كان المبتدئون في الشعر يضربون له أكباد الإبل، حتى يقيم قصائدهم أو يوجههم، ومع ذلك لا يحفظ لهذا الشاعر إلا القليل لقلة التدوين ورحيل الرواة.

الشاعر حمد العيطلي المري عاش في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري، لا يعرف له تاريخ مولد أو وفاة، أمضى عمره بدويا في الربع الخالي ويقال إنه لم يدخل أي حاضرة حتى وفاته، وكان من صفاته التي تحدث عنها الرواة أنه رجل كان يعيش أغلب وقته بعيداً عن التجمعات، وكذلك وهبه الله صفة نادرة، وهي أنه كان يجري مع الخيل إذا جرت ولا تسبقه، حتى يقال إنه في معظم صيده للأرانب كان يلحق بها على قدميه.

Ad

شاعر متمكن سارت بأشعاره الركبان، حتى ان له قصيدة يقال إن الملك عبدالعزيز رحمه الله كان يرددها على بعض جلسائه لإعجابه بأحد أبياتها، الذي كان يقول فيه:

"يا وجودي وجد من حط معروفه وضاع

بين بوارٍ ومن بين جحّاد الجميل"

من قصائده

يـا وجــودي وجـــد مـــن حــــط مـعـروفــه وضــــاع

بــــيـــــن بـــــــــوارٍ ومـــــــــن بــــيـــــن جـــــحّـــــاد الــجــمـــيـــل

أو وجـــود الـلــي ورد لــــه عــلــى تـسـعـيـن بــــاع

عــــــــــدّوا الـــنـــزريــــن ذوده وهــــــــــو ربـــــعـــــه قـــلـــيــــل

أو وجـــود الـلــي فـقــد مـاقــف الــقــرم الـشـجــاع

محزمه في الضيق وإن جاه مختفّ الشليل

أو وجـــــــــود مـــــــــدوّر بـــكـــنّـــة الــــجـــــوزا ضـــــيـــــاع

أنــثـــنـــى طــــرادهــــا بــــعــــد بـــــــــار بـــــــــه الــصــمــيـــل

أو وجــــــــود صــغـــيّـــرا فــــاقــــدٍ حــــلـــــو الــــرضـــــاع

مـــاتـــت أمــــــه والـمـنــايــح حــــــلال الـــقـــوم حـــيــــل

لا بــعـــد يــشـــرب مـــــن الـــمـــا ولا يـــاكـــل مـــتـــاع

كـــــــــــل مــــــاهــــــزوا مــــــهــــــاده يــــطــــنّــــب بـــالـــعـــويـــل

مـــــن مــفـــارق واحـــــدا حـــــط فـــــي قـلــبــي رقـــــاع

كــــل مـطــلــب رحـمــتــه قـــــال لـــــي خــلّـــك ثـقــيــل

تـضــحــك الـدنــيــا بـعـيـنــه وانـــــا عـيــونــي جـــيـــاع

حـــظّــــه بــصـــفـــه كــــريــــمٍ وانــــــــا حــــظّــــي بــخـــيـــل

يسـتـطـيـع يـعـيــش دونــــي وانــــا مــالــي سـتـطــاع

مــابــقــى بــــــيّ كــــــود روحٍ عـــلـــى عــــــودٍ هـــزيــــل

بـيـنــي وربــعـــه مـــــن الــحـــرب مـاســعّــر وشـــــاع

كـــــــــــل مـــــانــــــوّي مـــجــــيّــــه تــــــداعــــــوا بــالــصــقـــيـــل

واتــــراجـــــع خــــوفـــــة الـــســـلـــم يــلــحــقـــه انـــقـــطـــاع

نــــــذر؛ لــــــولا خـــاطــــره يــعــرفـــوا مـــانــــي ذلـــيــــل

ومع أن شاعرنا لم يقرأ ولم يكتب ففي هذا النصّ تظهر لنا قدرته العجيبة، فهو كتب القافية على حرف "الضاد" ولم يخلط بينها وبين حرف "الظاء" مع أننا نرى في زمننا هذا شعراء يخلطون بين الحرفين في القافية.

