائي يمرّ من رأس الروبوت حتى ذيله بطريقة تشبه نوعاً ما طريقة تدفّق إشارة العصب في جسم حيوان حقيقي. هكذا، تجذب الحلقة الأولى الحلقة الثانية ثم تحرّرها لتجذب الثانية بدورها الحلقة التي تليها، مولدةً بذلك حركة موجية قادرة على دفع الروبوت إلى الأمام.وقد جُهّز روبوت Lampetra بعينين تتخذان شكل كاميرتين صغيرتين، ويستطيع هذا الجهاز الآلي استعمال المعلومات المتعلّقة بالألوان والأشكال التي تجمعها هاتان الكاميرتان للالتفاف على العقبات. وبالفعل، يكمن الهدف الأساسي من هذا المشروع في شرح كيف تستند الفقاريات إلى الإدراك الحسي للقيام بتحرّكاتها. ولكن قد يكون لنظام الدفع الفريد الذي زُوّد به Lampetra تطبيقات مفيدة، ذلك أنه برهن عن فاعليته في تحريك الآلات في المياه.ثمة خبير آخر في عالم الحيوان يستعمل الروبوتات لفهم سلوك الحيوانات الحقيقية هو الدكتور دانييل جيرمان من جامعة زيوريخ. يعمل جيرمان على حيوان البطلينوس ويبني نسخةً آليه عنه ليكتشف الطريقة التي يؤثر بها شكلُ صدفة الحيوان على فرص نجاته.في الواقع، تهرب أنواع مختلفة من البطلينوس من الحيوانات المفترسة بحفرها حفرةً في قاع البحر، معتمدةً في ذلك على الحركات المتناوبة التي تؤديها صدفتها والسفح العضلي الناعم الموجود داخل هذه الصدفة. ويتناوب هذان العضوان في أداء دور المرساة التي تثبت البطلينوس في حين تتولى الأعضاء الأخرى مهمة الحفر على عمق أكبر داخل الرواسب. بعدئذٍ، يليِّن حيوان البطلينوس الرواسب من خلال إخراج زخات من المياه من الفتحات الموجودة ما بين صمامات الصدفة. ونتيجة لذلك، ينجح البطلينوس في الاختفاء عن الأنظار في غضون ثوان قليلة كلما تواجد في حالة خطر أو تهديد.بغية فهم طريقة تواري البطلينوس عن الأنظار فهماً وافياً، صمَّم جيرمان بطلينوساً آلياً. وقد زُوّد هذا الروبوت بصدفة ثنائية الصمامات، وبخيطين يحرّكان الصمامات مقابل بعضها البعض، وبمضخة صغيرة لإخراج المياه (ولا يزال يعمل للتوصّل إلى أفضل تصميم للسفح العضلي الناعم). وبعد أن يبرهن جيرمان أن هذا الروبوت قادر على دفن نفسه والاختباء على نحو مرضٍ، ينوي تنظيم مسابقة بين روبوتات البطلينوس ذات أشكال صدف مختلفة ليكشف السبب الذي يجعل بعض الروبوتات أكثر فاعلية من غيره. وتعود صدف كثيرة ينوي إعادة تكوينها إلى مخلوقات أحفورية. وستساعد دراسة هذه الصدف في التأكد من الفرضية القائلة بأن الصدف الحديثة أكثر فاعلية من الصدف القديمة ما يفسّر سبب تفوّقها على الأخيرة.روبوت مطوّرلا بد من القول إن مشروع كلّ من غريلنر وجيرمان مثير للاهتمام أكاديمياً. لكن تبحث مجموعات أخرى، كمجموعة شيلي عن تطبيقات عملية. ويُعدّ الأبو بريص الآلي StickyBotIII الذي طوّره فريق مارك كوتكوسكي في جامعة ستانفورد مثالاً جيداً على ذلك.طالما أدهشت الناسَ قدرةُ حيوان الأبو بريص على تسلّق الجدران والسير على أسقف الغرف. وستكون لروبوت قادر على فعل الشيء نفسه استعمالات عدة. في الواقع، يكمن سرّ الأبو بريص في أن أصابع قدمه مغطاة بمجموعة كبيرة من الهياكل الدقيقة تشبه إلى حدّ معين خطوط البصمات إلا أنها أكثر تباعداً منها. وأثناء احتكاك هذه الخطوط بسطح ما، تجذب الجزيئات التي تتكوّن منها هذه الخطوط جزيئات سطح الاحتكاك خلال ظاهرة إلكتروستاتية تُعرف بقوة van der Waals. وإذا ما استُخدم حيوان (روبوت) خفيف بشكل معقول، تُعد هذه القوة كافية لإبقاء أصابع أرجل الحيوان أو الروبوت ملتصقة بالسطح.وعلى غرار الأبو بريص الحقيقي، لروبوت StickyBotIII أربع سيقان، وقد تمت تغطية أصابع قدمه بالخطوط المناسبة. وعليه، تستطيع السحلية الاصطناعية أداء الخدع نفسها التي تؤديها السحلية الحقيقية والتي لا تقتصر على تسلّق جدار أفقي، إنما أيضاً على تسلّق جدار له جزء ناتئ للوقاية يقيه من الشمس والمطر.