تقف قلعة صلاح الدين في «جزيرة فرعون» في سيناء شاهدة على الأحداث وخصوصاً التوترات الراهنة على الحدود بين مصر وإسرائيل، وتعدّ القلعة أحد أهم معالم طابا، ولا علاقة لتسمية «جزيرة فرعون» بالفراعنة، إذ لم يسكنها المصريون القدماء وأقدم حضور سكاني فيها كان للعرب الأقباط.تبعد قلعة صلاح الدين عشرة كيلومترات عن مدينة العقبة و250 متراً عن شاطئ سيناء، وتمثّل قيمة تاريخية ثقافية مهمة، إذ تشرف على حدود أربع دول هي: السعودية، الأردن، فلسطين، ومصر. أنشأها القائد صلاح الدين عام 567هـ، 1171م لصدّ غارات الصليبيين وحماية طريق الحجّ المصري عبر سيناء، وكان لها دور عظيم في حماية سيناء من الغزو الصليبي. موقع استراتيجيتحتوي القلعة على منشآت دفاعية من أسوار وأبراج وفرن لتصنيع الأسلحة وقاعة اجتماعات حربية، وعناصر إعاشة من غرف الجنود وفرن للخبز ومخازن للغلال وحمام بخار وخزانات مياه ومسجد أنشأه الأمير حسام الدين باجل بن حمدان، وقد بنيت القلعة من الحجر الناري الغرانيتي المأخوذ من التلّ الذي بنيت عليه القلعة.اختار صلاح الدين موقعاً استراتيجياً في الجزيرة وبنى قلعته على تلّ مرتفع عن سطح البحر شديد الانحدار يصعب تسلّقه. تقع القلعة فوق تلّين كبيرين: تل شمالي وتل جنوبي بينهما سهل أوسط، كل منهما تحصين قائم بذاته قادر على الدفاع في حالة حصار الآخر، يحيط بهما سور خارجي كخط دفاع أول للقلعة، كذلك حفرت خزانات مياه داخل الصخر وتوافرت لها وسائل الحماية والإعاشة.للقلعة عناصر دفاعية تتمثّل في سور خارجي كخط دفاع أول تخترقه تسعة أبراج دفاعية، وتحصين شمالي وعليه 14 برجاً من بينها برج الحمام الزاجل، وتحصين جنوبي صغير، ولكل تحصين سور دفاعي كخط دفاع ثانٍ.لهذه الأسوار مجموعة من الأبراج فيها مزاغل للسهام على شكل مثلث متساوي الساقين في المواجهة وقائم الزوايا في الجوانب، لإتاحة المراقبة من الجهات كافة، ويتكوّن بعض هذه الأبراج من طابق واحد وبعضها من طابقين، ولبعض هذه الأبراج ثلاثة مزاغل وبعضها خمسة أو ستة مزاغل.برج الحمام الزاجليقع برج الحمام الزاجل في الجزء الشرقي من التحصين الشمالي، وقد عثر في داخله على بنائي الحمام وفيهما بقايا حبوب الشعير والفول، وكان أول من نظّم الحمام الزاجل لنقل رسائل الحكومة هو السلطان نور الدين محمود، الذي تولى حكم الشام عام 1146م، ونظّم نقل البريد بين القاهرة ودمشق عبر الحمام الزاجل عن طريق غزة والقدس وكذلك بين القاهرة والإسكندرية.خلف السور الغربي للتحصين الشمالي حجرات الجنود، وهي غرف إعاشة وحراسة. وفي القلعة خزان مياه وصهريج، يقع الخزان قرب السور الشرقي للتحصين وهو محفور في الصخر ويعتمد على مياه الأمطار التي تتساقط عليه من خلال فتحات في الأقبية الطولية التي تغطي الخزان، وفي حال ندرة الأمطار يُملأ الخزان من بئر في وادي طابا ويُنقل الماء بالمراكب إلى القلعة.أما الصهريج فهو أصغر حجماً ومبنيّ من الحجر الجيري وفي جواره حواصل الغلال التي عثر فيها على بقايا قمح وشعير وعدس، كذلك عثر على فرن القلعة وفي جواره موقد بلدي «كانون»، وقواعد لجرار كبيرة ربما كانت لأغراض التخزين.ادعاءات إسرائيلفي القلعة مسجد صغير يضمّ محراباً وشباكين كبيرين، وقد عُثر على لوحة المسجد التأسيسية متساقطة عند مدخله وأعيدت إلى مكانها الأصلي فوق المدخل أثناء عملية الترميم التي أجرتها هيئة الآثار المصرية ومن بعدها المجلس الأعلى للآثار في طابا منذ عام 1985، في إطار مشروع ترميم شامل لقلعة صلاح الدين، فضلاً عن حفريات أسفرت عن كشف آثار مهمة ولوحات تأسيسية أكدت بناء القلعة في عهد صلاح الدين، ودورها الحضاري وملامحها المعمارية الأثرية العربية، دحضاً لادعاءات إسرائيل بأن القلعة يهودية، في محاولة سرقة تاريخية لجزيرة مصرية قامت بها إسرائيل أثناء احتلالها لسيناء، إذ زوّرت تاريخ القلعة.ادعى الباحث الإسرائيلي ألكسندر فلندر الذي أجرى مسحاً أثرياً للجزيرة عام 1968، أن القلعة يهودية ونشر بحثه عام 1977، وذكر فيه أن «جزيرة فرعون» كانت ميناء ومرسى قديماً أيام نبي الله سليمان، ويذكر أن الكتاب الأول للملوك يفيد بأن الملك سليمان صنع أسطولاً من السفن في «عصيون جابر» التي يزعم أنها نفسها جزيرة فرعون.كذلك اعتمد فلندر على معطيات غير علمية أخرى تمّ دحضها بالكامل بأدلة علمية تؤكد أن صلاح الدين الأيوبي بنى القلعة ولا وجودلـ «عصيون جابر» المزعومة، فالتوراة لم تشر من قريب أو بعيد إلى جزيرة فرعون، فضلاً عن تضارب آراء علماء الآثار بشأن تحديد مكان الجزيرة والقلعة وعدم وجود دليل آخر يثبت صحة ادعاءات الباحث الإسرائيلي.الدليل الأثري الموجود الذي يؤكد أن السور المحيط بالجزيرة أنشأه صلاح الدين لصد غارات الصليبيين هو نص تأسيس خاص بالسور عثر عليه في الحفريات التي أنجزتها منطقة آثار جنوب سيناء للآثار الإسلامية والقبطية عام 1989، وهي لوحة من الحجر الجيري مكتوب عليها بخط النسخ المنقط في خمسة أسطر، وتتضمن اسم منشئ هذا السور وهو علي بن سختكمان الناصري العادلي في أيام الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي في تاريخ شهر المحرم سنة 584 هـ.ويبقى الاعتراف سيّد الأدلة، إذ يعترف فلندر نفسه بأن أراءه تخمينية في ظل غياب حفريات علمية منظمة، فيما أثبتت حفريات هيئة الآثار المصرية العلمية المنتظمة أن القلعة بُنيت في عهد صلاح الدين، وهذا ليس بغريب على قائد ذي فكر استراتيجي عسكري استغلّ سيناء فأنشأ فيها تحصينات عسكرية مثل قلعة الجندي في رأس سدر، وكان له طريق حربي في سيناء وأنشأ قلعة طابا ليؤمن حدود مصر الشرقية ضد هجمات الصليبيين.
توابل
قلعة صلاح الدين في طابا... بناها صلاح الدين وحاولت إسرائيل سرقتها
02-09-2011