من يقرأ الشعر القديم وحتى الحديث لابد له أن يلاحظ "التوطئة" التي يبدأ غالباً الشعراء قصائدهم بها تمهيداً لما يريدون قوله، والتي أصبحت نهجاً متبعاً عند كثير منهم.

Ad

وإذا فكرنا ملياً وبحثنا عن سبب واضح لهذا الأسلوب المتبع على مر السنوات، والذي تبعه الجميع، فسوف نجد أن له بداية أو عذراً واضحا، وأشار كثير من الدارسين إلى أن "التوطئة" تقليد دراج فحسب، غير أن هناك آراء أو نظرة سيكولوجية يكون لها تفسير آخر مختلف عما نتوقع، وهذا ما رآه خليل شرف الدين، الذي يقول في كتابه "البحتري": "البحتري قفزة في الزمان، لكنها كعادته غير موفقة، يريد أن ينتقل من حال إلى حال: حال التذكار، والشوق إلى حب يسكن ضلوعه، رغم تقطع الأسباب، وحال المدح الذي لم يحسن البحتري التمهيد له، شيمته في سائر مدائحه، هكذا قالوا عنه، أما نحن فنرى أن القضية، في المفهوم السيكولوجي، أعمق مما تراءى لبعض الدارسين القدامى والمحدثين.

فهؤلاء وأولئك، مع جزيل احترامنا لآرائهم وتقييماتهم، لم ينظروا إلى توطئة المدح بالغزل إلا على أنها تقليد، واحتذاء لا أكثر ولا أقل، نحن نرى أن أول من استهل مدحه أو هجاءه أو فخره، بالغزل كان في حالة تهيب وحذر وخوف مما سيقدم عليه، أو يقوله، فبدأ بتعويذة حلوة تقيه شر المجهول، وليس أجمل ولا ألصق بالنفس، من الغزل بالحبيب بتعويذة أو رقية".

وسنذكر في الأسبوع القادم، كيف أن الغزل في بدايته كان يمارس كابتهال للآلهة.