فــوح صــدري فــوح قـــدرا عـلــى الفـاهـيـن طـــاش

عـــــــدّت الـــضــــو الــمـــوالـــي وصــــبــــره مــانــقــبــض

اه يــــــا حــــــزنٍ مــكــنّـــي وراء الأضـــــــلاع عـــــــاش

ماخذا من بعض جسمي ومن روحي بعض

حـســرتــي حــســـرة ظـمــايــا عـــلـــى عــــــدٍّ عـــطـــاش

فــــوق جــــال الــوقــر ولا عــلــى شــرعــة حـــــرض

لا تـــعـــرف لـــهـــا طــريــقــا مـــثـــل بـــاقــــي الـــقــــراش

ولا لقت في الحوض رشفه تعيد بها النقض

صــرت أنــا حـالـة مـريـضـا عـلــى ذرو الـفــراش

كــــــــــل مـــاقــــالــــوا تـــــشــــــالا يـــــــــــرد بـــــــــــه الـــــمــــــرض

مـــــن ســبــايــب واحــــــدٍ ضـحـكــتــه لــمــعــة قـــمـــاش

لـــي مـعــه ذكـــرى قـديـمـه وانـــا لـــي بـــه غــــرض

بــــــنّــــــة ثــــيــــابــــه زبــــــــــــادٍ مــــصــــفّــــاً فــــــــــــي غــــــــــــراش

تـنــصــلّ بـــصـــدري خــنــاجــر لـــيـــا مـــنّـــه عــــــرض

وله أيضاً

ألا واهـنــي الـطـيـر لا مـــن تـضـايــق طــــار

وغــــــادر مـــكـــانٍ فـــيـــه تـــلـــوي بــــــه الـضـيــقــة

وانــا لــي شـهـر محتـالـت الـرجـل للمسـيـار

ولا شــفـــت شـــــي يـــطـــرب الــقــلــب ويـفـيــقــه

يـــجــــر الــونـــيـــن بــمــيــلــة الــــفــــي لــلأســـاحـــر

وإلـــى بـــان نـــور الـفـجـر ضـجّــت معالـيـقـه

عـيـونــي مـخـيـلــة مــاوقـــف وبـلــهــا الـمــطــار

وصـــــــدري حـــبــــوس وثــــقــــوا بــــــــه مـغـالــيــقــه

عــلــى واحــــدٍ قــفّــت ظـعـونــه مــــع الـمـعـبــار

ولا لـــــي نـصــيــبٍ يـلــحــق الـظــعــن ويـعـيـقــه

سقى الله زمانٍ عادنا في العيون صغار

ولا هــــالــــزمــــان الــــــلـــــــي بـــلـــتـــنــــا مــطــافـــيـــقـــه

سقـيـتـه صـــدوق الـــودّ مــــن خــافــقٍ مــــدرار

وهــــو مـاعـطـانــي رشــفـــة مـــــن حـــــلا ريــقـــه

وله أيضاً

تـحـنّ الخـلـوج وتـزعــج الـصــوت بـالـونّـة

وانـا وسـط صـدري ونّـةٍ صوتهـا خـافـي

عـلـى غيـدهـا تـخـلـج مـعــا لاهـــب الـكـنّـة

وانــــا ونــتــي يـاخــلــج مـشــتــاي مـصـيـافــي

عـلــى واحـــدٍ لامـــن ظـهــر لـلـعــرب كــنّــه

مـطـالـيـع بــــدرا فــــي مــســا لـيــلــة صــافـــي

تقارع ضلوعي لـه؛ مثـل قرعـة الشنّـة

لبسني غلاه وصار لي مشلحٍ ضافي

احــــبّــــه ولا لــــــــي فــــيــــه جـــــــــودٍ ولا مــــنّـــــة

وهــــو مــثــل مــانـــا خــابـــره بـالــوعــد وافـــــي

أذبّ الــطــويـــل بـــحــــارق الـــدّمــــع وادنّــــــــه

ليـا مـن طرالـي بُعـد جــده مــن أسـلافـي

عـلـيــه الــســلام إذا وقــــف ســايـــري مــنّـــه

وعــلــيّ الـمـلامــة كــــان غــيـــرت مـيـقـافــي

رحم الله حمد العيطلي لقد كان شاعرا يستحق الاحتفاء به