لكن لا تقتصر استعمالات الروبوتات الشبيهة بالحيوانات على مجرّد اكتشاف وسائل حركة ذكية. ذلك أن هذه الروبوتات قادرة على محاكاة الحواس الخارجة عن نطاق قدرة الإنسان العادية. واليوم، يحاول طوني بريسكوت وفريقه في جامعة شيفيلد في بريطانيا تقليد الشعيرات الحساسة للغاية التي تتمتّع بها الذبابة الإترورية.يعيش هذا النوع من الذباب تحت الأرض ويعتمد على شعيراته لتحسّس الأشياء الموجودة فوقه أثناء تجواله في حفرته. لكن أثناء دراسة لقطات بطيئة تعرض حركات الذبابة، اكتشف بريسكوت وزملاؤه أن هذه الحشرة تدفع باستمرار شعيراتها إلى الأمام وإلى الوراء كي تتحسّس ثانيةً كل ما قد يبدو لها مثيراً للاهتمام.واستناداً إلى هذه المعلومة، نجح الباحثون في بناء Shrewbot، روبوت يشبه رأس الحيوان. وقد جُهّز بـ18 شعيرة مختلفة الطول وزُوّد ببرنامج كمبيوتر يحرّك كل شعيرة على حدة مستخدماً المعلومات المجمّعة لمعرفة ما إذا كان شيء ما يستحق عناء إجراء بحث مفصّل عنه. وحتى الآن، يستطيع الـ Shrewbot التمييز بين سطح ناعم وآخر مموّج. ويأمل بريسكوت في أن يتمكّن هذا الروبوت قريباً من تحديد الأشكال الأساسية كالأجسام الكروية، والمكعبات، والأجسام الأسطوانية. ويكمن الهدف الطويل الأمد في تصنيع روبوت قادر على العمل في أماكن تصعب الرؤية فيها مثل المباني المعبّأة بالدخان.هذه الابتكارات كلّها جيدة ومفيدة. قد يكون المنقذون الآليون اختراعاً مفيداً. إلا أن الميزة التي يرغب مهندسون كثر في إدراجها في الروبوتات هي قدرة الطيران من خلال تركيب جناحين يخفقان مثل جناحيْ الحشرات ويمنحان الروبوت القدرة على التطواف. سيتمكن روبوت طيّار صغير من هذا النوع مجهّز بكاميرا، من الدخول إلى أماكن صغيرة أو خطيرة للغاية على الإنسان- كمخابئ العدو مثلاً- والإبلاغ عما يجري فيها.وفي هولندا، طوّر فريق من الباحثين في جامعة ديلفت يشرف عليه ريك رويجسينك، روبوت DelFly وهو نسخة آلية عن حيوان اليعسوب الذي يتمتّع بزوجيْن من الأجنحة المرفرفة تعمل على محرّك كهربائي. ويستطيعDelFly القيام بمهام تتنوّع ما بين الطيران بسرعة كبيرة والتطواف لإلقاء نظرة عن كثب على الأماكن المثيرة للاهتمام. وتعمل النسخة الأولى من هذا الروبوت بواسطة آلة تحكّم عن بعد وليست في الواقع روبوتاً حقيقياً قادراً على العمل بشكل مستقل. مع ذلك، يتضمن هذا الروبوت كاميرا ويستطيع استعمال المعلومات التي تجمعها الكاميرا لضبط ارتفاعه واتجاهه. ويأمل الباحثون في أن يساهم تطوير هذه القدرة في جعل هذا الربوت مستقلاً بشكل كامل مستقبلاً.طيران وهمييعتمد روبوت طيار آخر، هو AirBurr الذي طوّره جان كريستوف زوفيري من Ecole Polytechnique في لوزان، مقاربة مختلفة. لا يشبه هذا الروبوت الحشرات كثيراً إلا أنه يتصرّف مثلها. ويتميّز بشكل خاص بقدرة الحشرات نفسها على التعامل مع العوائق التي تعترض طريقها. لقد صُمّمت هذه الروبوتات لتنهض بسرعة بعد أي اصطدام عرضي بالجدار وتتابع مسار طيرانها، بدلاً من أن تقتصر إمكاناتها على تفادي العقبات والالتفاف عليها. ولتحقيق هذه الغاية، تمت حماية جناح AirBurr الذي يشبه شكل الدمعة والمروحات الصغيرة بقضبان مصنوعة من مادة الكربون قادرة على امتصاص الصدمات، كذلك صُمِّم الروبوت لكي يحطّ دوماً بطريقة تكون فيها المروحات موجّهة إلى الأعلى، أي بطريقة تجعله مستعداً للإقلاع مجدداً مثل الحشرة التي تزعجنا لأننا لا نستطيع سحقها والتي تئزّ بشكل مزعج في مختلف أنحاء الغرفة.المقصود من ذلك كلّه هو أنه ليس ضرورياً أن تشبة الروبوتات الحيوانات كي تتصرّف مثلها. فقد تشبه روبوتات المستقبل في نهاية المطاف وحوشاً قروسطية لها رأس الزبابة وذراع الأخطبوط وجسم الأنقليس. كذلك من المرجح جداً أن تُصمَّم آلات متخصّصة تقضي مهمتها بالتنسيق مع ربوتات الاستطلاع الهوائية لتقديم المعلومات لمجموعات الروبوتات الأرضية أو الروبوتات البحرية المعدّة لإتمام مهمات مختلفة، أي لتقديم معلومات لما قد يصحّ تسميته بمنظومة روبوتية إيكلولوجية.
توابل - EXTRA
قريباً... روبوتات شبيهة بالحيوانات تخرج من المختبر
22-08-2011